الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ

وقد كثرت الأدلة من السنة النبوية الشريفة في التحذير من خطر اللسان وآفاته، والتحرز منه أشد التحرز

مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
حنفي مصطفى
الأحد ١٦ فبراير ٢٠١٤ - ١٤:١٦ م
3008

مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ

كتبه/ حنفي مصطفى

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الله -عز وجل- وعد المجاهدين في سبيله بالهداية إلى سبل الخير، فقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69)، والمجاهدة في سبيله تشمل جهاد البدن والنفس، ومن مجاهدة النفس مجاهدة اللسان، فهو مجمع الأهواء، وجهاده من أشق الجهاد، وجهاد النفس أصعب من جهاد البدن؛ لأن البدن مأمور، والنفس أمارة بالسوء.

فما أحوج هذا اللسان إلى المجاهدة والحفظ؛ لأن حصائده هي أصل الهلاك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وقد أصبح اللسان في هذه الأزمنة أصل البلايا والرزايا مما يتلفظ به من الباطل، والكذب والسب، واللعن والطعن، والغمز واللمز، والخوض في الأعراض، والاستهزاء والسخرية، والاستخفاف بالدين والشرع، وأعراض العلماء والدعاة والصالحين.

وقال الله -تعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق:18)، وقال -تعالى-: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النور:24)، وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَفْضَلُ الْجِهَادِ أَنْ تُجَاهِدَ نَفْسَك وَهَوَاك في ذَاتِ اللهِ -عَزَ وَجَلَ-) (رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني).

وقال محمد بن واسع لمالك بن دينار -رحمهما الله-: "يا أبا يحيى حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم".

وقال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "ما حج ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان، ولو أصبحتَ يهمك لسانك أصبحت في غم شديد".

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عَلَيْكَ بِحُسْنِ الخُلُقِ وَطُولِ الصَّمْتِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا تَجَمَّل الخَلاَئِقُ بِمِثْلِهِمَا) (رواه أبو يعلى، وحسنه الألباني).

فاللسان هو أعصى الأعضاء على الإنسان، وقد تساهل الخلق في الاحتراز عن آفاته، وغوائله، والحذر من مصائده وحبائله، وإنه أعظم آلة للشيطان في استغواء الإنسان، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، يَكْتُبُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، يَكْتُبُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهَا عَلَيْهِ سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني)، وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنكَ لَنْ تَزَالَ سَالِماً مَا سَكَتَّ، فَإِذَا تَكَلَّمْتَ كُتِبَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ) (رواه الطبراني والبيهقي، وصححه الألباني)، وقد جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه- ملاك الأمر كله، بقوله له: (أمْلِكْ عَلَيْكَ هَذَا)، وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ (رواه الطبراني، وصححه الألباني).

وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النجاة بقوله: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أكْثَرُ خَطَايَا ابْنِ آدَمَ فِي لِسانِهِ) (رواه الطبراني والبيهقي، وصححه الألباني)، وسئل -صلى الله عليه وسلم- عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: (الفَمُ وَالفَرْجُ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني).

وعن الحسن البصري -رحمه الله- قال: "يا ابن آدم بُسِطَت لك صحيفة، وَوكِّل بك ملكان كريمان يَكتُبان عملك، فأكثِر ما شئت أو أقِل"، وكان -رحمه الله- يقول: "مَن كثُر ماله كثرت ذنوبه،  ومَن كثر كلامه كثر كذبه، ومَن ساء خلقه عذب نفسه".

وذكر الله -عز وجل- أهل النار وعملهم، فقال عنهم: (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) (المدثر:45)، أي في الباطل والكذب، والغيبة والنميمة.

وقد كثرت الأدلة من السنة النبوية الشريفة في التحذير من خطر اللسان وآفاته، والتحرز منه أشد التحرز، فإن الله يحصي على العبد ألفاظه وكلماته؛ قال -تعالى-: (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ) (المجادلة:6).

فعلى المسلم العاقل أن يمسك لسانه ويحفظه، وأن يجعله فيما يعود عليه بالخير وإصلاح نفسه، وزكاته وطهارة قلبه، قيل للربيع بن خثيم -رحمه الله-: "ما نراك تغتاب أحدًا"، فقال -رحمه الله-: "لست عن حالي راضيًا حتى أتفرغ لذم الناس".

ثم أنشد:

لـنفـسي أبـكي لست أبـكي لغـيـرهـا                 لنفسي من نفسي عن الناس شاغل

قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "يا لسان قل خيرًا تغنم، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم"، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلا اللَّعَّانِ، وَلا الفَاحِشِ، وَلا البَذِيءِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

ألا فليسمع هؤلاء، الذين أصبح شغلهم الشاغل عيوب الآخرين، والطعن فيهم والسب والشتم، والاستهزاء والسخرية من الناس، وانشغلوا عن عيوب أنفسهم وإصلاحها!

قبيح من الإنسان أن ينسى عيوبه                  ويذكر عيبًا في أخيه قد اختفى

ولـو كـان ذا عقل لما عاب غـيره                   وفيه عيوب لو رآها قد اكـتفى

وكذلك مَن خاض في العلماء والدعاة والصالحين بالكذب والافتراء، أما سمع قول مالك بن دينار -رحمه الله-: "كفى بالمرء شرًّا ألا يكون صالحًا ويقع في أعراض الصالحين"؟!

إن شـئـتَ أن تحيـا ودينـك سالم                     وحـظـك مـوفـور وعرضك صين

لـسانـك لا تـذكر به عـورة امرئ                    فـكـلـك عـورات ولـلنـاس ألـسـن

وعـينـك إن أبـدت إلـيـك معـايـبًا                     فصنها وقل يا عين للناس أعين

وإن أردتَ الخير لنفسك؛ فزيِّن طاعة الله بالعلم والحلم والفقه، ثم أكرم نفسك عن أخلاق السفهاء، وعبِّدها على أخلاق العلماء، وعودها على فعل الحلماء، وامنعها عمل الأشقياء، وألزمها سيرة الفقهاء، واعزلها عن سبل الخبثاء.

اللهم وفقنا للمسارعة إلى طاعتك، والمبادرة إلى خدمتك، وحُسن الأدب في معاملتك، والتسليم لأمرك، والشكر لنعمك.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

علمني رمضان!
708 ١٥ يونيو ٢٠١٩
قل بفضل الله وبرحمته
614 ٢٦ مايو ٢٠١٩
زادك في رمضان
674 ١٥ مايو ٢٠١٩
ثروة مهدرة!
748 ٠٥ مايو ٢٠١٩
خصال الكمال
725 ٠١ مايو ٢٠١٩
الحياة الطيبة
691 ٢٠ أبريل ٢٠١٩