الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

تهذيب العواطف أو القواصف والعواصف!

لكن لابد أن تكون العاطفة "مبنية على دليل شرعي، وأن تُزم بزمام العلم الشرعي، ومتى تبيَّن لصاحبها أن الحق خلاف ما هو عليه نسف تلك العاطفة

تهذيب العواطف أو القواصف والعواصف!
محمود عبد الحفيظ
الثلاثاء ٢٥ مارس ٢٠١٤ - ١٦:٣٢ م
4386

 تهذيب العواطف أو القواصف والعواصف!

كتبه/ محمود عبد الحفيظ

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد حفظ الله -تعالى- الإسلام بالعاطفة الإيمانية الصادقة من حب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين، والعمل لنصرة دينه -سبحانه وتعالى-.

لكن لابد أن تكون العاطفة "مبنية على دليل شرعي، وأن تُزم بزمام العلم الشرعي، ومتى تبيَّن لصاحبها أن الحق خلاف ما هو عليه نسف تلك العاطفة، ورجع إلى عين الحق، وكم مِن عواطف جياشة متدفقة وغيرة مندفعة لم تُزم بزمام العلم الشرعي وقد يكون أصحابها يريدون الخير... لكن كل هذا لا يشفع لصلاح العمل، العواطف بلا علم وضبط تنقلب عواصف" (بتصرف مِن وقفات منهجية تربوية دعوية من سير الصحابة للشيخ عبد العزيز السدحان).

ومن خصائص أهل السنة والجماعة: "الجمع بيْن العقل والعاطفة: فعقولهم راجحة، وعواطفهم صادقة، ومعاييرهم منضبطة، فلم يغلِّبوا جانبَ العقل على العاطفة، ولا جانب العاطفة على العقل، وإنما جمعوا بينهما على أكمل وجه وأتمه، فمع أن عواطفهم قوية مشبوبة؛ إلا أن تلك العواطف تُضبَط بالعقل، وذلك العقل يُضبط بالشرع" (رسائل الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد في العقيدة).

وقد قيل: "العاطفة عاصفة؛ إذا لم يكن لها مِن الوحي كاشفة".

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "إذا خرج عقلك مِن سلطان هواك؛ عادت الدولة له".

فإذا لم يحصل ذلك، ولم تُهذب العاطفة وتنضبط بالشرع والعقل؛ انقلبت الموازين واختلت المقاييس، وصار التعقل والتروي تخاذلاً وجبنًا، والحماقة شجاعة، وكان الانضباط بالموازين الشرعية خورًا وضعفًا، والفوضى بطولة وقوة!

والاستسلام للعاطفة يحجب المرء عن إدراك الحقائق ورؤية الأمور على ما هي عليه، ويحجب عنه الحكمة التي لابد من استعمالها في وقتها، كما يحجب عنه الحزم الذي لابد من استعماله في مواقف الحزم.

ومن هاهنا يقع ذلك "الخلل المنهجي" الذي اتسمت به كثير من الجماعات والتيارات المعاصرة -إلا مَن رحمه الله وكان على طريقة الكتاب والسنة بفهم السلف رضوان الله عليهم-؛ مما يجعل الكثير يعجب لهذه المفارقة العجيبة، وهذا الخليط مِن الأفكار المتطرفة مِن: تكفير المجتمع، ولغة العنف والصدام مع الدولة ومؤسساتها، وهذا جنبًا إلى جنب مع التهاون بالكليات والبديهيات الشرعية والقضايا الكبرى في الإسلام من أن تكون السيادة لله، والولاء لأهل الإسلام والبراء مِن سواهم، والانتصار لأهل السنة والجماعة "وعلى رأسهم الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-"، وغير ذلك... مرورًا من الاستخفاف بشأن الواجبات والمنهيات الشرعية: كمصافحة النساء، وسماع المعازف والغناء، إلخ.

وهذه المفارقة إنما وقعت لهيمنة هذه العاطفة على أصحابها، وظنهم أنهم -دون غيرهم- حراس الدين والقائمون عليه!

وقد يؤدي هذا الانسياق وراء العاطفة إلى عطب الإنسان وفوات منافعه في أمور الدين والدنيا بغير إضافة أو فائدة تذكر، وقد تصل به إلى نهاية غير كريمة!

فإن المرء متى استسلم لعاطفته المجردة وانساق وراءها؛ ساء سلوكه، واندفع كالسهم لا يلوي على شيء دون روية أو تفكير؛ لا يزن الأمور بميزان الوحي الشريف ولا يقدِّر عواقبها، ويصير منفلتًا لا ضابط له ولا رابط، بل قد يعد المفسدة الظاهرة مصلحة، والمصلحة الشرعية الراجحة مفسدة!

وربما إن سلم مِن ذلك يمتلئ قلبه بالحسرة والألم، ويشعر بالهوان والعجز عن أن يقدِّم شيئًا ينصر به دينه؛ فيقف حائرًا مذبذبًا، وربما قعد عن العمل، وضعف في سيره إلى الله؛ وهذا لجهله بميزان الوحي ومقاصد الشريعة.

فقد جاء الشرع الشريف بضرورة اعتبار المصالح والمفاسد، ومراعاة القدرة والعجز، وتحصيل المصالح ما أمكن، ودفع المفاسد ما أمكن؛ مما يحقق التوازن في حياة المسلم بين العاطفة والسلوك، ويوجِّه العاطفة الوجهة السليمة التي تبني ولا تهدم، وتنفع ولا تضر.

ولم يكلف الله العبد فوق طاقته من إلغاء مشاعره وعواطفه، بل جعل الله لذلك مسلكًا شرعيًّا تقر به نفس المؤمن في سلوكه وحياته سواء بالإيجاب أو السلب تجاه ما يعرض له، فمع قول الله -تعالى-: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ... ) (المجادلة:22)، قال -سبحانه-: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8).

وقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الولاء للمؤمنين والبراء من المشركين أوثق عرى الإيمان، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (أوْثَقُ عُرَى الإِيمانِ: الموَالاةَ فِي الله والمعاداة فِي الله، والحبُّ فِي الله والبُغْضُ فِي الله) (رواه الطبراني في الكبير، وصححه الألباني)، وبهذا يَعلم المسلم أنه لا يجوز له أن ينساق وراء عاطفته في تولي مَن لم يكن مسلمًا، ومحبته ونصرته؛ لشكله أو ألفته أو غير ذلك، فلا موالاة لأحد لمجرد الألفة والميل، بل لابد أن يكون هذا بموجب الأخوة الإيمانية.

وكذلك مِن بعض صور تهذيب الشرع للعاطفة: قول الله -تعالى-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) (النور:2)، فنهى الله -تعالى- عن الرأفة بالزانية والزاني في إقامة الحد عليهما "هذا مع ما في شرع الله مِن الأمر بالرفق والرحمة والرأفة، ومدح مَن اتصف بها"؛ لأن هذا الموطن ليس موطن رأفة، وإنما زجر وحزم؛ لحفظ الأنساب والأعراض، وتنفير الناس عن هذه الجريمة، ولو انساق المرء وراء عاطفته ورقَّ في هذا المقام، وتُركت إقامة الحدود أو حصل التهاون فيها لكان من أعظم الإفساد.

وقال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) (النساء:135)، وقال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) (التغابن:14).

وبيَّن -سبحانه- أنه ليس في كل وقت يحسن العفو ويجدر الصفح -وإن كان في الأغلب كذلك- إذ لما رغـَّب في العفو قرَن ذلك بالإصلاح، فقال -سبحانه-: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (الشورى:40)؛ وهذا لأن العفو أحيانًا لا يكون حميدًا، بل قد يكون أحيانًا سببًا لاغترار بعض المفسدين واستمرارهم على فجورهم إذا لم يُعاقَبوا ويؤخذ على أيديهم؛ فالعفو له محل، والحزم والأخذ بالعقوبة له محل آخر.

وقد يجر الاستسلام للعاطفة على الإنسان حسرة وندمًا كان في عافية منه، ولقد انساق أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- يومًا وراء عاطفته، وتعجَّل في قتل أحد المشركين بعد نطقه بهذه الكلمة العظيمة "لا إله إلا الله"، واعتذر عن ذلك بأن الرجل أعمل القتل في المسلمين، فولـَّد هذا في نفس أسامة -رضي الله عنه- حسرة عظيمة!

فعن جندب بن عبد الله البَجَلي -رضي الله عنه- قال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ بَعْثًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنَّهُمُ الْتَقَوْا فَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ، وَإِنَّ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ غَفْلَتَهُ، قَالَ: وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ فَقَتَلَهُ، فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ، حَتَّى أَخْبَرَهُ خَبَرَ الرَّجُلِ كَيْفَ صَنَعَ، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: (لِمَ قَتَلْتَهُ؟) قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْجَعَ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَقَتَلَ فُلانًا وَفُلانًا، وَسَمَّى لَهُ نَفَرًا، وَإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَقَتَلْتَهُ؟) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلا إِلَهَ إِلا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟) قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: (وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلا إِلَهَ إِلا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟) قَالَ: فَجَعَلَ لا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: (كَيْفَ تَصْنَعُ بِلا إِلَهَ إِلا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟!) (رواه مسلم).

فشق ذلك على أسامة -رضي الله عنه- جدًّا حتى تمنى أنه لم يشهد تلك الوقعة حال إسلامه، وإنما فعها حال كفره ثم أسلم؛ لأن الإسلام يجب ما قبله! فقال -رضي الله عنه-: "فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ" (رواه مسلم).

وقد ذكر الله لنا في كتابه الكريم موقفًا لامرأة نابهة استعملت لغة العقل والحكمة، وكان خطابها لأتباعها الذين أظهروا القوة والبأس وقدرتهم على محاربة سليمان -عليه السلام- خطابًا رصينًا هادئًا فيه إعمال العقل، ورؤية الواقع بحقائقه وأبعاده.

قال الله -تعالى- عن "بلقيس" ملكة سبأ عندما وصلها كتاب سليمان -عليه السلام-: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ . إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (النمل:29-31)، ويبدو أنها استدلت على تَمكُّن سليمان -عليه السلام- وقوته بتسخير الطير له، وبطريقة إلقاء الرسالة إليها عن طريق "الهدهد المهذب" الذي تولى عنها واحتجب منها؛ ولذلك وصفتْ الكتاب بأنه (كِتَابٌ كَرِيمٌ).

ولما قالوا لها: (نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ) (النمل:33)، كان منها التعقل والتروي واستعمال السلم قبل الحرب، فقالت: (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ . وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (النمل:34-35).

فكان هذا منها مع كونها امرأة، وكونها متبوعة ومطاعة، ومع ذلك لم تغلب عليها عاطفتها، بل حرزت جندها، وأرادت وقايتهم وعدم اصطلامهم في مواجهة مَن لا قِبَل لهم بمواجهته وحربه دون مصلحة وفائدة تُرجى.

وهذا ما يجب أن يكون عليه كل مسئول ومتبوع.

قال طاوس -رحمه الله-: "أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَلا أَقُومُ إِلَى هَذَا السُّلْطَانِ فَآمُرُهُ وَأَنْهَاهُ؟ قَالَ: لا تَكُنْ لَهُ فِتْنَةٌ، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ أَمَرَنِي بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ؟ قَالَ: ذَلِكَ الَّذِي تُرِيدُ، فَكُنْ حِينَئِذٍ رَجُلاً" (أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، وابن أبي الدنيا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

وقال سعيد بن جبير -رحمه الله-: "سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قُلْتُ: أَمِيرِي آمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: إِنْ خَشِيتَ أَنْ يَقْتُلَكَ، فَلا" (أخرجه ابن أبي شيبة، والبيهقي في شعب الإيمان).

وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "لا يَتَعَرَّضُ لِلسُّلْطَانِ، فَإِنَّ سَيْفَهُ مَسْلُولٌ" (الآداب الشرعية لابن مفلح).

وهذا إلا أن يترتب على ذلك ظهور للدين وإعزاز له، وغلبة المصلحة الشرعية؛ فحينئذٍ يأتي قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ, وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ) (رواه الحاكم والطبراني في الأوسط، وحسنه الألباني)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وبسبب الانفلات في ضبط العواطف رأينا مَن يدعي حرصه على نصرة الإسلام والتمكين له مع مخالفته للإسلام نفسه مِن الاجتراء على التكفير والتخوين وانتهاك الحرمات؛ كإفتاء د."محمد عبد المقصود" أن مَن علِم اعتداء أحد الضباط على امرأته أو أخته باغتصاب جاز له قتله! وجاز له استهداف وحرق بيوت وسيارات من علم تورطه في ذلك من ضباط الشرطة بزعم ردعهم؛ مما يفتح الباب على مصراعيه للجرأة على الدماء والاعتداء على الحرمات، ومعلوم لكل عاقل أن الحرق والتدمير لا يردع أحدًا، بل يزيد حنق الحانقين وغضب الغاضبين، وما دعا إلى حرقه وإتلافه: إما أموال عامة ملك لعموم المسلمين أو أموال خاصة لأصحابها لا يجوز انتهاك شيء منها؛ لعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا) (متفق عليه)، والأعجب محاولته تأصيل هذا الحرق والتدمير بأنه لا يتعارض مع السلمية، بل هو منها!

هذا غير تخوينه لكل معارض له ومخالف، والسب والشتم، والاتهام بالباطل لقطاعات عريضة من أهل الإسلام، بل مِن صفوة المسلمين من العلماء والدعاة إلى الله، والافتراء عليهم.

بل وصل الحال بالدكتور "محمد عبد المقصود" بعد أن دأب على اتهام فضيلة الشيخ "ياسر برهامي" بسائر التهم المختلفة والمتنوعة، وبـ"وثاق سحرية" لا يراها ولا يقرأها إلا هو! وتحميله للشيخ ياسر مسئولية كل ما يحصل للشعب المصري، وجزمه بعمالة الشيخ لأمن الدولة في "إصرار عجيب" يبدو معه أنه لو نفى الجميع ذلك "وفي مقدمتهم أمن الدولة"، وبرأ العالم كله الشيخ "ياسر" - لأصر د."محمد عبد المقصود" على أن الشيخ "ياسر برهامي" عميل لأمن الدولة على طريقة "عنزة ولو طارت!"؛ مما يذكِّر من وجهٍ بالخطيئة الأصلية عند النصارى؛ إذ لم يبقَ إلا أن يقول: إن الشيخ "ياسر" عميل لأمن الدولة بفطرته، ومذ كان في مهده!  

فإضافة إلى ذلك خرج علينا د."محمد عبد المقصود" على رؤوس الأشهاد ليتهم الشيخ "ياسر برهامي" في جرأة عجيبة باتهام مِن نوع جديد، أثار ضحك الجميع قبل سخطهم؛ حيث اتهم فضيلة الشيخ "ياسر برهامي" بتكوين "ميليشيات"...

والهدف منها: "محاربة التيار الإسلامي!".

إيْ والله!

بهذا رَمَى د."محمد عبد المقصود" الشيخَ "ياسر برهامي" الذي ما شُوهِد مثله في همته وسعيه وبذله في الدعوة إلى الله، وإسداء النصح للجميع؛ مَن وافقه ومَن خالفه!

وما أظن أن مَن عرف الشيخ وتتلمذ عليه يستطيع أن يدفع في هذا المقام أن يتردد في نفسه قول الحافظ الذهبي في شيخه ومعلمه ابن تيمية: "وهو أكبر من أن ينبِّه على سيرته مثلي، فلو حلفتُ بين الركن والمقام؛ لحلفت أني ما رأيتُ مثله، وأنه ما رأى مثل نفسه!".

فحسبنا الله ونعم الوكيل!

ولا ندري متى انتصر الإسلام عبر عصوره بهذه الطريقة؟!

ومتى مُكِّن للمنتسبين إليه -الذين يزعمون أنهم يسعون لنصرته وللتمكين له- بقول الزور والإفك، والافتراء المحض دون حتى شبهة دليل؟!

وهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- مع ما كان عليه مِن كمال العدل والإنصاف، والسلامة من الضلالة والغواية، ما كان يأخذ أحدًا بشائعات وأقوال مرسلة، بل كان ينهى عن الظن، وأن يحدث المرء بكل ما يسمع، بل لما أشاع المنافقون ما أشاعوا عن عائشة الطاهرة -رضي الله عنها- ما زاد النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن قال لها "مع عظيم حبه لها وتأثره بما قيل": (أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ) (متفق عليه).

وما كان -صلى الله عليه وسلم- يأخذ أحدًا بغير بينة شرعية، فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كَانَتِ امْرَأَةٌ تُظْهِرُ فِي الإِسْلاَم ِالْسُّوْءَ، فَقَالَ الْنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ رَجَمْتُ أَحَداً بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ) (رواه البخاري).

وهذا مع امرأة ظهر منها السوء بالفعل وليس مجرد شائعات أو ظنون، فمع عاطفته الإيمانية وغيرته -صلى الله عليه وسلم- على محارم الله -تعالى-؛ لم يرجم هذه المرأة، ولم يتجاوز حدود الله -تعالى- في ذلك.

فأين الدكتور "عبد المقصود" ومَن على شاكلته مِن ذلك؟!

إن الواجب على مَن كان صادقًا في إيمانه وناصحًا لأمته حقًّا ومخلصًا لها أن يدرك ما يمكن أن تؤدي إليه إثارة عواطف الناس من شرور ومفاسد "إن لم تُحكم بالشرع وتنضبط به"، وهذا إن كان بالحق؛ فكيف لو أثيرت هذه العواطف بالباطل والزور؟!

فيترتب على ذلك مزيد انشقاق واختلاف في الأمة، هذا غير تأخر الدعوة إلى الله وردها إلى الخلف سنوات طويلة، فيتحمل مَن تسبب في ذلك إثم ووزر ما تسبب فيه مِن فتنة الناس وتنفيرهم، (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (النحل:94).

فليتق كل امرئ ربه في أمته وفي دينه، وليقتدِ بهدي نبيه -صلى الله عليه وسلم- وسنته، فلابد أن تكون الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة؛ لا بإرهاب الناس وتنفيرهم، وسبهم والافتراء عليهم.

ولابد لكل منا أن يزم عاطفته بزمام الشريعة وميزان الوحي، ومتى بدا له أنها خلاف ذلك الميزان نسفها نسفًا... وعاد إلى ما يجب عليه من اعتبار المصالح والمفاسد، واحترام الموازين الشرعية.

نسأل الله أن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبسًا علينا فنضل.

وصلِّ اللهم على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي