الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

كسر الحواجز الوهمية

في كثير من الأحيان نتوهم وجود حواجز بيننا وبين أشياء كثيرة في حياتنا وفى تطورنا وارتقائنا وفي الحقيقة قد تكون هذه الحواجز وهمية لا حقيقة لها

كسر الحواجز الوهمية
مصطفى دياب
الاثنين ٢٤ مارس ٢٠١٤ - ١٦:٢٧ م
2718

كسر الحواجز الوهمية

كتبه/ مصطفى دياب

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ـ صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد؛

في كثير من الأحيان نتوهم وجود حواجز بيننا وبين أشياء كثيرة في حياتنا وفى تطورنا وارتقائنا وفي الحقيقة قد تكون هذه الحواجز وهمية لا حقيقة لها وقد تكون سهله لا تستحق الهاجس الضخم حولها و قد تكون حواجز حقيقية فعلاً تستحق الدراسة والاجتهاد لإزالتها .

ففي مجال الدعوة إلى الله أو العمل أو التقدم الحياتي ربما نضع بأنفسنا حواجز تمنعنا من التقدم فتود أن تأخذ دوره الكترونية فتضع لنفسك تخوفات وعقبات وغير ذلك فأنت تمر على جارك وعلى عم فلان البقال وربما تجده على منكرٍ ما ومع ذلك لا تتكلم ولا تنصح توهماً منك أنه ربما يفعل بك كذا وكذا , وأنت تركب مع سائق التاكسي أو (التُك تُك) وتسمع الأغاني والمهرجانات بصوت صعب ومع ذلك تتوهم أنك لو كلمته لفعل بك كذا وكذا أو قال لك كذا فتُحجم ولا تنكر المنكر فيزيد المنكر .

ما يمنعك أن تتكلم مع أستاذك في الفصل أو الجامعة ؟ ما يمنعك أن تتكلم مع مديرك وصديقك والنبي يقول (الدين النصيحة) ويقول (من رأى منكم منكراً فليغيره ..) أخي الحبيب : أخلص فقط وأحسن التوكل على الله ولتكن غايتك مرضاة الله مهما كانت العوائق الحقيقية أو الوهمية قال تعالى لموسى وهارون (اذهبا إلى فرعون إنه طغى ..) لا تتوهم الأذى فتتوقف ولكن خذ حذرك وتحرك (قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى . قال لا تخافا إنني معكما اسمع وأرى .. ) أخي الحبيب : تكلم والله معك ويقول لك قائل لو تكلمت أصابك الأذى وأذكرك بقوله تعالى لنبيه (يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ..) قال بن القيم : العصمة على قدر البلاغ بلغ .. والله يعصمك فعلى قدر البلاغ تكون العصمة ويكون الحفظ من الله (احفظ الله يحفظك ..) وأنظر إلى مؤمن آل فرعون (وجاء من أقصى المدينة رجلٌ يسعى قال يا قوم أتبعوا المرسلين ..) وماذا بعد ؟! هل تعرض للأذى ؟ هل أصابه مكروه ؟ هل ضيعه الله ؟ قال تعالى : (فوقاه الله سيئات ما مكروا ..) أخي الحبيب : بلغ وليست عليك النتائج طالما قمت بكل ما يجب وأخذت بالمتاح من الأسباب مع حسن التوكل قال تعالى : (فإنما عليك البلاغ و علينا الحساب) وكما قال : (لست عليهم بمسيطر) أخي الحبيب : أكسر الحواجز فقد كان النبي يغشى الناس في مجالسهم ونواديهم وتحرك عمار بعد إسلامه بدعوة أمه فأسلمت وبدعوة أبيه فأسلم وهذا أبو هريرة يدعوا أمه ويظل يدعوها حتى أسلمت وأولاد عمرو بن الجموح لا يفتُرون عن دعوته والتحايل ليُسلم حتى أسلم فما توهم هؤلاء حواجز ولو توهموا ما أسلم على أيديهم من أسلم وهل ترى أكثر من أبى سفيان بن الحارث بن عم الرسول وأخيه من الرضاعة وعندما بُعث الرسول كان من ألد أعداءه واستمر على عداوته واستمر النبي على دعوته عشرين سنة نعم عشرين سنة لا تتعجب فقد مكث نوح ـ عليه السلام ـ يدعوا قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً وهم يسخرون منه ويتطاولون عليه (قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلالٍ مبين) ، وقالوا : (ما نراك إلا بشراً مثلنا وما نراك أتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي) ونوح يصمد ولا ينشغل عن هدفه من دعوتهم (وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم) فكان هَمّ نوح أن يؤمنوا و أن يغفر لهم الله و لذا فقد توخى نوح كل ما يظن أنه يؤدى إلى إنجاح دعوته (قال ربِّ إني دعوتُ قومي ليلاً و نهاراً . فلم يزدهم دعائي إلا فراراً . وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً . ثم إني دعوتهم جهاراً . ثم إني أعلنت لهم وأسررتُ لهم إسراراً . فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً) فلو توهم نوح الحواجز ما دعى وما تقدم ولكنه كان يستعين بالله ويخطوا خطوة إلى الأمام ويُغير أداءه وأسلوب حواره ووقت لقائه بهم ويُنوع في الحديث لعله يصل إليهم ويفتح الله قلوبهم .

أخي الحبيب : بمجرد كلامك المخلص سيكون الأثر

(قالوا من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين . قالوا سمعنا فتىً يذكرهم يُقال له إبراهيم . قال بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون . فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم انتم الظالمون) تكلم والله يعصمك من الناس , تكلم بإخلاص وكلماتك لن تضيع  .

آخى الحبيب : أنت من يصنع الحواجز  .

هل تذكر هذه المرأة التي أتت الكفل فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت وبكت وذكّرته بالله فقام عنها وقال والله لا يعصِ اللهَ الكفلُ أبداً فمات من ليلته فأصبح مكتوباً على بابه غفر الله للكفل .

و أخيراً أخي الحبيب  :

هل توجد حواجز حقيقية ؟ قال رجل للحسن : أُحب قيام الليل وأُعد طهورى ولا أستطيع القيام ! فقال له قيدتك ذنوبك) ، نعم أخي الحبيب إن الذنوب من أكبر الحواجز الحقيقية التي تحتاج إلى الاقتلاع وقد يتعثر العمل والانجاز بسبب ذنب واحد في مؤسسه وإليك أخي الحبيب ما ذكره بن قدامه حيث أصاب بني إسرائيل على عهد موسى قحط فأجتمع الناس إليه وقالوا يا كليم الله ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث فقام معهم حتى خرجوا إلى الصحراء وهم سبعون ألفاً أو يزيدون فقال موسى ـ عليه السلام ـ : إلهي اسقنا غيثك وانشر علينا رحمتك وارحمنا بالأطفال الرضع والبهائم الرُتع والمشايخ الرُكع فما زادت السماء إلا تقشعاً والشمس إلا حرارة فقال موسى : الهي اسقنا .. فقال الله : كيف أسقيكم ؟ و فيكم عبدٌ يبارزُني بالمعاصي منذ أربعين سنة ، فنادِ في الناس حتى يخرج من بين أظهُركم .. فبِهِ مُنعتكم ، فصاح موسى في قومه : يا أيها العبد العاصي الذي يُبارز الله بالمعاصي منذ أربعين سنة ؛ اخرج من بين أظهرنا فبِكَ مُنعنا المطر .. فنظر العبد العاصي ذات اليمين وذات الشمال فلم ير أحداً خرج فعلم أنه المطلوب .. فقال في نفسه إن أنا خرجت من بين هذا الخلق افتُضحتُ على رؤوس بني إسرائيل وإن قعدتُ معهم مُنعوا لأجلى .. فانكسرت نفسه ودمعت عينيه فأدخل رأسه في ثيابه نادماً على فعاله وقال : إلهي وسيدي عصيتُك أربعين سنة وأمهلتني وقد أتيتك طائعاً فاقبلني وأخذ يبتهل إلى خالقه فلم يستتم الكلام حتى ارتفعت سحابة بيضاء فأمطرت كأفواه الِقرب .. فعَجِبَ موسى وقال : إلهي سقيتنا وما خرج من بين أظهرنا أحد ! فقال الله يا موسى سقيتُكم بالذي به منعتُكم . فقال موسى : إلهي أرني هذا العبد الطائع .. فقال يا موسى .. إني لم أفضحه وهو يعصني أفأفضحه وهو يطيعني .

أخي الحبيب : لم يكن الحل الخروج من المؤسسة ولكن الحل الخروج من الذنوب والانكسار بين يدي رب العالمين .

أخي الحبيب : إن هذا العبد وقع في خيار صعب هل يُقدم مصلحته أم مصلحة مجتمعه ومؤسسته ؟ هل يفضح نفسه أم يموت شعبه ويسقط العمل وتنهار المؤسسه؟؟ و لكن الله لطيف بعباده .

وقال موسى : أي ربِّ أين أجدك ؟ قال الله : أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي .

والآن توبة وعودة وانكسار وانخلاع من الذنوب ومراقبة للنفوس والله الله في السرائر فإنه لا يصلح مع فسادها صلاح ظاهر .

وصلِ اللهم على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم  ..

 www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

ممنوع الاقتراب!
186 ١١ أكتوبر ٢٠٢٢
أحبك يا رب
124 ٢١ فبراير ٢٠٢٢
هل لك منارة؟
199 ١١ ديسمبر ٢٠٢١
اضبط البوصلة
247 ٣٠ نوفمبر ٢٠٢١
صناعة النموذج
207 ٠٦ نوفمبر ٢٠٢١
اترك أثرًا (4)
121 ٠٢ نوفمبر ٢٠٢١