الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (3) ثانياً – القطبية (2)

4) رأى الدعوة السلفية فى سيد قطب :- سلكت الدعوة السلفية مع سيد قطب ومع غيره قواعد العدل والإنصاف فهى

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (3) ثانياً – القطبية (2)
أحمد الشحات
الأربعاء ٠٣ ديسمبر ٢٠١٤ - ١١:٣٤ ص
2701

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية فى مواجهتها (2)

ثانياً – القطبية (2)

كتبه/  أحمد الشحات

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلي آله وصحبه ومن والاه أما بعد :-

1)  الفكر القطبي بعد موت سيد :-

بعد موت سيد رحمه الله صار لدينا إتجاهين رئيسيين :-

القطبية الإخوانية : وهم مجموعة إخوان 65 الذين تربوا مع سيد داخل السجن ، بالإضافة إلي باقي أعضاء التنظيم خارج السجن ، وقد كانوا هم الجانب الأظهر والأقوي في الجماعة في هذا الوقت خصوصاً وأن الجماعة رسمياً أصبحت منحلة فصار هذا التنظيم القطبي هو البديل ، ويبدو أن هذا التنظيم مستمر إلي يومنا هذا.

التيار القطبي : وهو شق آخر من تلاميذ ومحبي سيد قطب علي رأسهم محمد قطب نفسه الذي لم يكن منتمي تنظيمياً إلي الإخوان ، وقد سألوا سيد في ذلك فقال إنه يعرف من حال أخيه أنه يحب العزلة ، هذا التيار يضم بداخله كيانات تنظيمية مثل جماعة التوقف والتبين ، ومثل السرورية – وإن كانت السرورية أقل من أن توصف بالكيان المنظم – ويضم أيضاً أشخاص منفردين يغلب علي ظاهرهم و كلامهم السمت السلفي ، إلا أنه عند التدقيق في القضايا الخلافية تجد عقيدتهم فيها قطبية بالإضافة إلي أن حنينهم إلي الإخوان أقوي من نسبتهم للسلفية ، لذا فإن معظم مشايخ القاهرة المنتمين لهذا الإتجاه دعموا جماعة الإخوان في الانتخابات بزعم أنهم رجال المرحلة ثم بعد ذلك صاروا وجوهاً بارزة علي منصة رابعة بكل ما حوته من عبارات التكفير والتخوين والصدام.

وهناك اتجاهين آخرين نسبتهم لفكر سيد نسبة فرعية :-

تيار التكفير الصريح : ورغم أنه خرج من عباءة سيد ، إلا أنه صارت له مرجعيات وتصورات مختلفة عن فكر سيد أو بمعني آخر لم يعودوا محتاجين لها ولتأويلاتها مثل جماعة شكري مصطفي.

جماعات الجهاد واستخدام السلاح : وهي تتلمذ عادة علي كتب سيد كإحدي المصادر الحماسية التي توفر لهم إشباع جيد في المواجهة مع الطواغيت وغيرها ، وإن كانت لا تعتمد في تنظيراتها الفكرية علي كتب سيد وحده لأن هناك تأصيلات أكثر تفصيلاً في المسائل المرتبطة بالجهاد إرتباطاً وثيقاً.

2)  وقفات سريعة مع بعض أفكار سيد قطب :-

كانت تدور فى فكر سيد رحمه الله عدداً من القضايا المحورية ، والتى قام ببناء منهجه الفكرى عليها وهى التى رددها وكررها فى كتبه بصيغ وعبارات مختلفة إلا أن مضامنيها تبدو واحدة ، ومن أخطر هذه القضايا قضية الجاهلية ، وقضية الحاكمية :-

أولاً: قضية جاهلية المجتمعات الإسلامية :-

قام الأستاذ سيد بنحت مصطلح الجاهلية ليعنى به الانحراف عن نهج الاسلام سواء كان في الماضي أو الحاضر يقول سيد رحمه الله فى ظلال القرآن : " الجاهلية ليست اسماً لمرحلة تاريخية سابقة على الاسلام ، بل إنها تنطبق انطباقاً حرفياً على كل وضع بصرف النظر عن اعتبارات الزمان والمكان ، إذا كان الوضع مشابها لتلك المرحلة التاريخية السابقة على الاسلام " ، ثم توسع فى استخدامه ووسم به معظم المجتمعات الاسلامية المعاصرة ، ولو كان هذا المصطلح جملة عابرة فى كتاباته لأمكن تأويلها أو اعتبارها من المتشابه الذى يجب أن نرده إلى محكمه سواء كانت كتابات أخرى أو سلوك عملى ، ولكن للأسف الشديد لم يسعفنا البحث فى هذا الأمر بل جاءت نتيجته سلبية للغاية وعلي العكس تماماً من المراد.

وسوف نعرض نماذج مما كتبه سيد فى ظلال القرآن وفى معالم على الطريق -وهما أبرز كتابين من مجموع ما كتب – حول هذه القضية ، يقول سيد رحمه الله :-

1.  " نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الاسلام أو أظلم ، كل ما حولنا جاهلية.. تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم  وآدابهم ، شرائعهم وقوانينهم، وحتى الكثير مما نحسبه ثقافة اسلامية.. هو ما صنع هذه الجاهلية " ، ثم يمضي معتبراً المجتمعات الاسلامية القائمة حالياً تدخل في إطار هذه الجاهلية، فيقول: " يدخل في اطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها «مسلمة».. لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده ولأنها تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله ، فتدين بحاكمية غير الله ، فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها ".

2.  ويقول أيضاً : " إن المشقة الكبرى التي تواجه حركات الإسلام الحقيقية تتمثل في أقوام من الناس من سلالات المسلمين في أوطان كانت في يوم من الأيام داراً للاسلام يسيطر عليها دين الله و«تحكم بشريعته» ثم إذا هى تتنكر لمقومات الإسلام اعتقاداً وواقعاً وإن ظنت أنها تدين بالاسلام اعتقاداً " ، ويقول كذلك " وفي الأرض اليوم أقوام من الناس أسماؤهم أسماء المسلمين وهم من سلالات المسلمين، وفيها أوطان كانت في يوم من الأيام داراً للاسلام، ولكن لا الأقوام تشهد أن لا إله الا الله بذلك المدلول، ولا الأوطان تدين لله بمقتضى هذا المدلول ".

3.  ويقول أيضاً : " إن الأمة الاسلامية قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعاً» ثم يضيف: «ووجود الأمة الاسلامية يعتبر قد انقطع منذ قرون، فالأمة الإسلامية ليست «أرضاً» كان يعيش فيها الاسلام، وليست قوماً كان أجدادهم في عصر من عصور التاريخ يعيشون بالنظام الاسلامي، إنما الأمة الاسلامية جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الاسلامي، وهذه الأمة بهذه المواصفات قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض ".

4.  ومن أشد ما كتبه في هذه القضية : " وإذا بدا للبشر يوما أن مصلحتهم في مخالفة شرع الله لهم فهم واهمون أولاً، وهم كافرون ثانيا ". ويقول : " والمسألة في حقيقتها مسألة كفر وإيمان، مسألة شرك وتوحيد، مسألة جاهلية واسلام.. إن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة الجاهلية.. ليس هذا إسلاماً وليس هؤلاء مسلمين.. والدعوة اليوم إنما ترد هؤلاء الجاهلين إلى الاسلام لتجعل منهم مسلمين من جديد".

هل كان سيد يقصد من ذلك التكفير علي حقيقته أم أنه أراد أن يستعمل أشد الألفاظ وقعاً علي النفس حتي يستنفر الهمم من أجل العمل للدين وبذل الجهد لعودة المجتمعات إلي الصورة المثالية التي كانت عليها المجتمعات الأولي ؟

الإجابة أن هذه قضية جدلية قليلة الفائدة من الناحية البحثية ، لأن الأهم بالنسبة لنا من إتهام الشخص أو تبرئته هو محاكمة الفكر والوقوف علي حقيقته ، والذي ليس عليه خلاف أن سيد قال كلاماً موهماً يسهل تأويله تأويلاً فاسداً - لأنه يحتمل ذلك بالفعل - أما عن نيته هو هل كان يقصده أم لا ؟ البعض يقول كان يقصده والبعض يتمسك بأنه سبق قلم ويعول علي ما قاله سيد في آخر حياته عندما واجهته المحكمة بسؤالات مباشرة لا إحتمال في تأويلها بأن كتاباته وأفكاره تدعو إلي التكفير الصريح للمجتمع فكان الرد الواضح منه أنه لم يقصد ذلك وأن هذا الأمر فُهم من كلامه خطأً .

ثانياً : قضية الحاكمية :-

1.  يقول سيد في كتابه «معالم في الطريق» " إن اعلان ربوبية الله وحده معناه الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها، وأنظمتها وأوضاعها والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض يكون فيها الحكم للبشر بصورة من الصور ".

2.  ويقول أيضاً : " إن العالم اليوم يعيش في جاهلية من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها» وهذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض، وعلى أخص خصائص الألوهية وهى الحاكمية لأنها تسند الحاكمية للبشر لتجعل بعضهم لبعض أربابا ".

تحقيق الانحراف في الحاكمية عند سيد :-

تختلف مسألة الحاكمية عن مسألة الجاهلية فى أن الأصل الذي إنبني علية تصور المجتمعات الجاهلية أصل فاسد ، بل إن اللفظ نفسه غير جائز لأن هذه المجتمعات الأصل فيها هو الإسلام حتي وإن إنحرفت عن تطبيقه علي واقعها بدرجة من الدرجات.

أما لفظة " الحاكمية " أو الأدق منه " الحكم بما أنزل الله " أو " نظام الحكم في الإسلام " فهي أصول شرعية من صميم الدين ، ومن أهم أصول العقيدة ، وقد جاءت في القرآن بهذا الوضوح ووردت فى السنة كذلك ، وبالتالي فليس الخلاف مع سيد في هذه القضية خلاف حول أصل المسألة ولكنه خلاف حول مسألة " تعميم التكفير لكل حاكم لم يحكم بما أنزل الله " ، لأن هذه القضية يدخل ضمن أقسامها الكفر الأصغر بنص كلام ابن عباس رضي الله عنهما ، وبالتالي فإدعاء أن المسألة كلها من باب الكفر الأكبر المخرج من الملة إدعاء غير صحيح من الناحية العلمية ، والخلاف الثاني في إطلاق لفظ الكفر علي الأعيان بدون التأكد من تحقق الشروط وإنتفاء الموانع ، وقد شذ سيد في هذه المسألة وفي غيرها بسبب قلة حظه من العلوم الشرعية مع إشتعال حرارة غيرته علي الواقع الأليم الذي تعيشه البلاد الإسلامية .

ولو أحسنا الظن بسيد ، سنقول لو مد الله في عمره ونال قسطاً من العلوم الشرعية وإطلع علي كلام العلماء الذين سبقوه في المسائل التي تكلم فيها لكان لكتاباته وآراءه شأن آخر ، لأن الملاحظ أن سيد لا ينقل عمن سبقوه شيء بل يترك لقلمه السيال وعاطفته الجياشة العنان بدون ما يلجمهم بلجام العلم ، فينفرط عقد الضوابط الشرعية بين ثنايا كلامه ، والوحيد الذي نقل عنه وتأثر به هو أبوالأعلي المودودي وهو لديه إنحراف كبير في فهم هذه القضايا ، ومنه أخذ سيد كثيراً من تصوراته أيضاً كما أقر بذلك أمام المحكمة.

3)  سيد قطب فى عيون بعض من اشتد فى نقده وذمه :-

إشتد نكير فريق من الناس على سيد رحمه الله حتى خرج بهم الانكارعن حد الإنصاف والاعتدال فرموه بعظائم وكبائر ، وحملوا عباراته أكثر مما تحتمل وهاجموا كل من ينقل عنه أو يترحم عليه ، وانشغلوا بالشخص عن الفكرة فأصبح كل همهم فى هدم الشخص وكشف عوراته والتنقص منه ومهاجمة محبيه وذم كل ما أتى به أو مدحه حتى وإن كان فى ذاته حسناً ، وأصبح سيد عندهم عبارة عما يلى :-

ü    يسخر من العلماء على مدار تاريخ الأمة ، ويطعن فى كتب السنة.

ü    يقول بالاشتراكية ويدعو الى الأخوة الإنسانية ويصف النصرانية بالسماحة.

ü    يستقى أفكاره من النظريات الشيوعية والغربية.

ü    يدعو الى حرية الاعتقاد ووحدة الأديان.

ü    يمتدح العلمانيين ويضمن لهم الحرية.

وهكذا تمتد هذه السلسلة حتى وصل الأمر ببعضهم أن وصفه بالزندقة وآخر يتهمه بالعمالة للماسونية العالمية وغير ذلك من التهم الشنيعة التى تتجلى فيها نزعة التجنى والحيدة عن الحق ، وقد انتهج هذه الطريقة بعض الشيوخ الذين لهم إشتغال بعلم الحديث على رأسهم  الدكتور ربيع المدخلى والذى كتب كتاباً سماه " العواصم مما فى كتب سيد قطب من القواصم " ، بالغ فيه جداً من لى أعناق كلام سيد وإخراجه عن سياقه أحياناً أو تحميله على أسوأ محامله فى معظم ما نقل عنه ، ثم ما لبث أن تطور به الحال هو الآخر فأصبح رائداً لمدرسة فى الجرح والتجريح  فصار له أتباع وأنصارسموا بالربيعين أو بالمداخلة وهؤلاء لم يسلم من طريقتهم الفظة ولا أسلوبهم الحاد أى مخالف لهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

4)  رأى الدعوة السلفية فى سيد قطب :-

سلكت الدعوة السلفية – بفضل الله – مع سيد قطب ومع غيره قواعد العدل والإنصاف فهى لم تبخسه حقه ولم تنسف ما عنده من الخير ، ولكنها فى نفس الوقت لم تغالى فيه ولم ترفعه فوق قدره ومنزلته ، فتضاهى به رجلاً فى قدر بن تيمية مثلاً فى الرصانة العلمية والعمق الفكرى ، ولكنها تراه أديباً إسلامياً عنده عاطفة إسلامية جياشة وحب جارف تجاه دينه مما جعله يوظف قلمه الرشيق والسيال فى الدفاع عن الدين وعن قضايا الأمة وعن الرد على موجات الهجوم الفكرى الذى عانت منه الأمة طويلاً .

ونراه كذلك قد انكب على كتاب الله عزوجل وقد تأثر به وتعمق فى وجدانه فإذ بمشاعره الفياضة تسيل لتسجل سفراً ماتعاً لخواطره حول آيات القرآن الكريم , لكنها مع جمالها ورقتها وعذوبتها ستظل خواطر تحتاج ألفاظها إلى التدقيق العلمى وإلى الإحكام الفقهى المنضبط ، أما من يحاول أن يجعل منه كتاباً فى الأحكام أو العقائد أو حتى فى المنهج والحركة فسوف ينحرف به الأمر إلى ما يخالف النهج القويم والصراط المستقيم ، ونراه كذلك مفكراً أمضى وقتاً من حياته سجيناً ثم خُتمت حياته بطريقة نسأل الله عزوجل أن يرزقه فيها الإخلاص والتوبة ، هذا هو حد الاعتدال الذي نراه في سيد ، نسأل الله أن يلهمنا الرشد والصواب وأن يرزقنا الإخلاص والإنصاف ، آمين.

 

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

 

تصنيفات المادة