الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

إياك والعُجب...!!

العجب - وما ينتج عنه من غرور وكبر - من الأدواء المهلكة التي تتسلل إلي قلب الإنسان علي حين غفلة منه عن تزكية نفسه بالتحلية والتخلية والمحاسبة المستمرة لها

إياك والعُجب...!!
عصام حسنين
الثلاثاء ٠٩ ديسمبر ٢٠١٤ - ١١:٤٣ ص
1656

إياك والعُجب...!!

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن العجب - وما ينتج عنه من غرور وكبر - من الأدواء المهلكة التي تتسلل إلي قلب الإنسان علي حين غفلة منه عن تزكية نفسه بالتحلية  والتخلية والمحاسبة المستمرة لها ، ونظرًا لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- قد خافه علي الصحابة-رضي الله عنهم -فما بالك بغيرهم من أمثالنا لا سيما وأن كثيرًا من الخلاف الآن والشقاق مرجعه إلي هذا الداء ، فتجد من يتكلم في أمور الأمة المصيرية بدون علم ، ويختلف ويخالف بزعم لم يأخذوا برأيي ، وهب أن ذلك صحيحًا- وليس بصحيح ففي كثير من النوازل يؤخذ برأي أهل الشورى ممن توفر فيهم العلم بالشرع والواقع - أو أخذوا برأي الأغلبية بعد الشورى والتصويت هل يكون ترك رأيك في مسائل اجتهادية  مسوغًا للاختلاف الشديد والهجوم للهدم ؟!! ؛ نعوذ بالله ، لهذا ولغيره أحببت أن أُذكر إخواني بهذه التذكرة التي أسأل الله أن ينفع بها.

- العجب : عرفه ابن المبارك -رحمه الله- بقوله :- "أن ترى أن عندك  شيئًا ليس عند غيرك "، هذا الشيء عام إما رأيًّا أو علمًا أو طاعة أو جاهًا.

- وهو آفة مهلكة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:-

"ثلاث مهلكات:- شحٌ مطاع وهوى متبع ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه".

وفي رواية :- "وإعجاب المرء بنفسه" (حسن لغيره)

وقال ابن مسعود –رضي الله عنه-: (الهلاك في شيئين:-العُجــــب والقنوط)

وقال ابن المبارك -رحمه الله-: (لا أعلم في المصلين شرًّا من العُجب)

ووجه الهلاك فيه أنه يقعد به عن الاجتهاد في العمل؛ لأنه يرى نفسه قد بلغ كمالًا ليس عند غيره قد يصل به إلى أن يمن على ربه –تعالى- بعمله..

وقد قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم -وغيره أولى بالخطاب- : {ولا تمنن تستكثر}

قال الحسن البصري –رحمه الله-أي (لا تمنن بعملك على ربك تستكثره)

وقال-تعالى- {يمنون عليك أن أسلموا  قل لا تمنوا عليَّ إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين}.

- ودائما ترى المعجب يزكي نفسه ، وقد قال تعالى ناهيًا عن ذلك: {فلا تزكوا أنفسكم}، أي: لا تعتقدوا خيريتها وتتمدحوا بذلك

هذا إن كان في نفسه يسمي عُجبًا ، وإن تنقصَّ به غيره في نفسه كان غرورًا ، وإن ازدرى غيره بقول أو فعل كان كبرًا! ؛عياذاً بالله تعالى

قال صلى الله عليه وسلم "الكبر بطر الحق وغمط الناس "(صحيح). أي دفع الحق وازدراء الناس .

وتظهر علامات العجب المهلك في المصلين :-

- اعتداده برأيه وذم آراء الآخرين .

- الحرص على التخلص من التبعات ، وصعوبة المطاوعة.

- الترفع عن الحضور العلمي والدعوي خاصة العام !.

- نسيان الذنوب واستصغارها  والتقصير في الطاعة .

- التعصب للباطل وجحد الحق .

-  العجز والكسل..

- الانهيار في أوقات الشدة لإهماله تزكية نفسه .

ومن كان بهذه الصفة فهو علي خطر عظيم لذلك أذكر نفسي وإخواني بعلاج العُجب :

اتفق العلماء على قاعدة: "الدفع أسهل من الرفع "

فالأخذ بأسباب دفع العُجب قبل تمكنه من النفس لا شك أنه أسهل من رفعه بعد تمكنه !.

وذلك بالخطوات التالية :-

-أن يعلم أنه بالله- تعالى-؛ فما به من نعمة أو جاه أو طاعة أو ولد ومال وغيره هو محض فضل ربه تعالى عليه. قال –تعالى- "وما بكم من نعمة فمن الله" الآية.

وإذا تحدث بها نسبها لربه –تعالى- وينشغل بحمدها والاستغفار من التقصير في شكرها .

قال الله تبارك  تعالى   - عن يوسف –عليه السلام- وهو يُثني على ربه بنعمه عليه {وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي . إن ربي لطيف لما يشاء . إنه هو العليم الحكيم . ربِ قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض عالم  الغيب والشهادة أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين}.

وقال تعالى عن سليمان –عليه السلام – في سورة النمل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ . وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}

ولما سمع تحذير النملة لصويحباتها: "فتبسم ضاحكًا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلي والدي وأن أعمل صالحًا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين"0

ولما رأى عرش بلقيس مستقرًا عنده " قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم".

تأمل الأفعال في الآيات تجد أن  يوسف وسليمان –عليهما السلام- ينسبان ما هما فيه لربهما تعالي ، ثم يسألان الله شكرها والاستقامة علي طاعة الله والوفاة على الإسلام والحشر مع الصالحين من إخوانهم المرسلين والنبيين.

ونبينا –صلي الله عليه وسلم-قال: "سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا علي عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". (صحيح)

فالعبد  يسير إلي الله تعالى بين مشاهدة المنة وبين مطالعة عيب النفس وتقصيرها.

- اتهام النفس دائمًا بالتقصير دون الوصول إلي اليأس أو احتقارها ، ومما يعين علي ذلك كثرة القراءة في سير العلماء والصالحين لتعلم أنه طريق سلكه غيرك وأنه فوق كل ذي علم عليم.

- كثرة الاستغفار والتوبة الصادقة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أشد من ذلك:العجب العجب". (حسن)

- سؤال الله القبول؛ فإن المدار عليه ؛ قال ابن عمر –رضي الله عنه-:"لو أعلم أن الله تقبل مني سجدة لكان فرحي بالموت أحب إلي من فرحي بالحياة لأن الله يقول: "إنما يتقبل الله من المتقين".وعن عائشة –رضي الله عنها- قالت"سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية (أي: قوله تعالي:"والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إليه راجعون") فقلت: أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟

فقال: لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ، ويتصدقون، ويخافون ألا يتقبل منهم، أولئك يسارعون في الخيرات" [صحيح].

- تغليب جانب الخوف من الله علي جانب الرجاء في حال الصحة دون الوصول إلي اليأس من رحمة الله، وإذا نظرنا في حال سلفنا وجدنا إحسانًا مع خوف من الله ، وخوف أن يرد عليهم فهذا أبو بكر الصديق –رضي الله عنه- كان يمسك بلسانه ويقول :هذا الذي أوردني الموارد . وكان يبكي كثيرًا ويقول : ابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا ، وقال :والله لوددت أني هذه الشجرة تؤكل  وتعضد .

وهذا عمر بن الخطاب –رضي الله عنه : قرأ سورة الطور حتى بلغ قوله تعالى {إن عذاب ربك لواقع} فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه ، وكان يمر بالآية في ورده بالليل فتخيفه ، فيبقى في البيت أيامًا يُعاد يحسبونه مريضًا ، وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء !!

وقال له ابن عباس –رضي الله عنه- : مصّر الله بك الأمصار ، وفتح بك الفتوح وفعل، فقال عمر: وددت أني أنجو لا أجر ولا وزر !!

وهذا عثمان بن عفان ذو النورين –رضي الله عنه- :كان إذا وقف على القبر بكى حتى تتبلل لحيته ، وقال: لو أني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رمادًا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير!!

وهذا علي بن أبي طالب –رضي الله عنه –كان كثير البكاء والخوف ،والمحاسبة لنفسه ، وكان يشتد خوفه من اثنتين :- طـــــول الأمل واتباع الهوى، قال: فأما طول الأمل فينسي الآخرة وأما اتباع الهوى فيصدُّ عن الحق.

- تعميق عبادة الحب في الله ومعرفة حقوقها.

- معرفة أدب الحوار والخلاف.

- احترام آراء الآخرين الاجتهادية ، وعبر عن رأيك برفق ولين، وقل كما قال الإمام الشافعي رحمه الله:"رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".

- التواضع لله تعالى ولعباده المؤمنين؛ فمن تواضع لله رفعه.

- ترك مصاحبة المعجبين بأنفسهم.

- الحذر من التصدر قبل النضج، وإن كان فاعلم أنك قد ركبت البحر الخضم؛ فجاهد نفسك بالعلم والعمل.والله أعلم.

ثبتنا الله وإياكم على صراطه المستقيم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً