الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية فى مواجهتها (2) ثانياً – القطبية (1)

توقف سيد عن الدراسة لمدة سنتين بسبب أحداث الثورة ثم سافر الي القاهرة عام 1920م ، وأقام عند خاله الذى كان عضواً فى حزب الوفد

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية فى مواجهتها (2) ثانياً – القطبية (1)
أحمد الشحات
الاثنين ٠١ ديسمبر ٢٠١٤ - ٠٨:٤٨ ص
2963

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية فى مواجهتها (2)

ثانياً – القطبية (1)

كتبه/  أحمد الشحات

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلي آله وصحبه ومن والاه أما بعد :-

1)  التعريف بالمصطلح :-

هى مدرسة  فكرية تُنسب إلى الأخوين الشقيقين الأستاذ سيد قطب والأستاذ محمد قطب ، ورغم أن الأستاذ سيد يعد هو الأب الروحى الذى صاغ فكر الأستاذ محمد إلا أن للأستاذ محمد الدور الأكبر فى تأسيس المدرسة القطبية وتوضيح أبعادها وشرحها بعبارات صريحة ومباشرة لا تحتمل التأويل أو تعدد التفاسير ، مما جعله يتبوأ الصدارة والمسئولية عن هذا الفكر بخلاف الأستاذ سيد الذى يدور حول ماكتبه وما عناه مما كتبه جدل طويل وكبير.

هذا من ناحية الفكر ، أما الوعاء التنظيمى الذى ينتظم فيه هذا الفكر فعادة لا يأخذ شكلاً واحداً ، بل تسمع عن عشرات التجمعات والهيئات والمسميات فى البلد الواحد ، والعجيب فى الأمر أنه من النادر أن يُظهر هؤلاء الانتساب للقطبية بل غالباً ما يتسمون بأسماء مشتقة من " أهل السنة والجماعة " أو مشتقة من " السلفية " كما هو الحال فيمن يسمون أنفسهم بـ " الجبهة السلفية " فى مصر، وهذه التجمعات تتفق وتختلف فى تفاصيل كثيرة إلا أنهم يجتمعون على تقديم فكر الأستاذين وإعتماده المرجعية العليا لهم.

2)  لمحة تعريفية عن الأستاذ سيد قطب :-

حتى نستطيع فهم شخصية سيد وحقيقة الأفكار التى تركها ، علينا أن نستعرض سريعاً المراحل التى مر بها فى حياته والتى ساهمت فى تشكيل وعيه وبناء ثقافته ، وقد أفاضت عدد من الكتب والدراسات فى ترجمة حياة سيد قطب ومناقشة أفكاره والأحداث المهمة فى حياته منها كتاب " سيد قطب من الميلاد الى الاستشهاد " للدكتور " صلاح عبد الفتاح الخالدى " ، وتكلم عنه الأستاذ سالم البهنساوى فى كتاب بعنوان " سيد قطب بين العاطفية والموضوعية " وقد عالج فيه بعض آراء سيد مثل الحاكمية والجاهلية والتكفير كما عالج ذلك أيضاً فى كتابيه " أضواء على معالم فى الطريق " ، وكتاب " الحكم وقضية تكفير المسلم " ، وتكلم عنه الأستاذ عبدالحليم محمود فى موسوعته الشهيرة " الإخوان رؤية من الداخل " ، وتكلم عن تجربته مع تنظيم 65 " على عشماوى "  فى كتابه  " التاريخ السرى لجماعة الاخوان " وزينب الغزالى فى مذكراتها  ، ومن خارج الاسلاميين كتب عادل حمودة كتاب بعنوان " سيد قطب من القرية إلى المشنقة " ، وغيرها من الكتب والرسائل لكن هذه هى أهم الدراسات الموجودة  وأشهرها.

وهناك كتاب آخر على قدر كبير من الأهمية وهو كتاب " لماذا أعدمونى ؟" لسيد قطب ، وهو الإقرار الذى كتبه سيد بخط يده فى السجن الحربي عام 1965 قبل الحكم عليه بالإعدام وهى شهادة موثقة عن الأحداث ، بالإضافة إلي محاضر التحقيق ونص الأسئلة والأجوبة التي دارت بين القضاة وبين سيد رحمه الله وهي ثابتة وموثقة أيضاً.

وسوف نلتقط أهم  المحطات التى تبرز لنا التحولات الرئيسية فى حياته :-

المرحلة الأولى : طفل القرية (1906 - 1920):-

ولد سيد قطب فى أسيوط عام 1906 م فى قرية تتميز بالجمال وكثرة الاراضى الزراعية ، وكانت أسرته متوسطة الحال وكان لوالده وجاهة فى القرية حيث كان مثقفاً ومشتغلاً بالسياسة ، وكان ممن جهزوا لثورة 1919م ، والأسرة بصفة عامة كانت متدينة ومحافظة على الصلاة ، فقد كان أبوه يربيه على تعاليم الدين وارتياد المساجد وحضور دروس العلم ، لذا فقد أتم ختم القرآن وهو فى العاشرة من عمره ، وقد تعود سيد على القراءة والمطالعة منذ صغره وكان يقتنى نفائس الكتب ويقتطع من مصروفه الشخصى حتى يستطيع شراء ما يحتاجه من الكتب وبالتالي تكونت لديه مكتبه ضخمة منذ صغره ساهمت في نضج فكره وإثراء معرفته.

ولأن والد سيد كان مشتغلاً بالسياسة فكان من الطبيعى أن تتكون لدي سيد ميول سياسية  في سن مبكرة ، فشارك فى أحداث ثورة 19 وكان يلهب حماس الجماهير بالخطب الحماسية الرنانة رغم أن عمرة وقتها لم يتجاوز الثلاثة عشرة سنة .

توقف سيد عن الدراسة لمدة سنتين بسبب أحداث الثورة ثم سافر الي القاهرة عام 1920م ، وأقام عند خاله الذى كان عضواً فى حزب الوفد وكان صديقاً لعباس العقاد ومن هنا تبدأ مسيرة سيد قطب الأدبية ، وقد سجل سيد ذكريات هذه الفترة من حياته فى كتابه " طفل من القرية " وكتابه " الأطياف الأربعة ".

المرحلة الثانية : الأديب الساخر (1921 - 1945) :-

ذهب سيد الى القاهرة والتحق بمدرسة المعلمين فى عام 1921 ثم تخرج منها عام 1924 وكان من المفترض أن يعمل بعدها فى مجال التدريس ولكنه فضل الاستمرار فى التعليم فالتحق بتجهيزية دار العلوم عام 1925 وتخرج منها عام 1929 ثم التحق بعدها بكلية دار العلوم وتخرج منها عام 1933.

بعد تخرج سيد من الكلية بدأت معاركه الأدبية فى الظهور والانتشار حيث كان لاذع النبرة ، ساخر العبارة ، شديد النقد على كل من يخالفه ، وكان من أشد المهاجمين للأديب العبقرى " مصطفى صادق الرافعى " رحمه الله ولتلميذه النجيب العلامة " محمود شاكر " رحمه الله ، وسبب ذلك أن الرافعى كان دائم السخرية والنقد لـ " طه حسين " ولـ " عباس العقاد " ، وسيد كان يعتبر العقاد أستاذه الأول فى الأدب وكان محباً له لدرجة التعصب ومتيماً به لدرجة الجنون ، فدفعه هذا الحب الى الغلو والمبالغة ومفارقة الوسطية ، أما طه حسين فقد كان سيد يقدر أدبه غاية التقدير وكانت تربطهما علاقة قوية فكان يدافع عنه بإستمانه حتى ولو جانبه الصواب ، فهكذا كانت طبيعة سيد فى هذه المرحلة.

عمل سيد فى وزارة التربية والتعليم فور تخرجه من دار العلوم ثم تنقل فى وظائف مختلفة داخل الوزارة ، ثم سافر الى أمريكا بالباخرة عام 1948 ( ولهذا السفر قصة فارقة فى حياة سيد رحمه الله) للتخصص فى علم التربية وأصول المناهج وعاد بعدها بسنتين عام 1950 ليتم تعينه كمراقب مساعد للوزير لعدة سنوات ، وبعدها قام بتقديم استقالته لوزير التعليم وقتها " اسماعيل القبانى " الذى رفعها لرئيس مجلس الوزراء " جمال عبدالناصر " وقام بالموافقة عليها عام 1954حيث أصبح سيد وقتها عضواً فى جماعة الاخوان ورئيس التحرير لمجلة الاخوان المسلمون.

واللافت للنظر أن سيد كان يعيش تلك المرحلة من حياته مضطرباً غاية الاضطراب ، حيث تعارضت لديه المبادىء والأفكار والفلسفات الأوروبية التي قرأها وأخذها من بعض أساتذته ، مع ما استقر فى وجدانه منذ الصغر من أصول وثوابت إسلامية ، تلك المرحلة التى يسميها سيد بمرحلة الضياع ، وقد استمرت معه قرابة الخمسة عشر عاماً ، وكانت الثقافة الغربية قد سيطرت عليه لأبعد مدى حتى جعلته يمر بمرحلة من الشك والارتياب فى الحقائق الدينية ذاتها على حد تعبيره ، بل وصل الأمر الى نوع من الاضطراب السلوكى أيضاً يصفه الأستاذ عبدالحليم محمود في الجزء الأول من موسوعة الإخوان أحداث صنعت التاريخ بقوله " لقد كان سيد في هذه المرحلة مسفاً منحلاً يطالب بحياة بهيمية ويدعو إلي المجتمع العاري ".

المرحلة الثالثة : حياته الاسلامية ثم انتماؤه الى جماعة الاخوان ( 1945 - 1954) :-

ذكرنا أن سيد كان قد بدأ حياته السياسية وفدياً بسبب أن خاله كان كذلك ثم لما تعرف على العقاد وأعجب به وجده وفدياً أيضاً فترسخ الانتماء للوفد عنده أكثر وظل كذلك حتى عام 1942 فترك الوفد وانضم الى حزب السعديين ثم تركه أيضاً عام 1945 ناقماً على الأحزاب كلها وعلى آدائها.

ومن بعدها بدأ سيد فى الكتابات الاسلامية العامة وتحديداً فى باب الرؤية الأدبية للقرآن وبدأها بكتابه " التصوير الفنى للقرآن " ثم بكتاب " مشاهد القيامة فى القرآن " ، ثم اقترب أكثر وأكثر من الرؤية الاسلامية فى السنوات التى تلى ذلك الى أن جاء موعد سفره لأمريكا عام 1948حيث كان على موعد مع نقلة حقيقية فى حياته.

النقلة النوعية التى انتقلها سيد من حياته السابقة الى الحياة الجديدة لها بداية عجيبة ، هذه البداية كانت على متن الباخرة التى تقله الى أمريكا كما ذكرنا ، وفوق هذه الباخرة حدثت له حادثتين كل منها أعجب من الأخرى ، وقد ساهمت هذه الرحلة فى التحول الفكرى الكبير لدى سيد رحمه الله ، أما الأولى فقال عنها فى كتاب أمريكا من الداخل :-

 " وما أن دخلت الغرفة ، حتى كان الباب يُقرع ، وفتحت ، فإذا أنا بفتاة هيفاء جميلة فارعة الطول شبه عارية ، يبدو من مفاتن جسمها كل ما يغري ، وبدأتني بالإنجليزية : هل يسمح لي سيدي بأن أكون ضيفة عليه هذه الليلة ؟ فاعتذرت بأن الغرفة معدة لسرير واحد وكذا السرير لشخص واحد ، فقالت وكثيراً ما يتسع السرير الواحد لشخصين ، واضطررت أمام وقاحتها ومحاولة الدخول عنوة لأن أدفع الباب في وجهها لتصبح خارج الغرفة ، وسمعت ارتطامها بالأرض الخشبية في الممر فقد كانت مخمورة ".

أما الحادثة الثانية فقد أخبره أحد الركاب أن مبشراً نصرانياً علي متن الباخرة يحاول نشر النصرانية بين الركاب فاستيقظت مشاعره الإيمانية ، وغار علي دينه وطلب من قبطان الباخرة أن يسمح للركاب بصلاة الجمعة ، وقام بإلقاء خطبة فيهم وحدثهم عن الإسلام وعن عظمته ، وقد كان سيد من أشد المتأثرين بالحدث وبالموقف.

ولما وفقه الله لهذه الهداية ولهذه الولادة الجديدة وهب ما تبقى من حياته للقرآن ، وسطر مشاعره وسمو روحه في تلك اللحظات وضمنها فى مقدمة كتابه " تفسير الظلال " بعبارات غاية في العذوبة والرقة والشعور بلذة القرآن.

بدأ سيد انضمامه لجماعة الاخوان وانتظامه فى صفوفها عام 1953 ، ثم كان السجن الأول له فى مطلع عام 1954 وأفرج عنه بعد عدة أشهر، ثم اعتقل ثانية فى نهاية عام 1954 بعد حادث المنشية وحكم عليه ب 15 عام ثم أفرج عنه بعفو صحى عام 1964 ، وبعد عدة أشهر تم اعتقاله مع العشرات من الاخوان فى صيف 1965 بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم وأعدم بعد منتصف عام 1966 عن عمر يناهز الستين.

هذه بإختصار هى تاريخ الحقبة الاسلامية فى حياة سيد - 13 عام - قضى منها 11 عام فى السجن على فترتين الأولى 10 سنوات والثانية سنة واحدة ثم كان الحكم عليه بالاعدام رحمه الله.

علاقة سيد قطب بتنظيم الضباط الأحرار :-

كان سيد على علاقة وطيدة بالضباط الأحرار وبجمال عبدالناصر تحديداً ، فقد كان الضباط  فى الجيش يقدرونه جداً ، ويقرأون كتبه ومقالاته ويعتبرونه فيلسوف الثورة ومشعل حرارتها ، وكانوا عادة ما يجتمعون فى منزله ويطلبون منه المشورة والرأى ، بل لقد كان سيد هو العضو المدنى الوحيد – إن صح التعبير - فى تنظيم الضباط الأحرار ، وقد قرر مجلس قيادة الثورة أن يسندوا له منصب وزير المعارف ولكنه اعتذر ، ثم رجوه أن يتولى منصب المدير العام للإذاعة ولكنه اعتذر أيضاً ، ثم وافق على مضض أن يكون السكرتير العام لهيئة التحرير ، ولكنه مكث فيها عدة أشهر ثم دب الخلاف بينه وبين عبدالناصر فاستقال من منصبه  وتركها مع احتفاظه حتى ذلك الحين بعلاقة جيدة مع عبدالناصر ، ومن أراد أن يعرف كيف كان ضباط الثورة يقدرون سيد قطب فليقرأ تفاصيل الحفل الحاشد الذى أقامه رجال الثورة بعد شهر من نجاحها لكى يكرموا فيه سيد وليدعوه ليلقى محاضرة بعنوان " التحرر الفكرى والروحى فى الاسلام " وقد وصفه محمد نجيب وجمال عبدالناصر وغيرهم من القادة بأنه رائد الثورة ومعلمها وراعيها وغير ذلك من مديح وثناء لا يوصف.

وعندما دب الخلاف بين الاخوان وعبدالناصر حاول التوسط  بينهم وبينه لعلاقته الجيدة بالطرفين ولكنه فشل فى ذلك وقد سجل ذلك فى ملاحظاته حول هذه الحقبة فى كتاب لماذا أعدمونى؟.

اقترب الاخوان من سيد بشدة واستغلوا خلافه مع عبدالناصر، واقترب هو منهم وأعجب بتنظيمهم وحركتهم ، وقد فرح الاخوان بإنضمام سيد إليهم فرحاً عظيماً واعتبروا ذلك نصراً مؤزراً ، فرجل بمثل هذه المكانة وأصبح لديه عداء شخصى مع عدو الاخوان اللدود – عبد الناصر – فجدير بأن يُصدر وسرعان ما تقلد سيد داخل الجماعة عدداً من المهام والأعمال الثقافية فقد تولى رئاسة التحرير لجريدة الاخوان المسلمون وكان يعطى أحاديث الثلاثاء فى المركز العام وقام بتمثيل الاخوان فى المؤتمر الاسلامى الشعبى بالقدس الشريف وغير ذلك من الأعمال التربوية والثقافية ولم يصل الى مرحلة قيادة الأعمال الحركية بعد.

 

المرحلة الرابعة : قيادة التنظيم الإخواني السري " الجناح القطبى داخل جماعة الاخوان " (1955 - 1965) :-

انتهى الأمر بجماعة الاخوان الي حالة الصدام المباشر مع عبدالناصر ، وكان من نتيجة ذلك صدور قرار بحل جماعة الاخوان وشن حملة من الاعتقالات لقادة الجماعة وأعضاءها خصوصاً بعد حادثة المنشية عام 1954 ، وكان سيد قطب ممن ألقى القبض عليهم وتم إيداعه فى السجن لمدة عشر سنوات كاملة من الفترة ما بين (1954 - 1964) وقد خرج بعدها بعفو صحى ولكن لم يدم مكثه خارج السجن طويلاً حتى تم إلقاء القبض عليه ثانية وهى المرة التى أعدم فيها رحمه الله ، وبالتالى فالمرحلة التى نتكلم فيها عن أفكار سيد هى فترة سجنه كاملة!!

انزوي معظم الإخوان ممن لم يتم إعتقالهم وأيقنوا أن الجماعة أدخلتهم في صراع صفري مع الدولة ، مما جعل الدولة تستنفر كل قواها في مواجهتهم خصوصاً بعدما صار الكيان محظور قانوناً مما يتيح للدولة التعامل بحرية كاملة مع أعضاء تنظيم خارج علي القانون ، وقد كان رأي شريحة كبيرة من الإخوان أن تدخل الجماعة في مرحلة سكون تتيح لها ترتيب أوراقها بهدوء ، وتحافظ على ما تبقي من أبناءها وقوتها وتدخره لمستقبل قريب ، ومع أن هذا رأي يتوافق مع الشرع والعقل والمنطق إلا أن مجموعة أخري من الإخوان كان لها رأي مختلف خلاصته أن يقوم الإخوان بإنشاء تنظيم سري مسلح !! حتي لا تتعرض الدعوة لنفس نكبة 54 مرة أخري ، وأن الدولة إذا فكرت ثانية بأن تعتقل الإخوان بهذه الطريقة فهي علي موعد مع حرب مسلحة ، وخطة اغتيالات جاهزة ، وخريطة انفجارات معدة ، وأمور لا قبل للدولة بها – علي حد زعمهم وتصورهم- وهذا ليس تجنياً علي أحد بل هو ما اعترف به سيد قطب تفصيلياً في شهادته " لماذا أعدموني ؟" كما سنري بعد قليل ، ولا يوجد وصف لهذا التهور أدق من كلمة " انتحار " التي ذكرها أحدهم – مفتخراً – وهو الأستاذ محمد توفيق بركات فى كتابه سيد قطب خلاصة حياته : " وكان الأهم من ذلك – نفسياً – أن أعاد – أي سيد - اتصالاته مع الاخوان المسلمين داخل السجون وخارجها وأنشأ أرقى أشكال التنظيم الإسلامي سرية وفاعلية فى مصر وكان هذا الإنشاء يعتبر عملية انتحار إن جاز التعبير في الظروف الرهيبة التى كانت تسود أرض الكنانة ".

اجتمع عدد من الإخوان – بعد استئذان المرشد – واختاروا قيادة خماسية لهذا التنظيم الجديد وهم (عبدالفتاح اسماعيل – مجدي عبدالعزيز – صبري عرفة – أحمد عبدالمجيد – علي عشماوي)، وهؤلاء القادة الخمس كانوا وقتها جميعاً في سن الشباب ولم يكن لهم خبرة كبيرة في العمل ولم يكن لهم من الوجاهة ما يكفي لتوجيه التنظيم !!.....وبحثوا عن قائد فاستقر رأيهم بعد عدد من المحاولات علي سيد قطب الذي كان وقتها ما زال في السجن !!

ولا تسأل هنا أسئلة من جنس كيف ترك المرشد مجموعة من الشباب المتهور يقودون الدعوة نحو المجهول ؟ ولا أين دوره كمرشد في أن يحفظ الأمانة التي بين يديه ويحافظ علي حياة أبناءه وعلي دعوتهم ؟ والأهم من ذلك لماذا لم يصغي للعقلاء والناصحين من شيوخ الجماعة وقتها فقد ذكر سيد في " لماذا أعدموني " ما يلي : -

" ... وفكروا في الأخ محمد فريد عبدالخالق واتصل به عبدالفتاح إسماعيل ليقودهم ، ولكنه رفض الفكرة ، واعتبرها مغامرة ، واعتبر تجميع الإخوان مؤدياً إلي مذبحة لهم ، واعتبر أن أحسن حالات التنظيم في هذه المرحلة هي عدم التنظيم "

ولم يكتفي بهذا التحذير بل ذهب هو والأستاذ منير الدلة ليوضحا للمرشد خطر هذا التنظيم وأنه سينكشف يوماً ما وعندها ستبطش الدولة بكل إخواني وبكل من له صلة بالإخوان ولكن المرشد طمأنهما ووعدهما خيراً !!

وانطلقت القاطرة بلا وعي وبلا عقل وبلا أمانة......

انطلقت القاطرة بقيادة الشباب المتهور لتصطدم بالصخر ولتستفيق بعد فوات الأوان......

انطلقت القاطرة والعقلاء من الجماعة يتحسرون علي القيادة التي تدمر الكيان ولكنهم لا يستطيعون حراكاً.......

انطلقت القاطرة وعلي رأسها سيد قطب لنري بعد سنوات إلي أين سينتهي مصيرها ؟ بكل أسف نقول أنه بعد اكتشاف أمر التنظيم عام 1965 حاول سيد أن ينقذ الشباب الذين قادهم لسنوات من هلاك محقق ، فعرض علي عبدالناصر مصالحة - من خلال وسطاء – مفادها أن يعطوه عهداً ألا يتصدوا له وألا يقاوموه بشىء مقابل أن يتركهم للعمل الدعوي والتربوي فرد عليهم عبدالناصر أنه قد فات الأوان لذلك!!

وبدأ سيد العمل من داخل السجن في مسارين متوازيين ؛ الأول هو قيادة مجموعات من الإخوان المسجونين معه ، فقام بعرض منهجه الجديد وأفكاره الخاصه والتي ذكر أنها أحدثت نوعاً من الاضطراب والاختلاف بين الإخوة داخل السجن ومنهم من قبل منهجه ووافق العمل معه ، ومنهم من تحفظ ورفض الإنضمام لهذا التنظيم ولهذا الفكر ، وإتهموه بمخالفة الخط الحركي للجماعة !! والعجيب أن رائحة هذا الخلاف قد فاحت وإتسعت حدتها داخل السجن حتي وصلت أخبار لمكتب الإرشاد تقول أن سيد تبني أفكاراً جديدة وأنه يكفر الناس ، فأوفد مكتب الإرشاد من يستوضح الأمر من سيد داخل السجن واطمئنوا إلى أن ما قيل تهويلات من المعارضين لسيد وأن الأمور تسير علي ما يرام!! بل والأعجب من ذلك ما ترويه زينب الغزالي في مذكراتها تقول : أنها قابلت المرشد وسألته عن سيد وعن كتابه المعالم فقال " علي بركة الله... إن هذا الكتاب قد حصر أملي كله في سيد ، ربنا يحفظه ، لقد قرأته ، وأعدت قراءته ، إن سيد قطب هو الأمل المرتجى للدعوة الآن " ، وهذا له دلالة ليس هذا مجال بسطها وخلاصتها أن الفكر الإخواني قابل للتصالح مع الفكر القطبي بسهولة.

أما المسار الثاني فهو قيادة التنظيم خارج السجن من خلال عبدالفتاح إسماعيل ، وبدأ سيد يكتب " معالم في الطريق " علي هيئة أجزاء تسرب من داخل السجن لأعضاء التنظيم في الخارج وكانت هذه هي وجبة التوجيه الفكري للتنظيم الجديد مع عدد آخر من كتب سيد وأجزاء من تفسير الظلال وكتب المودودي.

أما عن الإعداد العسكري فهو ما سماه سيد بخطة رد الإعتداء ولنتركه يحكي بنفسه عن تفاصيل هذا الأمر وسوف نقتصر علي روايته هو فقط رغم أن " علي عشماوي " قد بسطها بتفاصيل أكثر وأوضح في كتابه " التاريخ السري لجماعة الإخوان " إلا أن الإخوان يتهمونه بتهم شنيعة للغاية ويحملونه أخطاء تنظيم 65 بكاملها رغم أن المتأمل في الأحداث يجد أن ذلك نوعاً من التجني والله أعلم.

يقول سيد في شهادته " لماذا أعدموني " :-

" وفي الوقت نفسه ، ومع المضي في برنامج تربوي كهذا، لابد من حماية الحركة من الاعتداء عليها من الخارج، وتدميرها ووقف نشاطها وتعذيب أفرادها، وتشريد بيوتهم وأطفالهم تحت تأثير مخططات ودسائس معادية ، كالذي حدث للإخوان سنة 1948، ثم سنة 1954 وسنة 1957، وكالذي نسمع ونقرأ عنه مما يحدث للجماعات الأخرى، كالجماعة الإسلامية في باكستان، وهو يسير على نفس الخطة وينشأ عن نفس المخططات والدسائس العالمية."

ثم يوضح طبيعة هذه الحماية ووسائلها فيقول :

" وهذه الحماية تتم عن طريق وجود مجموعات مدربة تدريباً فدائياً بعد تمام تربيتها الإسلامية من قاعدة العقيدة ثم الخلق... هذه المجموعات لا تبدأ هي اعتداء، ولا محاولة لقلب نظام الحكم، ولا مشاركة في الأحداث السياسية المحلية، وطالما الحركة آمنة ومستقرة في طريق التعليم والتفهيم والتربية والتقويم، وطالما الدعوة ممكنة بغير مصادرة لها بالقوة، وبغير تدمير لها بالقوة، وبغير تعذيب وتشريد وتذبيح وتقتيل، فإن هذه المجموعات لا تتدخل في الأحداث الجارية، ولكنها تتدخل عند الاعتداء على الحركة والدعوة والجماعة  لرد الاعتداء وضرب القوة المتعدية بالقدر الذي يسمح للحركة أن تستمر في طريقها."

ثم تحت عنوان البحث عن المال والسلاح كتب سيد يقول :-

" فأما التدريب ؛ فقد عرفت أنه موجود فعلاً من قبل أن يلتقوا بي ، ولكن لم يكن ملحوظاً فيه أن لا يتدرب إلا الأخ الذي فهم عقيدته ونضج وعيه ، فطلبت منهم مراعاة هذه القاعدة ، وبهذه المناسبة سألتهم عن العدد الذي تتوافر فيه هذه الشروط عندهم ، وبعد مراجعة بينهم ذكروا لي أنهم حوالي السبعين ، وتقرر الإٍسراع في تدريبهم نظراً لما كانوا يرونه من أن الملل يتسرب إلى نفوس الشباب إذا ظل كل زادهم هو الكلام من غير تدريب وإعداد... ثم تجدد سبب آخر فيما بعد عندما بدأت الإشاعات ثم الاعتقالات بالفعل لبعض الأخوان.

وأما السلاح فكان موضوعه له جانبان:

الأول: أنهم أخبروني أنه نظراً لصعوبة الحصول على ما يلزم منه حتى للتدريب فقد أخذوا في محاولات لصنع بعض المتفجرات محلياً ، وأن التجارب نجحت وصنعت بعض القنابل فعلاً ، ولكنها في حاجة إلى التحسين والتجارب مستمرة.

والثاني: أن علي عشماوي زارني على غير ميعاد وأخبرني أنه كان منذ حوالي سنتين - قبل التقائنا - قد طلب من أخ في دولة عربية قطعاً من الأسلحة ، حددها له في كشف ، ثم ترك الموضوع من وقتها ، والآن جاءه خبر منه أن هذه الأسلحة سترسل ، وهي كميات كبيرة - حوالي عربية نقل - وأنها سترسل عن طريق السودان، مع توقع وصولها في خلال شهرين... وكان هذا قبل الاعتقالات بمدة ولم يكن في الجو ما ينذر بخطر قريب."

وما أن توفر المال والسلاح ، إذ بهم يرسمون ما سموه خطة  رد الإعتداء علي الحركة الإسلامية فقال لهم سيد ناصحاً : " الذي قلته لهم: إننا إذا قمنا برد الاعتداء عند وقوعه فيجب أن يكون ذلك في ضربه رادعة  توقف الاعتداء وتكفل سلامة أكبر عدد من الشباب المسلم " ، ووفقاً لهذه النصيحة فقد طلب من القيادة الخماسية خطة تفصيلية بإعتبارهم  المسئولين عن التنفيذ فكان ما يلي :

" وهذه الأعمال هي الرد فور وقوع اعتقالات لأعضاء التنظيم ، بإزالة رؤوس في مقدمتها ؛ رئيس الجمهورية ، ورئيس الوزارة ، ومدير مكتب المشير، ومدير المخابرات ، ومدير البوليس الحربي ، ثم نسف لبعض المنشآت التي تشل حركة مواصلات القاهرة لضمان عدم تتبع بقية الإخوان فيها وفي خارجها - كمحطة الكهرباء والكباري - وقد استبعدت فيما بعد نسف الكباري كما سيجيء.

وقلت لهم: إن هذا إذا أمكن يكون كافياً كضربة رادعة ، ترد على الاعتداء على الحركة - وهو الاعتداء الذي يتمثل في الاعتقال والتعذيب والقتل والتشريد كما حدث من قبل - ولكن ما هي الإمكانيات العملية عندكم للتنفيذ؟".

إذن كل مشكلة سيد مع هذا الكلام هو مدي الجاهزية والقدرة علي التنفيذ فقط !! فلما كانت إجابتهم أنهم غير جاهزين لتنفيذ هذا التصور وأن الشخصيات المطلوب إغتيالها غالباً ما تحاط بحراسة قوية فكان ما يلي :-

" وبناء على ذلك اتفقنا على الإسراع في التدريب ، بعدما كنت من قبل أرى تأجيله ولا أتحمس له ، باعتباره الخطوة الأخيرة في خط الحركة وليس الخطوة الأولى... ذلك أنه كانت هناك نذر متعددة توحي بأن هناك ضربة للإخوان متوقعة ، والضربة كما جربنا معناها التعذيب والقتل وخراب البيوت وتشرد الأطفال والنساء".

ثم وقعت الإعتقالات لأعضاء الإخوان فأرسل سيد للقيادة الخماسية بأن يوقفوا التجهيزات من الأسلحة والتدريب يقول سيد :

فجاءني استفهام من الأخ علي عن طريق الحاجة زينب كذلك عما إذا كانت هذه تعليمات نهائية حتى لو وقع التنظيم؟ فأجبته بأنه في هذه الحالة فقط ، وعند التأكد من إمكان أن تكون الضربة رادعة وشاملة يتخذ إجراء، وإلا فصرف النظر عن كل شيء، وكنت أعلم أن ليس لديهم إمكانيات بالفعل، وأنه لذلك لن يقع شيء ".

نهاية المآساة :-

قامت سلطات الأمن بإعتقال سيد قطب وألقت القبض علي أعضاء التنظيم الجديد والذي سقط تباعاً في قبضة الأمن وأدلوا بكامل تفاصيل التنظيم من حيث الأسماء والمال والسلاح والخطط وإمتلأت السجون بهذا الشباب المسلم البريء وتحققت نبوءة فريد عبدالخالق والتي لم يعرها المرشد أي نوع من الأهمية ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وتم الحكم بالإعدام علي سيد وإثنين آخرين في أواخر شهر أغسطس 1966 رحمه الله رحمة واسعة وغفر له.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة