الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواقف الدعوة السلفية وحزب النور - حقائق وكواليس (2) وصف المشهد السياسي بعد (25) يناير

بعد نجاح الثورة كان في المشهد السياسي مكونات خمسة... لكن كانت هناك معوقات كان ينبغي اعتبارها...

مواقف الدعوة السلفية وحزب النور - حقائق وكواليس (2) وصف المشهد السياسي بعد (25) يناير
محمد إبراهيم منصور
الاثنين ٠١ ديسمبر ٢٠١٤ - ١٣:٣٩ م
2362

مواقف الدعوة السلفية وحزب النور - حقائق وكواليس (2)

وصف المشهد السياسي بعد (25) يناير

كتبه/ محمد إبراهيم منصور

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

بعد نجاح الثورة كان في المشهد السياسي مكونات خمسة:

1-  معارضون للمشروع الإسلامي بكل صورة، وهم مدعومون من القوى الخارجية، وهم قلة قليلة.

2- أعداء لأي نظام جديد من أصحاب المصالح الذين لهم علاقة بالنظام السابق.

3- خصوم سياسيون للإخوان كإخوان، على خلفية التاريخ السياسي السابق للإخوان.

4- قوى سياسة وطنية.كل هذه المكونات لم يكن لها حضور في الشارع بعد الثورة، إنما كان الحضور القوى للمكون الخامس وهو:

5- المنتمون للتيار الإسلامي: الذين كان لهم تواصل قوى مع الشعب من خلال الدعوة للتواصل الاجتماعي القوى بينهم وبين أطياف المجتمع، وزاد من تعاطف الشعب معهم قبل ذلك تعرضهم لأنواع من الظلم والتهميش من النظام السابق، وبعد الثورة تحمس الشعب لهم لشعوره أنهم سيخلصونه من الظلم والنهب والسرقة والغش والرشوة، وكذلك لأنهم يعبرون عن قضية عليها إجماع شعبي وهى الحفاظ على الهوية ومرجعية الشريعة الإسلامية لأن الشعب المصري شعب متدين بطبعه؛ فكان الإسلاميون الذين يستطيعون تحريك الشارع؛ ولذلك حينما تم عمل استفتاء علي التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011 قال 77% من الشعب:"نعم للتعديلات"استجابة لهم، وحين تمت انتخابات برلمانية حاز الإسلاميون ما يفوق 70% من مجلسي الشعب والشورى.

 

لكن كانت هناك معوقات كان ينبغي اعتبارها:

1-  عدم كفاية الكفاءات داخل التيار الإسلامي بمجموعه التي يمكنها تحمل إدارة دولة ضخمة بحجم مصر، خاصة وهي تركة ثقيلة بعد خروجها من تحت وطأة نظام باطش ظالم مستبد نهب ثرواتها وجرف مواردها وأفسد مكوناتها.

2-  الحالة الثورية العامة والتي ظهر أثرها في كل شيء، ومن ذلك المطالب الشعبية والفئوية والشخصية؛ فأصبحت ذات سقف عال وزاد ارتفاع هذا السقف والاستعجال في حين رأي الشعب وصول تلبية تلك المطالب الإسلاميين الذين كان يظن أنهم سيصنعون المعجزات.

3-  عدم كفاية موارد الدولة التي تلبي هذه المطالب الشعبية.

4- وجود الدولة العميقة والمتربصين في الداخل والخارج .

5-  الإعلام الموجه الذي أزعجه هذا الحضور القوى للإسلاميين في المشهد السياسي والشعبي.

استغلت المعارضة هذه العوامل طيلة العام الأول بعد الثورة لخلخلة الثقة الشعبية في الإسلاميين، وتحقق لهم قدر كبير مما أرادوا؛ ويدل على هذا أن نتيجة الانتخابات الرئاسية التي نجح فيها د. مرسي كانت بأغلبية غير مريحة.

 

فكان هذا المشهد الذي قل فيه الظهير الشعبي للإسلاميين وزادت العقبات وقوى المعارضين يستلزم رؤية خاصة لإدارة الدولة، وإدارة الأزمات حتى تصل الدولة إلى مرحلة الاستقرار.

 

أولًا: إدارة الدولة:

 

كانت رؤية حزب النور أن الواجب علي الإسلاميين توسيع دائرة تحمل المسئولية بحيث تشارك فيها القوى السياسية الوطنية والكفاءات من كل الاتجاهات؛ وذلك لتحقيق الأمور الآتية:

1- الاستفادة من الكفاءات الوطنية وإشراكها في بناء الدولة يعطي رسالة واضحة أن الإسلاميين ليسوا إقصائيين، وأنهم جاذبون للكفاءات لا طاردون لها، خاصة أن التركة ثقيلة لا يستطيع الإسلاميون تحملها وحدهم ولو مجتمعين، فكيف إذا انفرد فصيل منهم بذلك؟!

2- كما أن احتواء هذه الكفاءات الوطنية يشعرهم بدورهم في بناء دولتهم؛ مما يسهم في الإسراع بتحريك عجلة الإنتاج والتقدم بالبلاد.

3- احتواء القوى السياسية الوطنية في ائتلاف يضيق المساحة السياسية التي يمكن أن تتحرك عليها المعارضة الهدامة؛ لأنه ما من نظام إلا وله ثلاثة أنواع من المعارضة:

أ‌- معارضة بناءة: وهى التي تدعمه في المواقف التي تراها صائبة وتناصح عند طلب النصيحة، وفى المواقف التي تراها محتملة، وتعارضه بأساليب المعارضة المشروعة في المواقف التي تراها تضر بالصالح العام للبلاد.

ب- معارضة هدامة: وهى التي تعمل على تشويه المواقف الجيدة للمنافس، وتحاول توريطه فيما يضره ولو على مصلحة البلاد، والتشنيع عليه في المواقف المحتملة للخطأ والصواب، واستخدام كل سبل المعارضة المشروعة وغير المشروعة لتعطيل مسيرته حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة الدولة كلها،أو كان يصب في مصلحة أعدائها.

ج- معارضة مترقبة: فلا هي بناءة تدعم المواقف الجيدة وتحاول تقديم النصيحة من أجل الصالح العام، ولا هي هدامة تحاول نصب الفخاخ والشراك.

ومن المحددات المهمة لنسب وجود الأنواع الثلاثة من المعارضة، هو أداء النظام وقدرته على إشراك أكبر قدر من الكفاءات والقوى السياسية وإدارة حوار وتفاعل مستمر مع الجميع.

ومن فوائد توسيع دائرة تحمل المسئولية أيضا:

4- توسيع القاعدة الشعبية المقتنعة بالأداء الواثقة في إدارة الدولة، وإنقاذ هذه القواعد من تلاعب المعارضة الهدامة بها.

كل ما سبق يؤدي لرفع الغطاء الشعبي عن المعارضة الهدامة؛ مما يحرجها ويسهل تطبيق القانون عليها إذا خرجت عليه.

 

5- تمكين الرئاسة والحكومة من مصارحة المجتمع بحقيقة الحالة الاقتصادية للبلاد؛ مما يجعل الشعب يصبر ويتعاون مع الدولة وتقل الاضطرابات والاعتصامات، ويسود الأمن وتتحرك عجلة الإنتاج.

6- إذا حدث نجاح كان هذا محفزًا للجميع للعمل والمضي قدمًا مع التعاون والتكاتف بين القوي الوطنية، وفي الوقت نفسه ينسب النجاح أول ما ينسب للإسلاميين.

7- إذا حدث إخفاق فإنه حينئذ لن ينسب للإسلاميين وحدهم لأنهم لم ينفردوا بالأمر، وإنما كانت المسئولية مشتركة فلا يتضرر مستقبل المشروع الإسلامي بنسبة الفشل إليه.

من أجل هذا كان الموقف المشهور لحزب النور في أول يوم في مجلس الشعب 2012 حين سحب أعضاءه من انتخابات اللجان حتى يتم الجلوس مع كل القوى السياسية المشاركة في المجلس؛ لتشارك في مكاتب اللجان لتتم الاستفادة من جميع كفاءات المجلس، وهذا الموقف يشهد الجميع به لحزب النور

(من أول يوم سياسة كما يحلو للبعض أن يقول(.

 

ومن أجل هذا أيضا اعترض حزب النور على سحب الثقة من حكومة الدكتور الجنزوري، وعرض مبادرة بتعديلات عليها لمنع الصراع مع مؤسسات الدولة في هذا الوقت الحرج، ولأن الانتخابات الرئاسية كانت على الأبواب والدخول في صراع كهذا كان سيعرقل المسيرة، خاصة أنه في حال سحب الثقة من الحكومة كان الإخوان سيصممون على تشكيل حكومة على طريقتهم التي لا تراعى توسيع دائرة تحمل المسئولية؛ مما يجعل الحكومة تنسب إلى التيار الإسلامي؛ مما يعطى انطباعا للكافة عن التيار الإسلامي أن قضيته الأولى والأخيرة هي الاستحواذ على كل شيء (البرلمان، ثم الحكومة، ثم هو يستعد للرئاسة أيضا).

ومن أجل هذا أيضا كانت رؤية حزب النور في اختيار المرشح للرئاسة أن يكون أقرب إلى التوافقية منه إلى الانتماء التنظيمي للإخوان أو لغيرهم؛ ولذلك وقع الاختيار على الدكتور أبو الفتوح لأننا وجدنا أنه يجمع أطيافا من القوى الثورية والوطنية حوله، وفى نفس الوقت يلتف حوله أطياف من التيار الإسلامي.

 

وحين جاءت الإعادة بين الدكتور مرسى والفريق شفيق كان الاختيار دعم الدكتور مرسى لكن بشروط سيأتي ذكرها، وعلى رأسها توسيع دائرة تحمل المسئولية وإشراك الجميع في العملية السياسية.

 

انفراد الإخوان برؤيتهم وعدم الوفاء بوعودهم:

 

لكن ما حدث في الواقع هو انفراد الإخوان برؤيتهم في إدارة الدولة بعد نجاح د. مرسي، مع أن الاتفاق في أثناء حملة الإعادة -والذي كان بينهم وبين الحليف الذي كان سببًا رئيسيًا في نجاحهم- (حزب النور)فكان الاتفاق علي الرؤية الجماعية لا الرؤية الفردية، كما أنه كان هناك وعد واتفاق آخر مع القوى السياسية في فندق "فيرمونت" على أن إدارة الدولة تقوم على (المشاركة لا المغالبة)، ووعد واتفاق ثالث مع مؤسسات الدولة متمثلة في المجلس العسكري على أن تكون الحكومة حكومة معايير؛ إلا أن هذا لم يتم في تشكيل الوزارة التي كان مقترح حزب النور في تشكيلها كالتالي :

رئيس الوزراء يكون :

 

أ- شخصية لها تاريخ سياسي قوي.

ب- أن تتوافق عليها أغلب القوي الوطنية؛ وهذا يؤدي إلي التضامن في تحمل المسئولية مع رئيس الدولة؛ مما يرفع العبء عن الرئيس الإسلامي الذي نريد أن نحافظ عليه بأن تتعلق المسئولية أمام الشعب برئيس الحكومة الذي تثق فيه القوي الوطنية؛وبالتالي يثق فيه الشعب.

التشكيل الوزاري يكون بالخطوات التالي:

 

أ- اجتماع القوي الوطنية السياسية للتوافق حول المعايير التي يتم علي أساسها التشكيل، سواء كانت حكومة تكنوقراط أو محاصصة بالكفاءات، أو مجرد تمثيل القوي الوطنية بدون محاصصة ، وكذلك المعايير التي تتعلق باختيار المحافظين ونوابهم.

 

ب‌- الترشيحات بحيث تتقدم كل القوي السياسية الوطنية بمن تراه يصلح لشغل المناصب سواء وزراء أو مساعديهم أو محافظين أو نوابهم.

 

ج- التشكيل النهائي والتسكين بحيث يجتمع مندوبون عن القوي السياسية ويقسموا المرشحين جميعًا حسب تخصصاتهم واختيار الأكفأ لكل وزارة والمساعدين فيها، وكذلك المحافظين ونوابهم؛ وفي هذه الحالة سيتم استيعاب الكفاءات المنتمية لمعظم القوي السياسية الوطنية؛ مما يجعل الجميع يشعر بالمسئولية ويعمل علي إنجاح المهمة.

 

نعم، هناك من لا يعجبه العجب من المعارضة الهدامة التي لا تريد للدولة أن تنجح، لكن هؤلاء قلة قليلة وهذا الائتلاف سيحرجهم ويضيق الدائرة التي يتحركون عليها.

 

لكن الذي حدث في الواقع خلاف ذلك؛ حيث انفرد فصيل واحد بتحمل المسئولية فقام بتشكيل الحكومة برؤيته الخاصة حتى لو كان كثير من الوزراء في التشكيل الوزاري الأول لا ينتمون لهذا الفصيل.

 

إلا أن هذه الطريقة في التشكيل التي تبناها فصيل الإخوان كانت عن طريق التواصل الفردي المباشر مع أفراد هؤلاء الوزراء، لا بالتنسيق مع القوي الوطنية والسياسية الأخرى؛ مما زرع الشك والريبة عند القوي الوطنية في هذا التشكيل الذي كان تحت قيادة رئيس حكومة لا تنطبق عليه المعايير التي ذكرناها؛ مما جعل هذه الحكومة في نظر القوى السياسية والشعبية أضعف من المرحلة؛ وهذا بدوره يحرج الإسلاميين والمشروع الإسلامي برمته.

 

ولأنه بهذه الطريقة سوف يتم إقصاء الكفاءات والقوي السياسية الوطنية؛ مما يجعل المسئولية كاملة علي الإسلاميين في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد التي يتربص بها أعداؤها في الداخل والخارج، والتي لا تفي موارد الدولة بالمطالب الشعبية الهائلة- مما يجعل أي إخفاق ينسب للمشروع الإسلامي؛ مما يهدد المشروع برمته. فكان لابد لحزب النور أن يعلن انسحابه من تحمل مسئولية التشكيل الوزاري حفاظًا علي مستقبل المشروع الإسلامي؛ لأنه تيقن أن التصميم على الانفراد بالرؤية سيقود بلا شك إلى الفشل ولو بعد حين، وسينسب الفشل للمشروع الإسلامي.

 

لكن مع الانسحاب من الوزارة لم ينقطع التواصل لتقديم النصيحة الواجبة في كل موقف بما يليق به وما يتناسب معه.

 

وتلحظ هنا أن الانسحاب لم يكن بسبب الكعكة كما يروج البعض، وإنما كان ذلك بسبب رؤية (إصلاحية تحافظ على استقرار البلاد ومستقبل المشروع الإسلامي).

 

حركة المحافظين والقيادات التنفيذية في الدولة:

ومع انسحاب الحليف الأكبر للإخوان من الوزارة لم يكترثوا لهذا الأمر ويراعوا رؤية ذلك الحليف عند قيامهم بحركة المحافظين فيوسعوا دائرة تحمل المسئولية لاستيعاب ما تباعد عنهم من القوى السياسية الوطنية بسبب طريقة تشكيل الوزارة، وإنما ساروا في نفس الاتجاه، بل صار الأمر أكثر عمقًا فكان الاختيار في المناصب المؤثرة في مفاصل الدولة علي أساس الثقة والانتماء للإخوان، لا علي أساس الكفاءة في نسبة كبيرة من هذا؛ مما جعل شعورًا عامًا يسود علي مستوي القوي السياسية وعلي مستوي الكفاءات الكبرى وعلي مستوي أغلب الجهاز التنفيذي في الدولة أن هذا النظام نظام إقصائي؛ فكل من لا ينتمي للإخوان من الكفاءات صار عنده شعور أنه لن يأخذ حقه من العدل بحيث يقوم بدوره اللائق به في بناء الدولة.

 

وترك هؤلاء لضغوط وألاعيب بقايا الفلول (الجانب السيئ منهم)، والإعلام والمعارضة الهدامة؛ ليضطروا في النهاية للانضمام إليهم بسبب اليأس والإحباط؛ حتى وصل الأمر إلى أن تمني الكثير منهم فشل هذا النظام، وكان من الممكن تفادي كل هذا بمراعاة أمور:

١ - توسيع دائرة تحمل المسئولية.

٢ - تقدم الكفاءات واستيعاب الطاقات؛ ليشارك الجميع في البناء ولا يشعر أحد بإقصاء.

٣-  التريث في التعامل مع مؤسسات الدولة وعدم تفجيرها من الداخل بالتغيرات الحادة في مكوناتها الداخلية؛ لتقديم الثقات، وكذلك عدم الصدام معها حتى تتكامل مؤسسات الدولة ولا تتصارع.

 

إلا أن الإخوان وقعوا في عكس هذا تماما فقدموا الولاء على الكفاءة بصورة لا تخلو محافظة أو مركز أو قسم من دلائل واضحة عليها

)فمن مدرس إلى رئيس مدينة مباشرة أو نائب له، ومن عائد من الخارج بإمكانيات محدودة إلى مستشار محافظ، ومن رجل عادى لم يحصل على مؤهلات علمية عليا ولا هو موظف تدرج في المناصب الإدارية/ ولا هو صاحب نجاحات ملموسة في أعمال حرة تشعر بكفاءته إلى منصب كبير في الحكومة(.

هذه الطريقة أعطت رسالة واضحة للجميع مفادها (إذا كنت إخوانيا أو مواليا للإخوان فاطمئن مستقبلك مشرق، وإن لم تكن كذلك فلا مستقبل لك)؛ وهذا أدى إلى أمور خطيرة منها:

 

أ‌- أنه جعل الوصوليين يسارعون إلى إعلان الولاء للإخوان ويتزلفون إليهم، وهم أضر ما يكون على البلاد عامة، وعلى من يتزلفون إليهم خاصة .

 

ب‌- جعل الكفاءات المحترمة تشعر بالإحباط واليأس من أن يكون لها دور في بناء وطنها والاستفادة من كفاءتها، بل ومن كان في موقع المسئولية منهم بدأ يشعر بدنو أجل بقائه فيها؛ حيث تم استجلاب مزاحم له في تلك المسئولية في المكتب المجاور له، وبدأت الاختصاصات تسحب منه شيئا فشيئا؛ مما جعل الجهاز الإداري والتنفيذي في الدولة مسرحا لصراعات ومكائد كانت البلاد في هذا التوقيت في غنى عنها، بل أدى هذا إلى الشلل التدريجي للجهاز الإداري في الدولة .

 

ولم يكتف الإخوان بهذا، بل فتحوا جبهات صراع جديدة مع مؤسسات الدولة حتى الأزهر لم يسلم من ذلك الصراع، وكل هذا بحجة الإصلاح! وكأن الإصلاح لن يحدث إلا إذا كان الولاء هو الأصل في غالب القيادات مهما كلف هذا الأمر من خسائر في المجتمع ونظرته إلى الإسلاميين والمشروع الإسلامي.

 

ملحوظة هامة:

 

الحقيقة أن هذه الطريقة تتسق مع فلسفة جماعة الإخوان ومنهجهم في التغيير، وهو التغيير من القمة، وهو يختلف عن منهج الدعوة السلفية في الإصلاح والتغيير؛ فإن الدعوة السلفية تتبنى الإصلاح من القاعدة. وكلا المنهجان له لوازمه التي لا تنفك عنه،

فالإصلاح من القاعدة يكون بالإقناع لا الفرض، وهذا يستلزم:

 

ا- العلم النافع لتحصيل الحجة والعمل بالعلم لإيجاد القدوة.

٢- القرب من الناس والتواصل معهم بكل سبل التواصل؛ حتى يتمكن من إيصال الحجة إليهم، وإقناعهم بها وتحبيبها إليهم. ولا يمكن أن يكون هذا بالتباعد عنهم أو الاستعلاء عليهم وإرسال رسائل سلبية تشعرهم بالإقصاء والاستحواذ.

٣- الوضوح وعدم المراوغة؛ لأن من أراد أن يقنع الناس بشيء فليس من العقل ولا من المنطق أن يخبرهم بخلافه حتى لو خسر في البداية وهوجم بسبب وضوحه، نعم يمكن السكوت عن الشيء للمصلحة، لكن لا يجوز التصريح بخلاف الحقيقة.

٤-التدرج في الإصلاح وعدم الاستعجال والصبر وطول النفس.

ه-الصبر والحلم والعفو والصفح وعدم الانجراف في معارك جانبية.

٦-عدم التكالب على القمة لأن هذه النظرية تعتبر أن القمة إنما هي صدى للقاعدة فعلى قدر الوجود في القاعدة من المقتنعين بهذا التوجه، على قدر وجود ممثلين منهم في القمة؛ وهذا يعنى المشاركة في تحمل المسئولية لا الانفراد بها.

 

أما التغيير من القمة فيستلزم:

 

1- المراوغة حتى يصل صاحب هذه الفلسفة إلى القمة؛ لأنه لو صرح بما يريد لقوم غير مقتنعين بفكرته فإنهم لن يسمحوا له بالوصول إلى القمة؛ ولذلك يضطر إلى المراوغة حتى يصل إلى القمة ليجبرهم من خلالها على ما يريد.

2- ويلزم من هذا تمييع الثوابت أو التنازل عنها لأنها ستثقل كاهله أثناء سيره، وتحول بينه وبين الإسراع إلى القمة التي يرى أنها أساس التغيير وعماده.

3- إذا وصل إلى القمة فإنه لن يستطيع أن يخفي نهمه وشرهه في الاستحواذ السريع عليها؛ لأنه لا يدري هل سيستمر فترة أخرى أم لا؛ وبالتالي يحاول الاستحواذ بسرعة ليفرض رؤيته؛ وهذا يعطي رسائل سلبية هائلة لجميع فئات المجتمع.

4-  إهمال التأصيل العلمي والإقناع بالحجة، وفى المقابل يكون العمل على العاطفة فقط. ومن المعلوم أن العاطفة لا تنضبط خاصة حال الفتن، بل تكون من أسباب تفاقم الفتن والمحن على البلاد والعباد.

 

وللحديث بقية...

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com