الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مناجاة

آيات نيرات، وثناء عطر، وتوسل ملؤه الوجل، ومناجاة تنبض بالإيمان. باكورة ذلك قول

مناجاة
سعيد صابر
الاثنين ١٩ مايو ٢٠١٤ - ١٨:٢١ م
2255

مناجاة

كتبه/ سعيد صابر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيقول الله -تعالى-: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ . إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ . قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ . قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ . أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ . قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ . قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ . أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ . فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ . الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ . وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ . وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ . وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ . وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ . رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ . وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ . وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ . وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ . وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ . يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء: 69-89).

آيات نيرات، وثناء عطر، وتوسل ملؤه الوجل، ومناجاة تنبض بالإيمان.

باكورة ذلك قول إبراهيم -عليه السلام- لقومه: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ . أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ . فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ) أي: خالقهم ومالكهم ومدبر أمرهم، والذي رباهم بنعمه.

ثم أثنى على ربه بقوله: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ)، والله -عز وجل- خالق الهدى في القلوب, ونعمة الهداية أجل النعم على الإطلاق، ولخطورة وضرورة تلك النعمة الكبرى ومسيس الحاجة إليها سيما في أزمنة الفتن والمحن، والاضطرابات والصراعات والأزمات - افترض الله علينا أن نسأله إياها في كل يوم وليلة على الأقل سبع عشر مرة قائلين: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ).

ومن روائع ما نستمطر به الهداية: هذا الدعاء الفذ الذي كان يستفتح به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تهجده بالليل حيث كان يقول: (اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (رواه مسلم).

ثم أثنى إبراهيم -عليه السلام- على ربه بقوله: (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ).

وكلنا جائع إلا مَن أطعمه الله.

كلنا جاهل إلا مَن علـَّمه الله.

كلنا عارٍ إلا مَن كساه الله.

كلنا ضال إلا مَن هداه الله.

كلنا شقي إلا مَن أسعده الله.

كلنا مغلوب إلا مَن نصره الله.

ثم كان هذا الأدب الجم الذي تمثـَّل في قول إبراهيم -عليه السلام-: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ).

ولم يقل: "وإذا أمرضتني!"، مع أن المرض بقدر الله إلا أنه لما كان فيه ما فيه مِن النقص والعيب، وما تكرهه النفوس عدل عن قول: "وإذا أمرضتني" إلى قوله: (وَإِذَا مَرِضْتُ) تأدبًا مع الله.

ثم يواصل إبراهيم -عليه السلام- ثناءه على ربه؛ فيثبت له الإحياء والإماتة قائلاً: (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ).

ثم ينكسر قائلا بلسان المشفق على نفسه: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ).

وهذا شأن الكُمَّل من الخلق، والنخبة والصفوة من عباد الله؛ يشهدون تقصيرهم، ويعترفون بذنوبهم، ويقرون بخطئهم.

وبعد هذا الثناء العطر، وتلك المحامد الكريمة التي فتح الله بها على إبراهيم -عليه السلام- كان هذا السؤال الدعاء الخالد الذي أبقاه الله لإبراهيم، والذي بدأه بقوله: (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا) قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أي علمًا". (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)؛ لأن صحبة الصالحين في الدنيا والآخرة غاية وغنيمة سعى إليها سادات البشر.

فهذا نبي الله يوسف -عليه السلام- لما توالت عليه النعم، وتتابعت عنده الآلاء تضرع إلى ربه قائلاً: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (يوسف: 101).

ثم قال إبراهيم -عليه السلام-: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ) أي اجعل لي ذكرًا جميلاً مِن بعدي، وقد جعل الله له ذلك؛ فكان في طليعة مَن عناهم الشاعر بقوله:

مـوت الـتـقي حـياة لا انقطاع لها                    قد مات قوم وهم في الناس أحياء

وعـاش قـوم ولـم تـذكـر مـآثرهـم                   فـمـات ذكــرهـم والــقــوم أحـيـاء

وفي مقابل تلك القمم أصفار، ونكرات يُحسبون في عداد الأحياء وهم في الحقيقة موتى بموت قلوبهم، وسوء صنيعهم!

ثم كان هذا السؤال الجلل: (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ)، وقد بيَّن الله خصال الثلة المؤمنة في فاتحة سورة "المؤمنون"، فإن كان لك حاجة في اللحاق بهم والخلود في بحبوحة الجنة؛ فالزم غرزهم، وانسج على منوالهم.

أما قول إبراهيم -عليه السلام-: (وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ).

فهذا مما رجع عنه، قال الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (التوبة:114).

ثم ختم إبراهيم -عليه السلام- دعاءه وثناءه، ومناجاته التي تفوح وتنضح وتقطر إيمانًا بقوله: (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ . يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).

وإذا كانت النجاة منوطة ومعلقة على صلاح القلوب منا؛ فعلينا أن نُري الله مِن قلوبنا خيرًا، وأن نسأله -جلَّ في علاه- أن يجدد الإيمان في قلوبنا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

آن الرحيل!
868 ٢٦ يونيو ٢٠١٩
رحلة إلى الجنة!
661 ٠٧ مايو ٢٠١٩
رحلة إلى النار!
1179 ٠٤ مارس ٢٠١٩
كن منصفًا لا منسفًا!
753 ٠١ يناير ٢٠١٩
وحل الغفلة
1051 ٣١ مايو ٢٠١٧
الانقلاب!
1821 ٠٨ نوفمبر ٢٠١٣