الثلاثاء، ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

دعوة الجبهة "القطبية"... مزيدٌ مِن الدماء لتحسين شروط التفاوض!

أخي الشاب المحب للشريعة أيًّا ما كان انتماؤك؛ هل تنوي النزول يوم 28 نوفمبر استجابة لدعوة الجبهة القطبية "التي تسمي نفسها بالجبهة السلفية"؟...

دعوة الجبهة "القطبية"... مزيدٌ مِن الدماء لتحسين شروط التفاوض!
عبد المنعم الشحات
الخميس ٢٠ نوفمبر ٢٠١٤ - ١٦:١٤ م
2631

دعوة الجبهة "القطبية"... مزيدٌ مِن الدماء لتحسين شروط التفاوض!

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أخي الشاب المحب للشريعة أيًّا ما كان انتماؤك؛ هل تنوي النزول يوم 28 نوفمبر استجابة لدعوة الجبهة القطبية "التي تسمي نفسها بالجبهة السلفية"؟

إذا كنتَ تنوي النزول من أجل الشريعة، فأدعوك إلى أن تقرأ أولاً حوار د."خالد سعيد" الداعي الرئيسي لهذه المظاهرات مع مجلة البيان، والمنشور في "25-12-2013م"، وبالأخص الفقرة الخاصة بتوقعاته حول كيفية سير الأمور مع النظام الحالي في مصر.

والتي لخص فيها أحوال الانقلابات -على حد وصفه- إلى خمس مراحل، وذكر أن الوضع في مصر على أعتاب المرحلة الخامسة، فقال: "المرحلة الخامسة والأخيرة التي يجب أن تنتهي عندها المرحلة الرابعة، يصل فيها النظام العسكري الانقلابي إلى أحد طريقين:

إما التفاوض الحقيقي، والذي سيبدأ بمفاوضات وعروض غير جادة وغير مباشرة وبعيدة، ثم تَضيق إلى أن تصل إلى أن يكون فيها قدر مِن الجدية، ثم تكون مباشرة على أعلى مستوى من الجانبين، وهو ما بدأ حدوثه الآن بالفعل، والتفاوض الجاد يعني أن تبدأ قيادة الانقلاب العسكري بخفض السقف، والإقرار بأنه ليس هناك ممنوعات ولا محرمات في النقاش وفي التفاوض.

وأما السبيل الثاني فهو سبيل خطير جدًّا، وذلك بأن يلجأ إلى البطش العسكري في كل الشوارع والميادين؛ مما يوقع خسائر فادحة "ربما أكثر من المرحلة الثانية بكثير"، بما يحول مجموعات الجيش المؤيدة للانقلاب إلى ما يشبه سلطة احتلال، وليس جيشًا وطنيًّا، وقد يعني تفكك مؤسسة الجيش والشرطة بدخولها في مواجهة شعبية عامة ضد رصيدها الإستراتيجي من الدعم الشعبي، وأحسب أن قيادات الانقلاب غير الأساسية قد تكون عاقلة وواعية؛ وإن لم تكن خيِّرَة، وقد لا ترغب في السير في هذا الطريق، كما أن هناك قوى دولية وداخلية قد ترفض ذلك؛ لخطورته على مصالحها، والشعب نفسه في هذه الحالة ستكون أمامه كل الخيارات مفتوحة؛ بما فيها بعض القوى التي أيدت ما جرى في "رابعة" و"النهضة"، ونهاية الانقلاب -إن شاء الله- ستكون في أحد الطريقين. أسأل الله أن تكون في التفاوض الذي لا تُراق فيه كثير مِن الدماء".

يتضح مِن هذا الحوار: أن نهاية المطاف "لا شريعة، ولا شرعية"، وأن المطلوب هو تهيئة المناخ أمام مذابح تورِّط مَن يقوم بها داخليًّا وخارجيًّا؛ حتى يتم فتح باب التفاوض!

وتعليقًا على هذه السياسة الخطيرة نقول:

1- إن تبني أي فصيل لسياسة دفع قوات الأمن لارتكاب مجازر؛ عمل غير إسلامي، بل غير إنساني! ولو أمكن أن يُنازِع البعض في جوازه أمام قوات الاحتلال؛ فلا يمكن أن ينازع عاقل في جواز ذلك ليقتل الشرطي أخاه المدني أو العكس.

2- إن حجب هذه السياسة عن الأتباع الذين سيكونون هم وقود تلك المعارك هو مِن باب التضليل وخيانة الأمانة، أو الخداع -على الأقل- كما قالت ذلك الإعلامية "حياة اليماني" وعلى قناة "الجزيرة مباشر مصر"، ولم يملك د."هشام كمال" أحد المتحدثين باسم "الجبهة القطبية" لذلك ردًّا -وسيأتي تفصيل ذلك لاحقًا إن شاء الله تعالى-.

3- إن هذه السياسة لا تعطي الحق لقوات الشرطة بأية صورة من الصور في الاستعمال المفرط للقوة أو الاستباق بتوجيه السلاح إلى الحشود، حيث إن مِن أهم واجبات قوات الأمن هو الحرص على ضبط المتهمين مع الحفاظ على أمنهم وسلامتهم حتى يقدَّموا للمحاكمة؛ لتمييز البريء من المذنب، وتزداد هذه المسئولية إذا كان هناك كثير من المغرر بهم؛ ولذلك تمسكنا مرارًا وتكرارًا بضرورة استكمال مهام لجان تقصي الحقائق وإعلان نتائجها، ومحاسبة كل مَن تجاوز، وتعويض المظلومين أو أسرهم.

4- إن هذا الكلام يؤكد أن شعارات: "لا تفاوض بعد الدم": شعارات لا محل لها من الإعراب؛ حيث تفاوضتْ جماعة الإخوان مع الرئيس "السادات" الذي كان عضو يمين في المحكمة التي أصدرت حكمًا بالإعدام على "عبد القادر عودة" -رحمه الله-، وحيث ينوي "تحالف دعم الشرعية" وفيه "الإخوان والجبهة القطبية" وفق كلام "خالد سعيد" التفاوض! لكن عندما تخفض السلطة الحالية السقف، وبالطبع لا نتصور أن يكون شرط التفاوض هو إحياء الموتى كما علَّق "خالد سعيد" ساخرًا على إحدى مبادرات الصلح التي تخرج بين الحين والآخر "التي يبدو أن مشكلتها عادة ما تكون في السقف"، ومِن ثَمَّ تفشل؛ فيتم شن حملة تبرؤ وسخرية منها.

إذن فالأهداف المعلنة لحراك الإخوان والجبهة القطبية قد تختلف مع الأهداف الحقيقية، وإذا لم تكن مقتنعًا بهذا؛ فأدعوك لقراءة هذا الحوار الذي دار بين الإعلامية "حياة اليماني" في برنامج "اسأل" على قناة "الجزيرة مباشر مصر" وبين د."هشام كمال" أحد المتحدثين باسم الجبهة القطبية: "الإعلامية حياة اليماني: ماذا تقول الشريعة دكتور هشام كمال في أن يتم تعليق الشباب والأشخاص بالأمل على مدار عام كامل وربما أكثر من العام، وإذا عدنا إلى ما سبق العام فسنرى أيضًا أنه كان قد تم تعليقهم أو في قراءة أخرى خداعهم... مرة قيل لهم: إن الانقلاب يترنح! ومرة قيل لهم: إن النهاية اقتربت. ومرة أخرى: أنتم الآن تقولون لهم: إن الحسم في الثامن والعشرين من نوفمبر؛ ما الذي يمكن أن تقوله الشريعة في كل هذه الأمور التي يُعتقَد مِن جانب كبير من الشباب الذين يتحدثون ليل نهار على وسائل التواصل الاجتماعي أن هذه القرارات، وهذه الرؤى تُتخذ بمعزل تمامًا عما يحدث في الشارع؟!

د.هشام كمال: نحن لم نقل إطلاقًا أن يوم 28 نوفمبر هو يوم الحسم، ولكننا قلنا بالنص الواضح مِن كلامنا، ومِن مصادر الجبهة السلفية وغيرهم من الشباب الموجود في هذه الدعوة: إن هذا اليوم هو بداية يوم مِن أيام الحسم ضد الانقلاب العسكري، ولم نخدع الشباب قبل ذلك، ولم نقل لهم من قبل: إن الانقلاب يترنح، نعم قيلت هذه الجملة مِن قِبَل بعض مَن كانوا يقودون الحراك في العام الماضي، ولكن اعتذر كثير منهم عن هذا الأمر" (المقطع منشور على موقع يوتيوب).

إذن فالذين قادوا الحراك في العام الماضي أطلقوا شعارات وعلقوا الشباب، هذا كله معلوم، ولكن متى؟ وأين؟ وكيف اعتذروا عن هذا كما يزعم الدكتور هشام؟! وهل نفهم مِن كلامه أن هذا ينطبق على اعتصام "رابعة" ذاته؟! وهل كانت فلسفة اعتصام "رابعة" أن يختار النظام بين أن يدخل مفاوضات بلا ممنوعات وإما أن يضطر إلى إراقة دماء؟!

فأما أن قادة الاعتصام خاضوا مفاوضات عبر وسطاء -على الأقل-؛ فهذا حدث عدة مرات، منها: المرة التي تم فيها التفاوض عبر الشيخ "محمد حسان"، ورغم أن الشيخ "صلاح سلطان" كان قد خرج على منصة "رابعة" نافيًا أن يكون قد تم أي نوع مِن أنواع تفويض الشيخ "محمد حسان" بالتفاوض؛ فإنه عندما حكى القصة كاملة لم نجد فيها أي اختلاف عن كلام الشيخ "حسان" إلا التأكيد أن الشيخ "محمد حسان" هو مَن عَرَض، وقادة الإخوان قالوا له: "افعل إن شئتَ"، وهذه الواقعة تكفي لإثبات الأصل؛ وإلا فالوقائع كثيرة، ولكنها لم تنل شهرة إعلامية مثل محاولة الشيخ "محمد حسان".

وأما أن قيادة الاعتصام قد سارتْ به بالفعل في المسار الثاني "وهو جر السلطة لإراقة الدماء" -وقد أكدنا على أن هذه السياسة لا تبرر أي استعمال للقوة في غير موضعها من قِبَل الأمن، ولكننا نحكي الواقع-: فيكفي في إدراك ذلك أن تطالِع ذلك التقرير الذي نشرته "شبكة رصد" نقلاً عن الأناضول "لاحظ أنهما محسوبتان أو -على الأقل- متعاطفتان مع الإخوان"، والمنشور في "19-9-2013م" بعنوان: "مصدر بالتحالف الوطني يكشف معلومات جديدة عن فض اعتصام رابعة".

جاء فيه: "كشف مصدر بالتحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب مجموعة من المعلومات التي لم تكشف مِن قبْل عن فض اعتصام رابعة العدوية بالقاهرة في 14 أغسطس، كان أبرزها أن معلومة ساعة فض الاعتصام وصلتْ إلى قيادات التحالف قبل 6 ساعات مِن بدء الفض!".

ثم قال التقرير: "وأضاف المصدر: أنه عقب وصول المعلومة، قمنا بإخلاء جزئي للقاعة رقم (3)، وكذلك القاعة رقم (2) التي تم تخصيصها للمركز الإعلامي، وذلك حتى تتسع القاعتان للشهداء والمصابين الذين سيسقطون خلال فض الاعتصام كما توقعنا، بالإضافة إلى المستشفى الميداني".

ثم قال التقرير: "وقبل أذان الفجر بوقت قصير أي عند الساعة 2.30 من صباح الأربعاء بالتوقيت المحلي -بحسب المصدر-: قام محامون بإلقاء محاضرة على عدد من الأطباء والمساعدين لهم في المستشفى الميداني في كيفية توثيق أسماء الشهداء والمصابين، وذلك دون التطرق إلى معلومة فض الاعتصام حتى لا تتسرب، وتتم إثارة البلبلة بين المعتصمين!".

وتحدث التقرير في عدة فقرات على مغادرة بعض القيادات للاعتصام، وبقاء قيادات أخرى، منها قوله: "وشدد المصدر على أنه: لا يمكن القبول بالتقليل من جهد قيادات وكوادر التحالف في التواصل إعلاميًّا وسياسيًّا، وخاصة الذين غادروا ميدان رابعة إلى أماكن أخرى للعمل منها؛ حتى إن لم تسمح الظروف الأمنية الراهنة بكشف جهودهم للملأ".

وتأكيدًا على كتم المعلومة عن المعتصمين قال التقرير: "وأوضح المصدر الذي تحفظ على نشر اسمه أن: معلومة الفض كانت مركزية لم تصل لعموم المعتصمين حتى إنهم دخلوا صباحًا إلى خيامهم قبل أن تدعوهم ثلاث قيادات على التوالي، هي: "صلاح سلطان، وعبد الرحمن البر، وصفوت حجازي" إلى الاستيقاظ والتجمع في الميدان".

وبخصوص هذا التحقيق طرح الدكتور "معتز بالله عبد الفتاح" عدة أسئلة في مقال له في جريدة الوطن بعنوان: "فض الاعتصام والرجوع إلى الحق" قائلاً: "إذن كانوا يعلمون بموعد فض الاعتصام! "نعم"، ويبدو لي أن هذا كان مقصودًا مِن قِبَل قوات الأمن حتى تكون هناك فرصة لمن يريد أن يغادر أن يغادر، ولكن كان لي سؤال: هل مِن النخوة، ومن الرجولة، ومن الوطنية أو التدين: ألا يقوم قادة الاعتصام بإخلاء الميادين من النساء والصغار وكبار السن، مع علمنا جميعًا بالهرج والمرج، وسوء الأداء المعتاد من قِبل قوات الأمن، وما يمكن أن يقع بهؤلاء تحديدًا مِن مخاطر؟! أما بشأن أن مؤسساتنا الأمنية "غشيمة" في تعاملها مع المتظاهرين سواءً كانوا سلميين أو عسكريين؛ فهذا لا غرابة فيه بحكم التدريب الذي يتلقونه، أو بعبارة أخرى: "الذي لا يتلقونه" كما قال لي أحد وزراء الداخلية السابقين".

والعجيب أن البعض قد أجاب عن هذا التساؤل بـ"شبورة مِن الأغلوطات" مِن جنس: هل تلوم المقتول ولا تلوم القاتل؟! مع أنه هنا يلوم مَن غرر بالمقتول، ولم يلم المقتول، وهذا لا يرفع الإثم عمن يقتل بغير حق.

ولعل الإجابة الأخرى قد تكون أوجه مِن هذه مع أنها في ذاتها ليست بالوجيهة! وهي ادعاؤهم: أن كل مَن جاء جاء مضحيًا بنفسه في سبيل قضيته! وهي إجابة لا تَصدُق بأي حال مِن الأحوال على الأطفال، ولا تصدق كذلك على عامة مَن جاء استجابة لدعوة إلى اعتصام سلمي؛ فمن أين عرفت القيادات أنهم جاءوا مضحين بأنفسهم؟!

ومع هذا، فسيبقى السؤال الأكثر صعوبة: لماذا ظلت المنصة تردد أن الخروج من الميدان فرار من الزحف رغم أن الجثث كانت تأتي تباعًا أمام هؤلاء القادة؟ ثم بأي عذر تُركت قيادات المنصة الميدان عندما وصلت قوات الفض لهم "فإما أن الفرار كان جائزًا للجميع أو ممنوعًا عن الجميع؛ فثمة تناقض واضح يَبحث عن حل!".

وإذا كان تقرير الأناضول قد فصَّل في مسألة خروج بعض القيادات مِن الاعتصام وترك عدد محدود لقيادات الاعتصام أثناء الفض؛ فإنه لم يحدثنا عن كيفية تمكن شباب الإخوان في كل المحافظات تقريبًا أن ينظموا فعاليات في الساعات الأولى من الصباح تزامنًا مع بدء فض الاعتصام.

وهذا يعني أن ثمة أوامر قد جاءتهم بالانصراف فور معرفة خبر الفض، وأن ما يشتكي منه "عاصم عبد الماجد" أحد أبرز المتحالفين مع الجماعة مِن الإجابة التي تلقاها كلما طرح عليهم السؤال: "ماذا لو أقدموا على فض الاعتصام؟" فكانت الإجابة أن هذا الأمر غير محتمل؛ فلا يوجد داع لدراسته! إن هذه الإجابة لم تكن "دقيقة"، وأن ثمة خطة كانت معدة، وكان مِن تفاصيلها صرف شباب الإخوان لمحافظاتهم بناءً على أن معهم عذرهم، ولهم دورهم، وترك الشباب الذي حشده "عاصم عبد الماجد" و"محمد عبد المقصود" وغيرهما... وبلا توجيه أو خطة أو حتى معرفة بما يدور، وهذا ما أدى إلى أن معظم القتلى في رابعة كانوا من السلفيين "أي مِن أبناء التيار السلفي العام"، وهو ما اعترف به محمد عبد المقصود في حوار له على قناة الجزيرة مباشر مصر.

ولا يعترض على هذا بمقتل "أسماء البلتاجي" -نسأل الله لها الرحمة والمغفرة-؛ فلسنا نقول: إن كل شباب وفتيات الإخوان غادروا الميدان، وإن كانت أسرة "صفوت حجازي" قد غادرتْ "ليلة الفض" كما جاء في حوار لزوجته، وأسرة المهندس "خيرت الشاطر" قد صورتهم الكاميرات وهم يغادرون مِن الممر الآمن في بداية الفض، ولم يأخذوا بفتوى أن هذا فرار مِن الزحف؛ فيبقى السؤال في حق هؤلاء: مَن أفتاهم بفتاوى تخالف ما أفتى به الجميع؟!

وأما أن "أسماء البلتاجي" قد عملتْ بالفتوى العامة؛ فلا غرابة في هذا، وإن كنا نتمنى عدم صدور مثل هذه الفتوى، وعدم التزام الجميع بها بما فيهم "أسماء البلتاجي" لمخالفتها للكتاب والسنة، وإيجابها على الناس ما لم يوجبه الله عليهم، وهذا ما يدفعنا للتأكيد على سؤال عمن عمِل بخلاف تلك الفتوى، وهم عدد لا بأس به مِن القادة، وعدد مِن أسر القادة ممن سميناهم، ومعظم الشباب الذين عادوا إلى محافظتهم: مَن أفتاهم بما أفتى؟!

الخلاصة:

إنك متى تعاملت مع الشعارات المرفوعة على أنها شعارات حقيقية؛ فسوف تواجهك عدة مواقف مستعصية على التفسير، وأما إذا استحضرت التهمة التي ألقتها "حياة اليماني" في وجه "هشام كمال" فلم يستطع منها فكاكًا مِن "تعليق" الشباب بآمال إلى درجة يمكن قراءتها على أنها خداع، واستحضرتَ إستراتيجية "خالد سعيد" في أن المرحلة الأخيرة لن يكون أمام النظام إلا إما التفاوض بلا ممنوعات أو إراقة الدماء بلا حد، وأنه يتوقع وينتظر ويتمنى الأولى؛ فسوف تجد أن الأمور كلها متسقة ومتناغمة، وأن الرصيد الإستراتيجي الذي تحتاجه هذه الخطة مِن الدماء هو "الشباب الإسلامي"؛ لا سيما "التيار السلفي العام"! وأنهم في عرف أصحاب هذه النظرية لا يَلزم أن يعرفوا الأهداف الحقيقية؛ فضلاً عن الأخبار الصادقة، ويكفي أن يسلِّموا أنفسهم لرجال المرحلة -كما سماهم البعض!-.

وأما مَن يريد أن ينصح لأتباعه، ولعموم شباب المسلمين: فعليه أن يتصدق بعرضه، وأن يتحمل التهم المحفوظة لدى هؤلاء مِن الخيانة والعمالة والنفاق! وليتحمل معها الشتائم السوقية التي جَدت عليهم؛ لا سيما بعد "شرعنتها!".

وبقي أن نبيِّن: أن هذه الإستراتيجية رغم ما فيها من مفاسد... واعتمادها على محاولة إيقاف عجلة التاريخ، ورفع شعارات أن: "الموت أكرم من الحياة في ظل نظام الحكم الحالي" -رغم أن رافع هذا الشعار من الممكن أن يكون قد عاش في ظل حكم أسوأ أو أفتى أو ساهم في عيش غيره في ظل حكم أسوأ-، ومع هذا فمن الممكن أن تستمر هذه الأمور حتى يقتنع "القادة" أن تفاوضًا جيدًا قد لاح في الأفق، والآفة أن مَن يؤمنون بهذه الإستراتيجية لا يضعون لها سقفًا زمنيًّا، فعندما اختلفوا مع "عبد الناصر" رفعوا شعار: "عدم التفاوض"، وعندما آمن بعضهم بالتفاوض، وعلى رأسهم: الأستاذ "محمود عبد الحليم" مؤرخ الجماعة أفسد عليه الأستاذ "عبد القادر عودة" -رحمه الله- مفاوضاته، واستعمل في سبيل ذلك أساليب وصفها الأستاذ "محمود عبد الحليم" بأن الأستاذ "عبد القادر عودة" قد استعمل معه أسلوب: "الغاية تبرر الوسيلة!".

وعندما تكرر العرض من "عبد الناصر" عليهم في السجون بعد "نكسة 67"، وهمَّ بعضهم بقبول التفاوض؛ خرجت المجموعة القطبية لتعلن كفر "عبد الناصر" ونظامه، وكفر مَن يقبل الصلح معه، لتدخل الجماعة في معركة داخلية في السجون مع هذا الفكر الذي كان كامنًا داخلها وانفجر مع تلك المفاوضات، وما تولد عنه مِن جماعة التكفير والهجرة، وجماعة التوقف والتبيُّن، وغيرهما.

ودارت رحى معركة فكرية حسمها تيار الاعتدال داخل الجماعة بإصدار كتاب "دعاة لا قضاة"، ولتصل الجماعة أخيرًا عام 74 لمفاوضات مع "السادات"، بينما انشقت عنهم جماعات التكفير، والتوقف، وفريق من القطبيين، وأما الفريق الآخر من القطبيين: ففضل البقاء تنظيميًّا داخل الجماعة مع سفر معظمهم إلى الخارج تاركًا المشهد لفريق من الإخوان لا يكفر الحكام ولا المحكومين، ولا يرى جاهلية المجتمعات، ولا يمارس العنف، وليصبح هذا هو الوجه المألوف للجماعة، ولكن الفريق الآخر ظل كامنًا في الجماعة، بل في مفاصلها الأساسية، وازدادت سيطرته بعد نجاح د."مرسي" في الرئاسة مما أثر في طريقة تعامل الجماعة مع الأحداث؛ لا سيما بعد أن تصاعدت حدة الاحتجاجات ضد د."مرسي"، وبدلاً من التعامل بموضوعية؛ تحالفت الجماعة مع تيارات قطبية صريحة، وتركت منصاتها الإعلامية لرموز لوحت بالتكفير والعنف، وكوَّنتْ "تحالف دعم الشرعية" الذي ضمَّ كل هؤلاء... ! ثم ها هي تترك جزءًا مهمًا مِن المشهد لإحدى الفصائل القطبية لكي تديره.

ولا ندري: متى تأتي مرحلة التفاوض؟ هل تأتي بعد عشرين سنة كما في أحداث "54-74"؟! أم تأتي أسرع من ذلك؟!

ولعل السؤال الأكثر تعقيدًا: أن القضية الآن ليست مجرد جناحين داخل الجماعة سوف ينزوي أحدهما لصالح الآخر، بل فصائل متحالفة مع الجماعة استعملتها الجماعة ووظفت غلوها؛ فكيف ستتعامل الجماعة مع هذا الملف إن أرادت العودة إلى الدعوة الإصلاحية التي نتمنى لها أن يوفقها الله لمن يقودها إليها؟!

تساؤل أخير حول موقف الإخوان من 28 نوفمبر:

- لو افترضنا أن فكرة ما يُسمى بـ"ثورة الشباب المسلم " قد بدأت في "الجبهة القطبية"؛ فمن حقنا أن نسأل: هل عرضتها على تحالف دعم الشرعية أم لا؟

وإذا كانت الإجابة بـ(لا)؛ فلماذا والطبيعي أن تتم كل الفعاليات ضمن التحالف الأوسع؟

وإذا كانت الإجابة بـ(نعم)؛ فلماذا إذن لم يتم باسم التحالف؟ أليس من حقنا أن نعرف؟!

ودعنا الآن نتنزل ونتعامى أن ثمة تحالفًا قائمًا بين الإخوان وبين "الجبهة القطبية"، ولنفترض أنهما كيانان لا يعرف أحدهما الآخر، فسيبقى السؤال: ما موقف الإخوان من هذه الثورة؟ سيشاركون أم سيمتنعون أم سيتركون الأمر لاختيار كل فرد؟

وعلى أي احتمال مِن هذه الاحتمالات: لماذا لم يصدر به بيان؟! وهل إهمال دعوة كهذه يعتبر خيانة للقضية أم لا؟

وإذا كانت الإجابة بـ(لا)؛ فلماذا يعتبر إهمال دعوات لنصرة (الشرعية) وهو دون (الشريعة) بمراحل تهاونًا وخذلانًا؟

أسئلة كثيرة تبيِّن لنا أن "التذاكي" هو أحد أهم أسباب الفشل، وهو درس دفع الجميع ثمنه غاليًا... ومع هذا هناك مَن لم يتعلمه!

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com