الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواقف الدعوة السلفية وحزب النور - حقائق وكواليس :: الحلقة الأولى

هناك فارقا كبيرا، وبونا شاسعا، وتباعدا واضحا بين تلك الأحكام والتصرفات التي تبنى على العاطفة، وبين التي تبنى على القواعد الشرعية......الأحكام العاطفية كثيرًا ما يندم عليها أصحابها حين يصطدمون بنتائجها

مواقف الدعوة السلفية وحزب النور - حقائق وكواليس :: الحلقة الأولى
محمد إبراهيم منصور
الجمعة ١٠ أكتوبر ٢٠١٤ - ٠٦:٠٦ ص
3230

الحلقة الأولى: مقدمات لا بد منهابين
الأحكام العاطفية والتي تبنى على القواعد الشرعية
خيار "الحشد مقابل الحشد" سيئول أمره إلى مفاسد هائلة.. بل ويقسم الشعب إلى معسكرين "إسلامي وغير إسلامي"
الأحكام العاطفية كثيرًا ما يندم عليها أصحابها حين يصطدمون بنتائجها
القنوات المحترفة صورت بعض المشاهد وسلطت عليها الأضواء.. وأكثرت من المحللين والمعلقين عليها لتطغى العاطفة على العقل والفكر.. فلا يستطيع أن يرى أو يسمع أو يفكر في سوابق تلك المشاهد أو لواحقها أو مآلاتها


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإن هناك فارقا كبيرا، وبونا شاسعا، وتباعدا واضحا بين تلك الأحكام والتصرفات التي تبنى على العاطفة، وبين التي تبنى على القواعد الشرعية.

من هذه الفوارق:

- أن الأحكام العاطفية متسرعة، والأخرى تكون بعد التأني وإعمال الفكر. 
- ومنها أن الأحكام العاطفية تقتطع جزءا من المشهد وتركز عليه، بل قد لا ترى غيره لمدة طويلة خاصة إذا قامت بعض القنوات الإعلامية المحترفة في مجال اللعب على العواطف بالتركيز على موقف عاطفي مجتزأ، وسلطت عليه الأضواء، وأكثرت حوله من المحللين حتى تعمى الأبصار والبصائر أن ترى غيره؛ فلا ترى السوابق أواللواحق أوالمآلات المتعلقة بهذا المشهد، والتي يمكن أن تغير الحكم عليه أو على الأقل التصرف الواجب تجاهه. أما الأحكام المبنية على القواعد الشرعية فتنظر إلى المشهد كله بسوابقه ولواحقه، بل ومآلاته ويكون الحكم أو التصرف منسجما مع مجموع ذلك كله.

- ومنها أن الأحكام العاطفية تكثر عند الجهلاء وقليلي العلم والخبرة، والأخرى فأربابها هم أهل العلم بالشرع وقواعده وبالواقع ومآلاته.

- ومنها أن الأحكام العاطفية كثيرا ما يندم عليها أصحابها حين يصطدمون بنتائجها وآثارها، أما الأخرى فأصحابها مطمئنون لأنهم بذلوا وسعهم واجتهدوا في تطبيق القواعد الشرعية؛ فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر.


وهذه بعض الأمثلة التي من خلالها يتضح المقصود:

فمن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى وهو بمكة سمية رضي الله عنها وهي مصلوبة وزوجها ياسر يعذب في شعاب مكة، فماذا فعل صلى الله عليه وسلم؟!
لو أعملنا حكم العاطفة لكان التصرف هو التهور والاندفاع؛ لأنه يركز على جزء واحد من المشهد وهو مشهد الأذى الذي تتعرض له المرأة وزوجها، وكيف يتركها؟! لا بد أن يدافع عنها دون النظر إلى بقية المشهد، ومن ذلك المآلات وأن هذا قد يؤدي إلى زيادة المظالم لا رفعها. 
فماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟! لقد أعمل القواعد الشرعية التي منها قاعدة "اعتبار القدرة والعجز"، وأنه لا يستطيع هو ومن معه من المسلمين رفع الظلم عنها؛ فلم يستطع إلا أن يقول: "صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة". 
قاعدة اعتبار القدرة والعجز:
خلاصة القاعدة أن المطالبة بالتكاليف الشرعية منوطة بالقدرة على أدائها، وأن العاجز عنها غير مطالب بها.
قال عز وجل: (فاتقوا الله ما استطعتم)، وقال عز وجل: (لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم"، وقال تعالى: "لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب".

يقول شيخ الإسلام: وَمِنْ الْأصول الْكُلِّيَّةِ أَنْ الْمَعْجُوزَ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ سَاقِطُ الْوُجُوبِ، وَأَنَّ الْمُضْطَرَّ إلَيْهِ بِلَا مَعْصِيَةٍ غَيْرُ مَحْظُورٍ؛ فَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ. "مجموع الفتاوى ج 20/559".

مثال آخر: 
لو أن جماعة يجلسون في المسجد وأرض المسجد رملية وجاء رجل وأخذ ناحية من المسجد وجلس يبول، فأراد الناس أن ينهوه عن هذا المنكر الشديد ويمنعوا هذا الإضرار بالمسجد، فنهاهم شيخ المسجد عن هذا وقال لهم: "لا تقطعوا عليه بوله"، وجاءت "الجزيرة والقنوات الربعاوية" وصورت هذا المشهد فقط دون سوابق أو لواحق أو مآلات..ماذا سيكون التصرف حينذاك؟!

مشهد يبول فيه إنسان في المسجد والناس لا يحرك أحد منهم ساكنا، وأتت القناة بالمحللين السياسيين بل والنفسيين وكررت المشهد مرات ومرات؛ حتى تستثير العواطف فتطغى على الأبصار والعقول والبصائر فلا ترى شيئا غير هذا المقطع؛ فتعلن التفسيق والتبدع والتخوين، بل والتكفير لهؤلاء الذين تدنس المقدسات على مرأى ومسمع منهم ولا يحركون ساكنا، فإذا أردت أن تبين لهم ما غاب عنهم من المشهد حتى يتصوروه بسوابقه ولواحقه ومآلاته لعل حكمهم عليه يختلف عن هذا الحكم الذي ذهبوا إليه؛ لم يعطوك فرصة لبيان شيء من هذا لأن العاطفة غلبت على سمعهم وأبصارهم وعقولهم!فماذا سيقولون إذا علموا أن مثل هذا المشهد حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم؟! 
فقد روى البخاري في "صحيحه" أن أعرابيًا جاء وبال في طائفة المسجد فنهره الناس، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه، وترك النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي يكمل بوله. ضرر بلا شك، لكنه أخف من قطع بوله عليه؛ فإن قطع البول يتضمن أضرارًا كثيرة أشد من البول في المسجد، ومن هذه الأضرار احتباس البول في بدنه بما 
يؤذيه، وتقاطر البول في أماكن أخرى من المسجد وعلى ثيابه وبدنه بما يوسع دائرة النجاسة؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم دفع هذه الأضرار بالضرر الأخف "وهو تركه يكمل بوله في موضع معين من المسجد".والقاعدة تقول: "الضرر الأشد يدفع بالضرر الأخف". والمعنى: أنه إذا كان أحد الضررين أعظم وأشد من الضرر الآخر في نفسه؛ فإن الضرر الأشد يزال أو يدفع بارتكاب الضرر الأخف، .


مثال آخر:

لو أن جيشا بأكمله من المسلمين جاءهم مسلم يستنجد بهم وقد جاءهم هربا من الكفار الذين يريدون فتنته عن دينه، فألقى بنفسه بين المسلمين وتظهر عليه علامات التعذيب؛ فيرسل الكفار في طلبه فلا ينصره جيش المسلمين وهو يستنصر بهم ويقول: أنقذوني من هؤلاء الكفار، ألا ترون ما صنعوا بي؟! ألا تعلمون ما يريدون مني؟! فلا يجد منهم الحماية والمنعة فيأخذه الكفار إلى ديارهم مرة أخرى!

لو أن "القنوات الربعاوية" صورت هذا المقطع من المشهد وسلطت عليه الأضواء التحليلية وكررت عرضه ونوعت المعلقين والمحللين لتطغى العاطفة على العقل والفكر؛ فلا يستطيع أن يرى أو يسمع أو يفكر في سوابق ذلك المشهد أو لواحقه أو مآلاته، وحينئذ تنطلق الصيحات مدوية وتخرج الفتاوى المعلبة الجاهزة بالتكفير لهذا الجيش بكل من فيه وبأهل البلاد ممن يواليه، بل ومن يسكت عنه ولا يخرج في المظاهرات للإنكار عليه، بل ومن لا يكفره أيضا.فإذا أردت أن تبين لهم ما خفي عليهم من الأمور المتعلقة بالمشهد من سوابق ولواحق ومآلات حتى تكتمل الصورة أمامهم فيحكموا عليها في سياقها؛ لم تجد من يسمع لأن العاطفة أعمت وأصمت فلم تترك للفكر والعقل مجالا، بل تتعالى الأصوات بالنكير عليك على أنك تدافع عن الظالمين، وهذا ركون إليهم وموالاة لهم، وهذا كفر ونفاق و... .... إلى غير ذلك من التهم!لكن ماذا لو كان هذا المشهد قد حدث في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؟! 
ففي صلح الحديبية جاء أبو جندل وألقى بنفسه بين جيش المسلمين وهو يقول: أنقذوني من الكفار إنهم يريدون أن يردوني عن ديني، فقال النبي لسهيل بن عمرو (وكان مشركا آنذاك): دعه لي! فقال سهيل: إذًا لا عقد بيننا؛ فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين "إما عقد الصلح، وإما أبو جندل"! فاختار النبي عقد الصلح. "فدفع المفسدة الأعظم باحتمال المفسدة الأقل، وحصول المصلحة الأعظم بتفويت المصلحة الأقل". 
وهذه عدة قواعد لا تستطيع العاطفة التعامل معها ولا الرضا بنتائجها إذا طبقت على الواقع مع ذكر أدلتها وأقوال أهل العلم في شأنها. 


قاعدة تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما:

أي إذا دارَ الأمر بينَ فعلِ إحدى المصلحتيْنِ وتفويتِ الأخرى، بحيثُ لا يمكنُ الجمعُ بينهُمَا، رُوعِيَ أكبر المصلحتين وأَعلاهُمَا فَفُعِلَتْ. فهنا توجد القدرة لكن أمامه مصلحتان ولا يقدر إلا على تحصيل واحدة منهما، ولا يستطيع الجمع بينهما؛ فمع أن الأصل تحصيل جميع المصالح وتكميلها، إلا أنه عند التعارض فإنه يفوت أدني المصلحتين ليتمكن من تحصيل أعلاهما.

قال شيخ الإسلام: "فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما؛ فقدم أوكدهما لم يكن الآخر في هذه الحالة واجبًا، ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تاركَ واجب في الحقيقة". "وكذلك إذا اجتمع محرمًان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما؛ لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرمًا في الحقيقة..." (مجموع الفتاوي ج 20/57).
وهذا باب التعارض، وهو باب واسع جدًا. 

فلو أن قومًا كان أمامهم طريقان أو خياران أحدهما فيه عشر مصالح أو واجبات والآخر فيه خمس مصالح أو واجبات، ولم يمكن الجمع بينهما؛ وجب اختيار الطريق الذي تحصل فيه العشر واجبات، ولا تكون الخمس الأخرى حينئذ واجبة عليهم، وليس لأحد أن يطالبهم بها أو أن يلومهم على تركها.
فهذا هو التصرف الذي يبنى على القواعد الشرعية.لكن العاطفي يقول لائما: كيف تضيعون مصالح كذا وكذا؟! ويعدد الخمس التي تم تفويتها لتحصيل العشر، فإن سألته: وهل عندك سبيل لتحصيل الجميع؟! فلن تجد عنده جوابا إلا تكرار اللوم على المصالح التي فاتت لأنه ركز عليها فقط من المشهد كله. 

 


قاعدة ارتكاب أخف المفسدتين لتفويت أشدهما:
يعني: أن المفاسدَ إذا تعارَضَت بحيث لا بدَّ من وقوعِ المكلَّفِ في بعضِها، فيرتكبُ المكلَّفُ أدنى المفاسدِ وأقلَّها، ويدفعُ أعلاها وأقْواها. فإذا تزاحمت المفاسد بحيث لا يتمكن المرء من ترك المفسدتين معًا، وإنما يتمكن من ترك إحداهما بشرط ارتكاب الأخرى، فحينئذٍ يرتكب المفسدة الأقل من أجل درء المفسدة الأعلى.والدليل على ذلك قوله تعالى: "مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِصَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (النحل: 106)، فإن الله أباح للمؤمن التفوُّه بكلمة الكفر إذا هدد بالقتل أو بغيره من الأمور التي يصعب عليه تحملها؛ فهو هنا يكون قد اختار أهون الشرين. 

قال شيخ الإسلام: "وكذلك إذا اجتمع محرمًان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما، لم يكن فعل الأدنى في هذا الحال محرمًا في الحقيقة، وإن سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعل حرام باعتبار الإطلاق لم يضر، ويقال في مثل هذا ترك الواجب لعذر وفعل المحرم للمصلحة الراجحة أو للضرورة أو لدفع ما هو أحرم". (مجموع الفتاوي 20/57).

وقال أيضًا: "وَقَدْ يَتَعَذَّرُ أَو يَتَعَسَّرُ عَلَى السَّالِكِ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْمَشْرُوعَةِ الْمَحْضَةِ إلَّا بِنَوْعِ مِنْ الْمُحْدَثِ لِعَدَمِ الْقَائِمِ بِالطَّرِيقِ الْمَشْرُوعَةِ عِلْمًا وَعَمَلًا، فَإذا لَمْ يَحْصُلْ النُّورُ الصَّافِي بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا النُّورُ الَّذِي لَيْسَ بِصَافٍ وَإِلَّا بَقِيَ الإنسان فِي الظُّلْمَةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعِيبَ الرَّجُلُ وَيَنْهَى عَنْ نُورٍ فِيهِ ظُلْمَةٌ، إلَّا إذا حَصَلَ نُورٌ لَا ظُلْمَةَ فِيهِ، وَإِلَّا فَكَمْ مِمَّنْ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ يَخْرُجُ عَنْ النُّورِ بِالْكُلِّيَّةِ إذا خَرَجَ غَيْرُهُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِمَا رَآهُ فِي طُرُقِ النَّاسِ مِنْ الظُّلْمَةِ". (مجموع الفتاوي ج 10/364).

فلو أن قومًا أمامهم طريقان أحدهما فيه مفاسد عظيمة والآخر فيه مفاسد أعظم، ولا يمكنهم تجنب الجميع وإن سكتوا فرض عليهم الأعظم؛ فإنه يشرع لهم بل قد يجب أن يختاروا طريق المفاسد العظيمة تجنبا للوقوع في الأعظم. 
فهذا ما تقتضيه القواعد الشرعية.أما العاطفي فإنه يتوجه إليهم باللوم الشديد والاتهامات؛ فيقول: فعلتم كذا أو فعل كذا في وجودكم ولم تمنعوه؟! ويحملهم تبعات ذلك لأنه لا يرى ما تم تجنبه من المفاسد الأعظم؛ لأنه كما ذكرنا لا يعمل فكره ولا يركز إلا على جزء واحد من المشهد.
قاعدة اعتبار المآلات:
مآلات الأفعال معناها أن يأخذ الفعل حكمًا يتفق مع ما يئول إليه، سواء أكان الفاعل يقصد ذلك الذي آل إليه الفعل أم لا يقصده.

يقول الإمام الشاطبي: "النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا سواء أكانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يئول إليه ذلك الفعل؛ فقد يكون مشروعا لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك؛ فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدّى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها؛ فيكون هذا مانعًا من إطلاق 
القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعة ربما أدّى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوى أو تزيد؛ فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق، محمود الغبّ، جار على مقاصد الشريعة". "الموافقات 5/177، 178".

أي أنَّ المجتهد لا يقوم بالحكم على التصرف قولًا كان ذلك التصرف أو فعلًا إلا بعد أن ينظر في مآله ونتائجه، ويقدر ما سيتمخض عنه تطبيق ذلك التصرف من المصالح والمفاسد والخير والشر، وبعد ذلك يصدر الحكم على التصرف بالمشروعية أو عدم المشروعية.

وبهذا تعلم أن من تبنى خيار منع الحشود مقابل الحشود كان ينطلق من قواعد منضبطة حين قال: "إن خيار الحشود مقابل المقابل الحشود سيؤول أمره إلى مفاسد هائلة، بل من بدايته ستقسمون الشعب باختياركم إلى معسكرين (إسلامي وغير إسلامي) حتى تجمعوا الناس حولكم باسم الإسلام؛ مما سيؤدي إلى إراقة الدماء بين الطرفين، وسيتحمل هذا الإسلاميون شاءوا أم أبوا، وسيدخلون في صراع مهلك مدمر للبلاد والعباد يحمل شباب التيار الإسلامي تبعات خطيرة قد تؤدي إلى تهور البعض حين يشعر بالإحباط واليأس مما يدخل البلاد في حالة من الصراع الداخلي باسم الإسلام؛ حتى يؤول الأمر إلى جزائر جديدة أو سوريا جديدة ، وتعود الخسارة على البلاد والعباد وسيتضرر التيار الإسلامي تضررًا بالغا يظل يعاني منه عشرات السنين بل سيصبح شبابنا معاول هدم لبلادة بدلا من أن يكون لبنات بناء".

 


الضرر يدفع بقدر الإمكان:

هذه القاعده تتضمن دفع الضرر قبل وقوعه وعند وقوعه وبعد وقوعه؛ فإن أمكن إزالة الضرر بالكلية فبها ونعمت، وإن لم يمكن إزالة الضرر بالكلية فإنه يزال الضرر بالقدر المستطاع.

أما صاحب العاطفة فإنه إما أن يزيل الضرر بالكلية، وإما أن ييأس ويجلس أو يتهور فيفسد.
الضرر لا يزال بمثله ولا بما هو أشد منه:
والمعنى أن الضرر تجب إزالته ولكنه لا يزال بمثله، ومن باب أولى لا يزال بما هو أشد منه بل يجب أن يزال الضرر بلا أضرار أن أمكن ذلك، وإن لم يمكن ذلك فإنه يزال بضرر أقل منه.

وهذه القاعدة لها علاقة بقاعدة (الضرر يزال)، وهي أن الضرر إن كان يزال فإنه لا يزال بضرر مثله أو أكبر، فهذه القاعدة قيد للقاعدة التي قبلها . 
وعلى هذا يكون لإزالة الضرر ثلاثة أحوال:
أن يزال بلا ضرر فيجب إزالته.
أن يزال بضرر أقل منه فيجب أن يزال.
أن يزال بضرر أشد منه فإنه لا يزال الضرر حيئذ.

وبهذا يتبين لك الخطأ الفادح الذي يقع فيه بعض الشباب بسبب تقديم العاطفة على القواعد الشرعية، فيحاولون دفع ما يرونه مفسدة بارتكاب أمور تجلب عليهم مفاسد أعظم. وللحديث بقية... 

تنويه: المقال القادم وعدة مقالات بعده سوف تكون بعنوان "مواقف حزب النور والدعوة السلفية حقائق وكواليس".