الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

بعض البدع الشائعة في رمضان

لكن الشيطان لا يزال يتربص بالمؤمنين؛ ليصـرفهم عن الخير، ويدفعهم إلى الشـر، ومن وسائل ذلك إيقاعهم في البدعة

بعض البدع الشائعة في رمضان
أحمد الشحات
الأربعاء ٠٩ يوليو ٢٠١٤ - ١٨:٠١ م
7384

بعض البدع الشائعة في رمضان

كتبه / أحمد الشحات

الحمد لله والصلاة، والسلام علي رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فمن المعلوم أن الدين قد كمل، وأن الكتاب والسنة لم يتركا لأحد كائنا ما كان أن يزيد فيه أو ينقص، بل وأمر الشرع الناس أن يلجئوا إلى الكتاب والسنة عند الاختلاف، فقال عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]، وفي المقابل رهب وحذر من يخالف ذلك، فقال: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، وقال ايضاً: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

لكن الشيطان لا يزال يتربص بالمؤمنين؛ ليصـرفهم عن الخير، ويدفعهم إلى الشـر، ومن وسائل ذلك إيقاعهم في البدعة ، فإن الشيطان يسعى في إيقاع العبد في مصايده، وأول غاياته أن يوقعه في الكفر والشرك، فإن لم يستطع نقله من السنة إلى البدعة.

ولأن الأعمال تتفاوت فضلا أو إثما مع تفاضل المكان والزمان، فإن البدعة في الزمان الفاضل يكون إثمها أعظم، وخطرها أشد.

وفيما يلي بعض الأخطاء والبدع التي يقع فيها البعض _بقصد أو بدون قصد_ رأينا أهمية التنبيه عليها، والتحذير منها.

1-استقبال رمضان برفع الأيدي إلى الهلال ويقولون "هل هلالك شهر مُبارك":

فهذا لم يؤثر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-ولا فعله الصحابة، بل كان النبي إذا رأى الهلال، يقول: «اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ» [أخرجه الدارمي في سننه: 1729 واللفظ له، وابن حبان في صحيحه: 888، وقال الألباني: صحيح لغيره، وقال شعيب الأرناؤوط: صحيح لغيره].

2-صيام يوم الشك بنية صوم رمضان:

يوم الشك هو يوم 30 من شعبان إذا لم ير الناس الهلال يوم 29 لغيم أو قتر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ اليَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» [أخرجه الترمذي: 686، وقال: حديث حسن صحيح، وقال الألباني: صحيح]، رغم أن مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أنه كان يستحب صيام يوم الغيم اتباعاً لعبد الله بن عمر، وبعض الصحابة الذين كانوا يصومونه احتياطاً.

3-إضاعة الأوقات الفاضلة، والانشغال بالسهر واللهو في ليالي شهر رمضان:

فقد اعتاد كثير من الناس قضاء ساعات رمضان أمام التلفاز؛ لمشاهدة الأفلام، والمسلسلات، أو في الخيم الرمضانية للهو والفجور، فهذا من علامات الغبن والضلال أن يضيع العباد نفحات ربهم في أوقات تتنزل فيها الرحمات من الله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم: " أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ"[أخرجه البخاري: 6]، وكان السلف إذا دخل عليهم شهر رمضان تناكر بعضهم من بعض، حتى إذا انتهى الشهر أقبلوا.

4-تلحين القرآن:

تلحين القرآن يُخرج السامع عن مقصود القرآن من الخشوع فيه والتفهم لمعاني،. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وأَصْوَاتِها، وَإِيَّاكُمْ ولُحُونَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، وَأَهْلِ الْفسقِ، فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ بَعْدِي قَوْمٌ يُرَجِّعُونَ بِالْقُرْآنِ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ وَالنَّوْحِ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، مفتونةٌ قُلُوبُهُمْ، وقلوبُ مَنْ يُعْجِبُهُمْ شَأْنُهُمْ» [أخرجه الطبراني في الأوسط: 7/183، وابن وضاح في البدع: 2/169]، أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: " زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ "[أخرجه ابن ماجه: 1342، وقال الألباني: صحيح]، فهو محمول على ترتيله وتجويده، بدون لحن أو طرب أو ترنيم.

وقال الشيخ علي محفوظ _رحمه الله_ في الإبداع _بتصرف_:

"إذا أدت القراءة إلى تمطيط فاحش، وتغن زائد، وإخراج الحروف عن أوضاعها العربية، حتى يقع النقص والزيادة في القرآن ويختل نظمه، فهو حرام بالإجماع، كما نقل ذلك النووي، والماوردي وغيرهما"، فالمطلوب شرعاً هو تحسين الصوت؛ بحيث يعين على تدبر القرآن وفهمه، لا أن يتغنى به على أوزان موسيقية أو نغمات مرتبة، فإن القرآن منزه عن مثل هذا العبث.

5-التكلف في البكاء عند سماع القرآن أو عند الدعاء:

حيث أن كثير من الناس يرفعون أصواتهم بالبكاء والنحيب في الصلاة، وهذا أمر في غاية الخطورة حيث يُعرض صاحبه لبطلان صلاته أو الطعن في إخلاصه، والذي أُثر عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه كان يصلي " يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَى مِنَ الْبُكَاءِ "[أخرجه أبو داود: 904، وقال الألباني: صحيح]، ولم يكن يظهره، ولقد كان الصحابة والتابعون من أشد الناس اجتهاداً في الدعاء، وأكثرهم بكاءاً عند سماع القرآن؛ لكن لم يكن يُسمع لهم صوت، وقد قال محمد بن واسع: " لَقَدْ أَدْرَكْتُ رِجَالًا، كَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ رَأْسُهُ وَرَأْسُ امْرَأَتِهِ عَلَى وَسَادٍ وَاحِدٍ، قَدْ بَلَّ مَا تَحْتَ خَدِّهِ مِنَ دُمُوعِهِ، لَا تَشْعُرُ بِهِ امْرَأَتُهُ. وَلَقَدْ أَدْرَكْتُ رِجَالًا، كَانَ أَحَدُهُمْ يَقُومُ فِي الصَّفِّ فَتَسِيلُ دُمُوعُهُ عَلَى خَدَّيْهِ، لَا يَشْعُرُ بِهِ الَّذِي إِلَى جَنْبِهِ " [أخرجه ابن أبي الدنيا في الرقة والبكاء: صـ 135]، فالواجب على المُصلي ألا يتباكى، طالما كان بين الناس؛ وليجعل هذا الأمر في خلوته، ومن دفعه البكاء فيجب عليه أن يكتمه، أما إذا خرج منه بلا قصد فلا شيء عليه.

وينبغي أن يعلم أنه ليس ثمة ارتباط بين الخشوع والبكاء، وإن كان البكاء الناتج عن تأثر القلب يكون دلالة على الخشوع، ولكن ليس كل بكاء يكون ناتجاً عن ذلك، فقد يكون لإرهاف حس، أو رقة طبيعية، أو تأثر بحالة نفسية أو غيره.

6-القراءة بشواذ القراءات:

ومما يتكرر في زماننا، صلاة بعض الائمة بقراءات غير مشهورة لكثير من الناس، ولا يعرفها إلا من تخصص في علوم التجويد والقراءات، أو يجمع بين قراءتين أو أكثر في آية واحده في الصلاة، فالذي نراه هو المنع من ذلك خشية الوقوع في داء المباهاة أو العجب.

 مع العلم أن مقام صلاة التراويح ليس مقام تعليم لهذه الأوجه من القراءات، وإنما الأولى القراءة بالقراءات المشهورة لكل أهل بلد، منعاً للتشتت وضياع الخشوع.

قال ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-:

"ذكر تلبيسه على القراء، فمن ذلك أن أحدهم يشتغل بالقراءات الشاذة وتحصيلها، فيفني أكثر عمره في جمعها، وتصنيفها والإقراء بها، ويشغله ذلك عن معرفة الفرائض والواجبات، فربما رأيت إمام مسجد يتصدى للإقراء ولا يعرف ما يفسد الصلاة، وربما حمله حب التصدر حتى لا يرى بعين الجهل على أن يجلس بين يدي العلماء، ويأخذ عنهم العلم.

ولو تفكروا لعلموا أن المراد حفظ القرآن، وتقويم ألفاظه، ثم فهمه ثم العمل به، ثم الإقبال على ما يصلح النفس ويطهر أخلاقها، ثم التشاغل بالمهم من علوم الشرع.

ومن الغبن الفاحش تضييع الزمان فيما غيره الأهم، قال الحسن البصري: أُنزل القرآن ليعمل به، فاتخذ الناس تلاوته عملاً. يعني أنهم اقتصروا على التلاوة وتركوا العمل به" [تلبيس إبليس: صـ 101].

7-المبالغة في التنقل بين المساجد بحثاً عن جودة الصوت:

لا نماري في أن حسن الصوت معين على الخشوع، ويساعد على التدبر، لكن كيف الحال إذا تحول الأمر إلى قصد حسن الصوت لذاته؟ ويصير الارتباط بين حسن الصوت وبين الخشوع، بحيث إذا تخلف حسن الصوت لسبب أو لأخر لم يستطع أن يخشع، ولا أن يتدبر، بالإضافة إلى أن هذا الأمر يرتبط به غالباً أنواع أخرى من المفاسد، منها:

·     تضييع الأوقات في التنقل والمواصلات، حيث تكون هذه المساجد غالباً بعيدة عن مناطق الأكثرين.

·     فوات التبكير إلى الصلاة _غالباً_ وترك فضلية التقدم في الصف.

·  التكدس في بعض المساجد، وترك البعض الآخر؛ مما يُحدث خللاً كبيراً في الاستفادة دعوياً من جموع القادمين إلى المساجد.

 قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد _رحمه الله_ في جزء من "مرويات دعاء ختم القرآن": "الموقظة الرابعة": في النهي عن تتبع المساجد طلباً لحسن صوت الإمام في القراءة، قال محمد بن بحر كما في "بدائع الفوائد"(11/4):

"رأيت أبا عبد الله في شهر رمضان وقد جاء فضل بن زياد القطان، فصلى بأبي عبد الله في التراويح، وكان حسن القراءة، فاجتمع المشايخ وبعض الجيران حتى امتلأ المسجد، فخرج أبو عبد الله فصعد درجة المسجد فنظر إلى الجمع، فقال: ما هذا؟ تدعون مساجدكم وتجيئون إلى غيرها! فصلى بهم ليالي ثم صرفه كراهية لما فيه، يعني من إخلاء المساجد، وعلى جار المسجد أن يصلي في مسجده" اهـ.

 وفي مبحث "سد الذرائع" من "إعلام الموقعين"(160/2) قال ابن القيم _رحمه الله_:

(الوجه الخمسون: أنه نهى الرجل أن يتخطى المسجد الذي يليه إلى غيره، كما رواه بقية عن المجاشع بن عمرو عن عبيد الله بن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يَلِيه، وَلَا يَتَخَطَّاهُ إلَى غَيْرِهِ"، وما ذاك إلا ذريعة إلى هجر المسجد الذي يليه وإيحاش صدر الإمام، وإن كان الإمام لا يتم الصلاة أو يُرمى ببدعة أو يعلن بفجور فلا بأس بتخطيه إلى غيره" اهـ

  

8-ترديد بعض الأذكار بين صلوات التراويح بطريقة دائمة:

وهذه بدعة منتشرة في كثير من مساجد المسلمين، حيث يواظبون على ترديد أذكار معينة بصورة جماعية أو جهرية، مثل قولهم: "صلاة القيام أثابكم الله" بعد كل ركعتين، أوالترضي عن الصحابة، أو تلاوة المعوذات بعد أول ركعتين، فهذا مع أنه ذكر طيب وتلاوة للقرآن إلا أن تخصيص هذا الموضع يُعد من باب البدع الإضافية، والتي لَبّس الشيطان بها على كثير من الناس، فضلاً عما يعتريها أحياناً من الأذكار الباطلة، مثل: "الصلاة والسلام عليك يا أول خلق الله"، أو إحداث ضجيج وضوضاء تنافي الأمر بالخشوع والاطمئنان في المساجد.

9-تقليد بعض الائمة لأصوات المشاهير من القراء:

وهذا الأمر يقع فيه كثير من الشباب؛ بدافع التقليد أو الاقتداء بمن لهم قبول وحب من الناس، إلا أن هذا الفهم ينطلي على عدة أخطاء، فضلاً عما يؤدي إليه من مفاسد، مثل: العزوف عن الصلاة خلف الإمام الذي لا يُستحسن صوته، حتى وإن كان من أهل العلم والفضل، ومنها: انصراف الناس عن الخشوع في الصلاة وحضور القلب، إلى التعلق بمتابعة الصوت الحسن لذات الصوت.

قال الشيخ بكر أبو زيد _رحمه الله_ في كتاب بدع القراء:

" فأعلم أنه في عصرنا بدت ظاهرة عجيبة لدى بعض القراء، إذ أخذوا في التقليد والمحاكاة على سبيل الإعجاب والتلذذ، وتلقنه الطلاب وهو في دَورِ التلقي، ثم سرت هذه العادة فَتَكَوَّن منها هذه الظاهرة -ظاهرة المحاكاة والتقليد في الصوت-كل بحسب من أعجبه صوته، فعمروا المحاريب بالتقليد، وهم وقوف بين يدي الله تعال، يؤمون المصلين؛ ليحرك الإمام نفوس المأمومين بصوت غيره، ويتلذذ السامعون بحسن أدائه فيه، بل وصل الحال إلى أن الإمام في التراويح قد يقلد صوتين، أو ثلاثة، وهكذا، وقد سمعت في هذا عجباً ".

وقال أيضاً في الوقوف على حكم هذه الظاهرة الحادثة، وهي الإفتتان بتقليد أصوات القراء، والقراءة بها في المحاريب بين يدي الله تعالى:

·  هذا أمر (إضافي إلى التعبد في القراءة) فهذا (التقليد) (عبادة) ومعلوم أنه قد وجد المقتضي لهذا في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعصر صحابته -رضي الله عنهم-، فلم يُعلم العمل به على أحد منهم -رضي الله عنهم-وقد عُلم في الأصول: "أن ترك العمل بالشيء في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم-مع وجود المقتضي له يدل على عدم المشروعية ". فالصوت الحسن في القراءة موجود في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورأس الأمة في هذا نبينا ورسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم-فهذا المقتضي موجود، ولم يُعلم أن أحداً تقرب إلى الله تعالى بتقليد صوت النبي -صلى الله عليه وسلم-أو أحد من صحابته، ولا من بعدهم وهكذا، فدل هذا على عدم مشروعية هذا التقليد، وعُلم به أن التقرب إلى الله تعالى بذلك (التقليد والمحاكاة لأصوات القراء) أمر مهجور، فالتعبد به أمر محدث، وقد نهينا عن الإحداث في الدين.

 

·  والشرع يدعو إلى تحسين القارئ صوته، وهذا أمر مشروع في حق من يملكه، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وتطلَّبه بالتقليد والمحاكاة تكليف بما لا يسع العبد في طبعه، فهو غير مطلوب، وتكلف العبد ما لا يطيقه كمن يريد شَبر البسيطة _ أي قياس الدنيا بالشبر _، فالمقلد يعدل عن خلق الله له في ذلك التقويم، ثم يفعل بنفسه الأفاعيل؛ ليتحول إلى صورة ركيكة.

وأنصح كل مسلم قارئ لكتاب الله تعالى، وبخاصة أئمة المساجد أن يكفوا عن المحاكاة والتقليد في قراءة كتاب رب العالمين، فكلام الله أجلّ، وأعظم من أن يجلب له القارئ ما لم يطلب منه شرعاً زائداً على تحسين الصوت حسب وسعه لا حسب قدرته على التقليد والمحاكاة. وقد قال الله عن نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]؛ وليجتهد العبد في حضور القلب، وإصلاح النية، فيقرأ القرآن محسّناً به صوته من غير تكلف، وليجتنب التكلف من الأنغام والتقعر في القراءة، والممنوع من حرمة الأداء، وينبغي لمن بسط الله يده أن يجتهد في اختيار الإمام _ في الصلاة _ الأعلى، الأتقى، الأورع، السالم في اعتقاده من مرض الشبهة، وفي سلوكه من مرض الشهوة، وتقديم حسن الصوت الطبيعي على غيره، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "أما تحسين الصوت وتقديم حسن الصوت على غيره فلا نزاع في ذلك" اهـ [فتح الباري لابن حجر: 9/ 72].

10-التخفيف المُفرط في صلاة التراويح:

التراويح هي قيام الليل جماعة في رمضان، ووقتها من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وقد رغب النبي في أدائها ترغيباً شديداً فقال: " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "[أخرجه البخاري: 37]، والسُنة في التراويح أن تُصلى إحدى عشرة ركعة، أو ثلاثة عشرة ركعة، يُسلم بعد كل ركعتين مع تطويل القيام؛ لحديث عائشة: " مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا "[أخرجه البخاري: 2013]، فالأولى أن تُصلي كذلك، إلا أنه ليس هناك ما يمنع شرعاً من الزيادة على هذا العدد؛ لعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما سُئل عن قيام الليل فقال:

" مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى "[أخرجه البخاري: 472]، ومن هنا ذهب بعض الصحابه مثل أبي بن كعب إلى زيادة عدد ركعات التراويح إلى 23 ركعة، مع التخفيف في طول الركعات، فصارت زيادة الركعات مع تخفيف القراءة مكافئة لطول القراءة مع تقليل الركعات، ولكن الخلل فيمن يصلي إحدى عشرة ركعة؛ لكنه يسرع فيها إسراعاً مفرطاً يؤدي إلى الخروج عن المقصود.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

 

تصنيفات المادة