الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

يناير القادم: موجة ثورية أخرى أم أخيرة؟

السؤال الشهير عن أحداث 30/6 هل هي ثورة أم إنقلاب؟

يناير القادم: موجة ثورية أخرى أم أخيرة؟
أحمد الشحات
الخميس ٢٣ يناير ٢٠١٤ - ٠١:١٠ ص
3198

يناير القادم: موجة ثورية أخرى أم أخيرة؟


كتبه / أحمد الشحات

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله ..صلى الله عليه وسلم .. وبعد ..

فمن الواضح أن الدولة العميقة الكبرى تستعيد توازنها من جديد وتقوم الآن بتصفية حساباتها المجمعة من السنوات الثلاث الماضية مع كل من رأته خصما لها علي مدار الأيام السابقة ، ولكن الفرق أن الدولة تقوم الآن بذلك في ظل مباركة شعبية وتأييد جماهيري ممن اكتووا بنار الثورة ولم يذوقوا منها إلا التدهور السياسي ، والتأخر الاقتصادي ، والانفلات الأمني ، تقوم الدولة بذلك وقد أُصيب عدد كبير من المواطنين بالإحباط البالغ خصوصاً بعدما فشل الإخوان في إدارة البلاد في الفترة التي مكثوا فيها في الحكم وقد حازوا علي كل أذرعه من رئاسة وحكومة وبرلمان . وقد كان الإخوان يمثلون عند الناس بصورة أو بأخرى انتصاراً للثورة وتحقيقاً لأهدافها التي كان منها وصول رئيس مدني منتخب عبر انتخابات شفافة ، وصناعة دستور جديد للبلاد ، وتعيين حكومة جديدة ...... إلخ .

ورغم أن كل ما سبق كان بحوزة الإخوان إلا أنهم عجزوا عن التعامل مع أجهزة الدولة الأساسية والمحورية من (جيش + شرطة + مخابرات + مؤسسات قضائية + أجهزة إعلام + بقايا النظام السابق + رجال المال وأصحاب النفوذ) .

فكان ماذا ؟

تأمرت هذه الأجهزة كلها لإسقاط هذا الوافد الجديد الذي فشل في التعامل معهم بل وشعروا منه بخطر شديد علي حاضرهم ومستقبلهم وقرروا أن يقوموا بإسقاطه ولكن بشيء من الذكاء حتى لا يتم اتهامهم بعد ذلك بالانقلاب علي إرادة الشعب فقاموا هم بعمل دؤوب متواصل يهدف في النهاية إلي صناعة إرادة شعبية جديدة تطالب هي بنفسها عزل من قامت بانتخابه تحت مبرر أنه لم يوف بوعوده معها وأنها شعرت معه بخطر علي الدولة وعلي مصالح الشعب .

لا يهمنا الآن تحديد الإطار الزمني الذي نشأت فيه هذه الرغبة لدي أجهزة الدولة ، لكن المهم أنها بدأت بالفعل في إسقاطه بكل الوسائل والطرق بعدما تأكد لديها أن لا وفاق ولا تلاق بينهم وبين هذا الوافد الجديد ، بعضهم يدعي أنه قام بذلك من أجل الحفاظ علي الدولة المصرية من الانهيار ويسوق الأدلة علي ذلك ، والبعض الأخر كان يستبقي وجاهته ومنصبه بلا شك .

وهذا باختصار هو إجابة السؤال الشهير عن أحداث 30/6 هل هي ثورة أم انقلاب ؟

فالجواب أنها إرادة شعب صنعتها الدولة ثم انحازت لها كأنها لم تتدخل فيها وهذا هو موطن الاحتراف في القضية لأن الشعب عندما ثار في يوم 30/6 وما بعدها طالب بنزول الجيش ليعزل الرئيس مرسي كما فعل مع مبارك وبالتالي سارع الجيش بالاستجابة لهذا الطلب خصوصاً بعدما تأكد لديه أن جماعة الإخوان لن تستجيب لصوت العقل وأنها قررت المواجهة ، بالدرجة التي جعلت الدكتور محمد مرسي يقف مخاطباً الملايين أن الشرعية ثمنها حياته ثم يخطب المرشد العام بعد ذلك في معتصمي رابعة العدوية ويقول أن الشرعية لا بد أن نحميها بدمائنا وإنا لله وإنا إليه راجعون .

المهم أن الشعب الآن وجد مصلحته في أن يكون في كنف الدولة حتى وإن كانت ظالمة أو مستبدة ، تزامن ذلك مع محاولة حثيثة من الدولة لتشويه مفهوم الثورة عموماً وتشويه بعض رموز ثورة 25 يناير تحديداً حتى يبلغ الغضب الشعبي أوجه ضد كل من يحاول استعادتها من جديد .

نستطيع متابعة ذلك من الكم الرهيب من المكالمات التليفونية التي يخرج بها علينا إعلامي معروف لعدد من الشباب الذين شاركوا في الثورة ، ويبدو أن جهاز أمن الدولة كان يعمل بكامل قوته وطاقته أثناء الثورة وما بعدها بعيداً عن التقلبات التي كانت تشهدها الدولة بين صعود وهبوط أو بين مد وجزر .

هذا الجهاز الفاسد الذي كان أداة الإرهاب والقمع في عهد الرئيس مبارك يبدو أنه لم يكن غائباً عن الأحداث لوهلة واحدة بالدرجة التي كان يسجل فيها المكالمات لمن قاموا باقتحام مقاره في القاهرة الإسكندرية وعدد من المحافظات .

هذه التسجيلات التي سيتخذها أمن الدولة في الفترة القادمة  أداة لمقاضاة البعض ولمقايضة البعض الأخر حتى يستتب له الأمر ويدين له الكل بالطاعة وكما قال أحد الشباب في واحدة من هذه المكالمات المسربة " أن الجميع مجروح ومسجل عليه"، وقد بدأت بالفعل هذه الإجراءات تبدو ملامحها على أرض الواقع .

إضافة لما سبق فإن المظاهرات في الفترة الأخيرة اكتسبت طابعاً عنيفاً فأورثت قدراً كبيراً من الكراهية والبغض لمن يقوم بها مع العنف الذي قررت الدولة أن تواجه به هذه الفاعليات مما جعل غالب الناس محجماً عن ذلك ، ويجب ألا ننسي أيضا أن مظاهرات 30/6 اكتسبت هذا العدد الجماهيري الهائل بعدما حصلت علي ما يشبه الطمأنة من جانب الجيش بتأمينهم والتصدي لأي محاولة للتعدي عليهم .

إذن نحن أمام مشهد غير قابل للتثوير بأي وسيلة من الوسائل السلمية المعروفة اللهم إلا إذا جنح القائمون علي الفاعليات إلي العنف والتخريب وهذا سيعود بالضرر البالغ عليهم أنفسهم لأن قوات الأمن هذه المرة تعرف جيداً كيف تواجهه مثل هذه الأمور وتم تدريب القوات عليها بدرجة كافية ، فضلاً عن أنها ترفع حالة التأهب والاستعداد القصوى لردع أي محاولة تهدف إلي إسقاط الدولة أو إضعافها .

ولكن المشكلة تكمن في من يمارس مع الشعب خداعاً واضحاً يتمثل في استغلال فكرة فزاعة عودة النظام القديم ـ الذي لم يكن له مشكلة كبيرة معه بل كان يتعامل معه وربما يتعاون ـ ليصفي حساباته مع السلطة الحاكمة الآن وتحت خديعة كبري وهي " استنساخ ثورة يناير مرة أخري " مع أنه يسعي للمصالحة بشروط يضعها لنفسه ولو وافقت ألدوله علي شروطه لن يمانع من الانخراط معها كما جاء ذلك علي لسان عدد كبير من قيادات التحالف لدعم الشرعية ، ويتبين الخداع أيضاً من خلال تعرفنا علي مطالب الثورة المزعومة فلن نجد إلا إما إسقاط للدولة ككل أو مطالب طفولية لن تغير من جوهر الأمر شيئاً وربما زادته تعقيداً مثل من يري أن التخلص من الانقلاب وهزيمته يتم عن طريق استقالة الفريق عبد الفتاح السيسي تاركاً منصبه لرئيس الأركان الحالي مثلاً مع ما قيل عن أنه أكثر عنفاً وشراسة وأنه يعتبر مهندس عملية فض رابعة التي تعد حدثاً فاصلاً في كل ما مضي من أحداث ، فأين عقول القوم إذن ؟

ربما يقول قائل ما دورنا تجاه دولة ظالمة تستعيد قوتها وجبروتها مرة أخري ؟ ألا يستدعي ذلك منا نوعاً من المقاومة والمواجهة مع هذه الدولة ؟

أقول أن الإجابة علي هذا السؤال فرع علي معرفة أسرار ثورة 25 يناير وهل هي قابلة للتكرار مرة أخري أم أن هذا محض خيال ، وسوف نجيب علي هذه السؤال في الفقرة القادمة ولكن فيما يخص مواجهه الدولة الظالمة كيف يكون ؟

فالجواب أن مواجهة مثل هذه الدولة يخضع لمسألة المصلحة والمفسدة  بمعني أننا إذا أردنا أن نأخذ قراراً مثل هذا فعلينا أن ندرك ما يلي :

ü    هل لدينا قدرة علي مواجهة هذه الدولة بالفعل ؟

ü    كم نتكلف من الخسائر المادية والبشرية في سبيل الوصول إلي هذا الهدف ؟

ü    هل نتيجة المواجهة مع الدولة إذا نجحت ستكون أفضل حالاً من الوضع الحالي أم سيزداد الأمر سوءاً ؟

ü    هل هذا الاختيار هو اختيار فئة معينة من الناس بحيث يكونون هم في عداد الفئة المارقة أم هم يمثلون الغالبية العظمي من الشعب ؟

ü    هل سوف نستعين بالأعداء ـ الكافرين أو الظالمين ـ في سبيل إسقاط هذه الدولة وإن كان كذلك فهل متوقع أن تكون هذه المساعدة خطوة علي سبيل الاستغلال والهيمنة بعد ذلك ؟

ü    هل هناك مصلحة للأعداء أن يسقطوا هذه الدولة لتحقيق غرضاً ما لديهم وبالتالي فدعمهم يأتي من منطلق تحصيل مصالح ذاتية خاصة ؟

هذه الأسئلة وغيرها يجب ألا نغفلها عند الحديث عن الواقع وعن التغيير الثوري تحديداً لأنه عبر التاريخ فإن الثورات عادة ما يتم استغلالها أو سرقتها أو تحويل مسارها ، فقط تستخدم الشعوب كأداة للوصول إلي المراد ثم يتحكم في المشهد بعد ذلك من رسمه وتحكم في مساره منذ البداية .

أما عن تغيير الدولة أو إزالة ما بها من ظلم فلابد أن يكون من خلال مسار سلمي سواء كان دعوي أو سياسي إلا أنه يتسلح بالصبر وطول النفس والتغيير المتدرج والإصلاح من قاعدة الهرم وقمته بشكل متوازن حتى لا يحدث الخلل فيؤدي إلي تعطل مسيرة الإصلاح .

نأتي الآن إلي السؤال الأكثر إلحاحاً وهو هل يمكن تكرار نموذج الثورة مرة أخري وكم يتكلف ذلك؟

نموذج الثورة المصرية نموذج فريد من نوعه ومليء بالألغاز والأسرار التي انكشف لنا بعضاً منها وتبقى أسرار أخري ربما يجود علينا الزمان بكشفها بعد ذلك فمن ذلك :

ü    أن الجيش كانت له رغبة في إسقاط النظام السابق وكان يتحين الفرصة لذلك وقد قدم له الشعب المصري هدية عندما ثار علي الوضع فأعفاه من مغبة الانقلاب العسكري الذي كان مؤكداً إذا أصرَّ مبارك علي توريث الحكم لابنه وهذا هو البعد الأهم والأخطر في انتصار أي ثورة فلو لم يتخلي الجيش عن مبارك لما سقط حتى الآن .

ü    انهيار الأمن الداخلي وتراجع الشرطة ما زال من الأسرار الدقيقة في مسار هذه الثورة : فهل خانت قيادات الداخلية مبارك ورجاله ؟ أم حدث خلاف بين وزير الداخلية والرئيس فأراد الوزير أن ينتقم من الرئيس فانفرط الأمر من أيديهم جميعاً ؟ أم أرادت قيادات الجيش أن تنتقم من قيادات الداخلية لثأر قديم بينهم فتركتهم يغرقون ؟

ü    الهجوم علي أقسام الشرطة واقتحام السجون هل كان مؤامرة تم تدبيرها بليل أم هي وليدة الصدفة واستغلال الحدث فقط ؟

ü    إلي أي مدى كانت الإصبع الخارجية كانت تلعب في بلادنا ؟ وإلي أي مدي كان ينسق بعض الشباب ـ الذين نحسن الظن ببعضهم في رغبتهم لنهضة بلادهم ـ مع الدوائر الخارجية وما مدى تأثير ذلك علي سير الأحداث بالداخل ؟

الحقيقة المؤكدة أن هذا الشعب لم يقم بهذه الثورة إلا بعد أن ضاقت به السبل وتسلط عليه الظلم ووجد فرصة سانحة لإسقاط هذا الظلم ولم يكن يعي من القضية أكثر من ذلك فلم ينتبه لمؤامرات داخلية أو خارجية وإنما تحرك بفطرته وحميته وسلامة نيته .

وبالتالي لو نظرنا إلي الذكري القادمة للثورة بالمعايير السابقة التي ذكرناها ستجد ما يلي :

ü    جماعة الإخوان هي الطرف المحرض والمحفز نحو هذه الثورة وقليل ممن تعاطف معهم وهذا كافي جداً لوأد هذه الحركة والتعامل معها بأقصى درجات العنف .

ü    جماعة الإخوان تقوم بذلك فيما يبدو حتى تقوم باسترداد السلطة من الحكومة الانقلابية وهذا لن يسمح به أحد يخاف علي مصلحة البلاد والعباد لأنه سيكون بداية السقوط للدولة بأكملها أو بداية للحرب الأهلية العنيفة .

ü    توعدت جماعة الإخوان السلطة بأن الثورة ستكون عنيفة ودموية وهم يعلقون عليها أمالاً كبيرة ويرون فيها أحلاماً عريضة ومن تتبع صفحاتهم وكتاباتهم يدرك ذلك .

ü    بدأت جماعة الإخوان سيناريو العنف عندما أقدمت علي حرق عربات الشرطة وحاملات الجنود ومحاولات حرق الأقسام  مما يعطي انطباع عن حجم الخراب المتوقع حدوثه في هذا اليوم .

هذه هي أمنياتهم وما يسعون إليه ولكن هل من الممكن أن ينجح مثل هذا التصور ؟

نقول أن مكونات نجاح الثورة ظاهرياً علي الأقل بغض النظر عن إمكانية تحول مسارها بعد ذلك هي:

( شعب ثائر بحيث يصعب اتِّهام حزب أو جماعة بتثويره + جيش له رغبة في حماية إرادة الشعب وإتمام الثورة + مُشعل أولي لفتيل الثورة سواء من الداخل أو الخارج ) .

 وتأتي بعد ذلك عوامل أخري أقل في الأهمية ولكنها متممة للنجاح وهي :

( إعلام موجه وداعم للثورة + جهاز شرطة غير معادي للثورة أو ساكت عنها + تنسيق مع مؤسسات الدولة الأخرى حتى لا يحدث تنازع علي السلطة + عدم وجود أجنحة خاصة موالية للرئيس المراد عزلة  من المدنيين أو العسكريين وإلا كانت الحرب الأهلية ) .

والواقع المصري واضح أن كل مكونات نجاح الثورة في جانب وهم في جانب أخر وهذا يدل علي أن ما سيقومون به أشبه بعملية انتحار كبري مع مخطط تخريب منظم ربما انتهى علي جثث وأشلاء وجراحات ولكن سيسفر عما يلي في وجهه نظري :

ü    القضاء علي الوجود السياسي والاجتماعي لجماعة الإخوان .

ü    تثبيت تهمة الإرهاب المنسوبة إليهم وتدعيمها بالأدلة القاطعة لأن كل ما يتولد من هذا اليوم سيتحملون نتيجته مباشرة .

ü    خسارة الجمهور والشعب بشكل كامل إن لم يكن مواجهه مع أجزاء منه.

أما فرص النجاح فهي ضعيفة جداً لما ذكرت ، لذا فلو تبقي لدي قيادات هذه الجماعة بعضاً من الوطنية وشيئاً من العقل والحرص علي شبابهم وكوادرهم فإن إعلان توقف المواجهات مع الدولة والانسحاب بشكل هادئ بأي ثمن هو الحل الذي لا حل غيره ، لأن الاستمرار لا يعني سوي الخسارة المحققة أما الانسحاب ـ رغم أنه تأخر كثيراً ـ إلا أنه سيحافظ علي بعض المكتسبات وفي تاريخ الإخوان تجارب مماثلة كثيرة تؤكد ما أقول وليس هذا الكلام بمستغرب علي قناعاتهم السياسية والفكرية .

أما بالنسبة للحزن علي أن مسلسل الثورة قد انتهي بشكل درامي وهزلي ولم تحقق الثورة المراد منها بالنسبة للشعب ، فله حديث آخر .

اللهم بلغت ، اللهم فاشهد .

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

 

 

 

 

تصنيفات المادة