الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

قراءة في تجارب العنف المصرية بعد الثورة وتوابعها (2)

الانتفاضة الإسلامية المزعومة

قراءة في تجارب العنف المصرية بعد الثورة وتوابعها (2)
أحمد الشحات
الأربعاء ٢٦ نوفمبر ٢٠١٤ - ١٣:٣٩ م
1938

قراءة في تجارب العنف المصرية بعد الثورة وتوابعها (2)

الانتفاضة الإسلامية المزعومة

كتبه/ أحمد الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيديو قصير بعنوان " انتفاضة الشباب المسلم يوم 28 نوفمبر" وقد ظهر في الفيديو عدد من الشباب والفتيات ليعطوا للمشاهد مبررات وأسباب هذه الانتفاضة ذكروا منها :-

1.      الممارسات القمعية التي تمارسها الدولة مع المتظاهرين ، وما يستتبع ذلك من دماء ومعتقلين.

2.      حملات التشويه والطعن التي يتعرض لها الدين الإسلامي وذكروا لها أمثلة واقعية وأخرى خيالية ولا تمت للواقع بصلة ، ومنها ما يتوجه فيه اللوم إلى الدولة باعتبار أن الفعل المذكور ينسب لها أو لأحد رموزها أو على الأقل يعتبر توجهاً عاماً لها ومنها ما لا يعد كذلك أيضاً.

3.      الممارسات الإعلامية المنحرفة سواء من الناحية الدينية والأخلاقية أو من الناحية المهنية والفنية.

4.      بعض الممارسات المرفوضة من جهاز الشرطة ، وعدم العدالة في توزيع الموارد.

ثم استخلصوا من خلال ما سبق أن هناك حرب على الدين والإسلام والقيم والأخلاق وبالتالي لابد من عمل انتفاضة عنوانها " انصر دينك ... حرر بلدك " وذلك حتى ننال رضي الله كما يزعمون.

وفى بيان مكتوب تحت عنوان " انتفضي معنا يا أمتنا " ذكروا ما معناه " أن الأمة ما زالت تحت الاحتلال العسكري وأن هناك مخططات لتقسيم المنطقة ومخططات لتقسيم القدس الشريف وأنهم كشباب وعوا هذه المؤامرات جيداً ، ومن ثمرات هذا الوعي أنهم أعلنوا أولى فعاليات انتفاضة الشباب المسلم في مصر!! وذلك لما يلي :- 1 - لإعلان هوية مصر الإسلامية ، 2 - لرفض التبعية للهيمنة الصهيونية والغربية ، 3 - لإسقاط حكم العسكر ".

ولنا مع هذا الكلام العجيب عدد من الوقفات :-

1.      المدقق في لغة البيان يدرك جيداً مدى رغبة كاتبوه في تجييش حمية وحماس الشباب المسلم وتحديداً الشباب الملتزم والمنتمى للتيار الإسلامي لكي يخوض حرباً من أجل الدين ، لأن الإسلامفي خطر وهذه دعوة صريحة للقتل والقتال لمن تأمل ومعلوم لكل من له أدنى معرفة بالعلوم الشرعية أن هذه اللغة لا تستخدم إلا في ساحة القتال مع الكفار والمحاربين ، أما أن تستعير الجبهة المشئومة هذه العبارات لكي توظفها في ساحة الصراع السياسي مع خصومها فهذا من التلاعب بالدين والتحريف في معانيه ومقاصده.

 

2.      يتكئ مضمون كلا من البيان والفيديو على الانحرافات الدينية والأخلاقية الموجودة في المجتمع وبعد جمع عدد لا بأس به من هذه الانحرافات يخلصون بنتيجة مفادها أن هذا النظام ليس نظاماً إسلامياً وبالتالي فهيا نثور عليه لكي نجعله إسلامياً ، وبالطبع هذه الطريقة بها مغالطات كثيرة وغير أمينة فضلاً عن تصادمها مع العقل والمنطق ، لأن كون أن المجتمع مليء بالانحرافات سواء كانت في آحاد أفراده أو في أفراد السلطة فهذا ليس بالجديد وواجب الدعاة إلى الله أن يجتهدوا في تصحيح أفهام الناس وسلوكياتهم لا أن ينتفضوا عليهم ويعاملونهم معاملة الكفار ، أما عن أن السلطة ترضى بهذا الانحراف وتقره فلدينا تجربة الحكم الإسلامي لمدة عام على يد د/ مرسى ورأينا أنه لم يحرك ساكناً تجاه هذه الانحرافات بل أثنى على أهل الفن وجالسهم وشدد على أهمية دورهم ، بل لقد جاد من عنده نفسه فأعطى تراخيص المراقص والكباريهات ثلاثة أضعاف المدة المتعارف عليها ، وشارك حزبه في إحياء حفل راقص مع إحدى الراقصات في الغردقة فأين كان تطبيق الإسلام وقتها إذن ؟

 

3.      بالنسبة لما تتعرض له الدعوة من تضييق بوجه عام سواء كان بسبب نشاط وزارة الأوقاف في ضم المساجد أو منع بعض الرموز من اعتلاء المنابر أو غيرها ففيه أيضاً عدم أمانة فياستغلال الحدث ورغبة غير صادقة في توظيفه وتوجيهه بشكل مختلف ، لأن هذا النشاط الذي تقوم به الوزارة مبنى على الخطط التي وضعتها جماعة الإخوان للسيطرة التامة على المساجد والمنابر بل والقنوات الفضائية وكل ما يمت إلى الدين بصلة والذي يراجع مواد قانون الدعاة الذي كان معداً للاعتماد من جانب مجلس الشورى السابق يعرف أن ما يتم الآن هو الصورة المخففة من القانون الذي كان على وشك التطبيق ، أما بالنسبة لمنع الرموز الدعوية من الخطابة فقد بدأت إرهاصاته أيضاً في أواخر عهد د / مرسى وتم منع عدد من الرموز السلفية من الخطابة بزعم عدم وجود تصريح أيضاً.

 

4.      بالنسبة للهدف الصريح والجريء لما سموه " إسقاط حكم العسكر" ، فمن حقنا أن نطالبهم بالتفسير الحرفي لهذه الكلمة والإجراءات العملية التي سوف تُتخذ في سبيل ذلك ، ثم نسألهم أيضاً إذا كانت درجة الوعي لديهم قد وصلت للدرجة التي يدركون بها حجم المخاطر المحيطة بالدولة وبالعالم العربي والإسلامي بشكل عام ألا يدخل ضمن هذا الوعي إدراك أن هناك مؤامرة لتدمير الجيوش العربية وتفريغها من قوتها ؟ أليس إسقاط حكم العسكر هذا يصب في صالح من يدبرون المؤامرات للدول الإسلامية والعربية ؟ أوليس انهيار الجيش فيأي بلد في العالم يعنى انهيار الدولة وضياعها ؟ ألا تعلم هذه الجبهة المشئومة أن الجيش المصري من أبناء الشعب المصري وليسوا من المرتزقة مثلاً أو المأجورين لكي يستعملوا معهم هذه المصطلحات ؟ وعلى فرض أنه جيش من المرتزقة كما كان الحال في ليبيا أو جيش طائفي كما كان الوضع في سوريا فهل بعدما سقطت هذه الجيوش قام هناك للتيار الإسلامي أو لغيره قائمة ؟

 

5.      الزج باسم القدس الشريف والمسجد الأقصى محاولة رخيصة لاستنفار حمية الشباب بأي ثمن وإلا فلو فرضنا أن حكم العسكر في مصر لابد أن يسقط ولابد أن نواجهه ، ثم هناك خطر من الجيش الصهيوني المباشر وعلى المسجد الأقصى كما يقولون لماذا لا تتوجه جهودنا لمحاربة هذا الجيش المحتل ؟ لماذا يصر الجهاديون على توجيه رصاصاتهم إلى صدور أبناء الجيش المصريفي سيناء ويتركون أبناء الجيش الصهيونيفي سلام وأمان ؟ هذه الأسئلة وغيرها لن يقوم بالرد عليها الجبهة القطبية بالطبع ولكنها أسئلة للعقلاء فقط .

 

6.      قد نتنزل في المناقشة ونقول هب أن ما يحكوا عنه يتم بهذه الطريقة أو أشد ، ولكن من حقي أن أسأل عن الطريق الذي تقدموه لنا بديلاً هل سيساهم في تخفيف بشاعة الأوضاع أم أنه سيدفع لمزيد من تعقيدها وعنفها ، هل دخول الإسلاميينفي مواجهة مع الدولة سيؤدى إلى إخراج من في السجون أم سيزج بمزيد من الأبرياء في غياهب المعتقلات؟ ، هل المواجهة المسلحة التي يتغزل فيها وجدي غنيم وعاصم عبد الماجد وسلامة عبدالقوي ستعصم الدماء وتحفظها أم ستسكبها أنهاراً لنتداعى بعد ذلك على جرائم الانقلاب ودمويته؟ ، الحقيقة أن من يدعوننا إلى هذه الثورة يعرفون جيداً حجم الدماء والخسائر المترتبة على ذلك ولكنهم يريدون مزيداً من الدماء لتكون وقوداً يحترق ليكملون به المسيرة  وسيظل الأمر هكذا حتى يقرر هؤلاء القادة في لحظة زمنية ما " أن قاطرة العنف لابد أن تتوقف وأن حمامات الدم لابد أن تجف وأنهم يحبون الحياة كما يحبها باقي البشر " كما صرح بذلك حمزة زوبع على قناة الجزيرة في أعقاب أحد مبادرات الصلح التي كان متوقع لها أن تنجح!!

 

7.      لم يقدم لنا الداعون لهذه الانتفاضة أي تصور عن المستقبل ، ولا أي رؤية عن الوضع بعدما ينجحون في إسقاط العسكر وإعادة الشرعية ، وبالتالي فهم يقودون الجماهير نحو المجهول ، وقد يكون من المناسب في هذا المقام استحضار صورة اعتصام رابعة بعدما طال أمده وتحول إلى ما يشبه الجبهة الانفصالية كان السؤال المطروح من الجميع : ماذا لو أقدمت السلطات على فض الاعتصام بالقوة كيف ستتصرفون ؟ ولم يمكن لأحد أن يحصل على إجابة مفيدة غير أن هذا مستحيل أن يحدث وعلى فرض حدوثه فسوف تتورط الدولة في مذبحة بشرية ستؤدى إلى سقوطها تلقائياً !! فهل سيعيد الحدث نفسه وتتكرر المأساة مرة ثانية؟

العجيب في الأمر أن حزب النور عندما قام بحملة كبيرة تحت عنوان " مصرنا بلا عنف " ، وقام بالنزول في الشوارع والطرقات والميادين يمارس واجب النصيحة للشباب ألا يستجيبوا لدعوات العنف وألا ينخرطوا في أعمال من شأنها إراقة الدماء وتدمير الأوطان ، إذ بأعضاء جماعة الإخوان يتعرضون لأبناء الحزب فتارة يمزقون ملصقاتهم وتارة يحرقون الأوراق والبيانات وتارة يشتبكون مع المنظمين ، فهل نترجم هذه الأفعال بأن جماعة الإخوانهيالراعيالرسمي لتظاهرات 28 نوفمبر وأن الجبهة القطبية المطلوب منها فقط أن تجتذب الشباب السلفي الذين سينخدعون بالاسم فينساقوا وراء هذه الدعوات ؟ وهل تعد هذه الدعوة وسيلة خبيثة لإجبار الدعوة السلفية على أن تدخل هذا المعترك العفن وتدفع الفاتورة رغماً عنها ؟

من يقرأ بيان جماعة الإخوان الصادر عنها يوم الأحد 23/11/2014 سوف يجد إجابة ذلك بين سطور الكلمات التي تمدح الحراك الثوري وتثمن خطواته ، والى الله المشتكى.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة