الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

(أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (5) خامساً – السرورية (3

هناك عدد من الملامح الفكرية العامة التي تبناها هذا التيار أثناء فترة نشاطه في البلاد التي له فيها تواجد

(أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (5) خامساً – السرورية (3
أحمد الشحات
الأربعاء ٠٧ يناير ٢٠١٥ - ١٤:٣٩ م
3771

أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (5)

خامساً – السرورية (3)

كتبه/ أحمد الشحات

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :-

• المنطلقات الفكرية للتيار السروري :-

هناك عدد من الملامح الفكرية العامة التي تبناها هذا التيار أثناء فترة نشاطه في البلاد التي له فيها تواجد ، ولأن التيار فرض علي نفسه سياج من السرية والغموض ، فلم تتوفر المصادر الكافية التي تشرح حقيقة هذا الفكر وتوضح أبعاده ، فلم يبقي إلا الاستقراء لطريقة تعامله ، والاحتكاك برموزه ، ومراجعة كتب ومقالات أتباعه ومناصريه .

• الموقف التصادمي مع الحكام :-

رغم أن البيئة  التي نشأ فيها هذا التيار لم يكن للحكام فيها موقف معادي للشريعة ، بل كان للعلماء وقت ظهور هذا التيار كلمة مسموعة ، ورهبة من جانب الحكام والأمراء ، وكان التواصل بين العلماء والأمراء قوياً وإيجابياً بدرجة من الدرجات ، إلا أن السرورية استنسخت التجربة القطبية في مصر ونقلتها إلي السعودية  رغم عدم تطابق الواقع بين البلدين ، ومن هنا قام المنهج السروري علي مهاجمة الحكام والتشنيع بمنكراتهم ، مما أدي إلي ازدياد الفجوة بين الدعاة والحكام ، ومع موت كثير من العلماء الكبار يزداد الأمر سوءاً ، وكأن التاريخ يعيد نفسه والتجربة تتكرر بحذافيرها.

• الموقف العنيف تجاه العلماء :-

لم تستطع السرورية منذ نشأتها أن تقدح في العلماء قدحاً مباشراً ، لما كان لهم من وزن وثقل ومحبة في قلوب الناس ، إلا أن ديدنهم أنهم يحقرون من الانشغال بالعلوم الشرعية التقليدية ، والتي أصبح الانتفاع منها قليل مقارنة بعلم الواقع ، وفقه الحركة ، وابتدعوا ما يسمي بفقهاء الشرع وفقهاء الواقع ، كطريقة غير مباشرة للطعن في العلماء المشهور عنهم العلم والفقه ، ولكنهم لم يكن لهم انشغال بالأحداث السياسية بالمعني الذي أتي به السروريون ، فقد كانوا يتكلمون عليها بقدر الحاجة ، لكنهم لم يكونوا متخصصين في العلوم السياسية ولا في التحليلات الإخبارية حتي يشغلوا قاعات الدرس وحلق العلم بهذه الأشياء.

• المبالغة في الاهتمام بما يسمي " فقه الواقع " والإغراق في التحليلات السياسية والمؤامرات الكونية :-

لا يماري أحد في أن العلم بالواقع شيء ضروري وهام ، بل لا يكتمل علم العالم ، ولا تصح فتوي المفتي إلا بهذا العلم ، يقول ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين :-

" ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوي والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم ؛ أحدهما : فهم الواقع ، والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتي يحيط به علما ، والنوع الثاني : فهم الواجب في الواقع : وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو علي لسان رسوله في هذا الواقع ثم يطبق أحدهما علي الآخر ، فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلي معرفة حكم الله ورسوله".

ولكن فقه الواقع الذي يعنيه السروريون أمر مختلف عن هذا الفقه الذي يتكلم عنه ابن القيم ، لأن هذا المصطلح كانوا قد نحتوه بأيديهم ليميزوا به بين من يتبعهم ومن هو خارج عنهم ، يقول الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتاب حكم الانتماء " والعالم الذي لم ينتمي إليهم يلقب بأنه ليس واعياً أو غير واع بالواقع ، وغير فاهم للواقع ، وإلصاق التهم  الكاذبة بالعلماء والتنفير منهم ، والنظر إليهم بعين السخط والاستصغار".

ولكي تدرك ماذا يعنون بفقه الواقع فما عليك إلا أن تقرأ بعض كتاباتهم فيما يسمونه بالتحليل السياسي ، فستجد عجباً عجاباً ، فلا هو الذي حصل الفقه ولا هو الذي اشتم رائحة الواقع ، بل هو نوع من الخرص والتخمين والخيالات والأوهام ، وإليك أحد هذه الأمثلة :-

كتب سرور تعليقاً علي التفجيرات التي ضربت الرياض عام 2003 تحت عنوان : قولي في التفجيرات الأخيرة في الرياض والدار البيضاء : -

" من الواضح أن الإسلام في طريقه إلى الزوال ، فما نشاهده اليوم في العالم الإسلامي ليس انتفاضة إيمان قوية ، بل انطفاء جذوة الإسلام ، أما كيف سيزول؟ فبكل بساطة ، بقيام حرب مسيحية صليبية ضد الإسلام في غضون بضع سنوات ، ستكون الحدث الأهم في هذه الألفية"؟!!

وإذا أردت مزيداً من هذا الابداع ، فما عليك إلا أن تتجول في كتابات الأستاذ احمد فهمي علي صفحته علي الانترنت وستجد فيها ألواناً من المضحكات المبكيات والله المستعان.

• التهوين من شأن الخلاف بين الجماعات الإسلامية :-

تنطلق السرورية من قاعدة أشبه ما تكون بالقاعدة الذهبية التي قام عليها منهج الاخوان ، وكما يتبني الاخوان موقفاً معادياً لكل من رفض القاعدة الذهبية فكذلك الحال مع السرورية ، والناظر في كتابات أحد الشخصيات المتأثرة بهذا الاتجاه وهو الدكتور صلاح الصاوي – ورغم ما في كتاباته عموماً من نفع كبير – إلا أن الفكرة المحورية التي بني عليها كثير من كتاباته هي فكرة تقريب المسافات الفكرية بين الاتجاهات المختلفة والتقليل من شأن الخلافات حتي وإن كانت عميقة أو جوهرية.

 ومن أهم كتاباته في هذا الباب كتاب " الثوابت والمتغيرات " وكتاب " مدي شرعية الإنتماء وكتاب " مدخل إلي ترشيد العمل الاسلامي " وهذا الأخير قد تكلم فيه عن اتجاه العمل السياسي والبرلماني ، الاتجاه السلفي ، اتجاه التبليغ والدعوة ، الاتجاه القطبي ، وقد حاول جاهداً أن يبحث في القواسم المشتركة  لهذه الاتجاهات ، وأن يهون من شأن الخلاف ربما بما يخالف واقعه ومنهجه الذي تتبناه الجماعة ، ولنضرب مثالاً بالاتجاه القطبي فقد قال عنه :-

" الاتجاه القطبي اتجاه يحمل علي عاتقه لواء قضية التشريع وبيان صلتها بأصل الدين ، ويتلخص برنامجه العملي في الدعوة إلي تصحيح المفاهيم وتربية القاعدة الايمانية التي تكون ستاراً لقدر الله في تحقيق وعده لعباده المؤمنين بالنصر والتمكين ، ويغلب علي المنتسبين لهذا الاتجاه عمق الدراية بالواقع وشدة العناية بأصول الفقه والبعد عن الأعمال المرتجلة وردود الأفعال مهما بلغت استفزازات الخصوم ".

 ثم تعمق أكثر في تسطيح الخلاف حتي في صلب القضية التي يرفعون لوائها فقال :-

 " فالرأي السائد عندهم أن عقد الاسلام يثبت في الظاهر لكل من أبدي لنا صفحته بالإسلام ولو بمجرد الانتساب إليه أو التسمي بأسماء المسلمين أو الولادة لأبوين مسلمين ، وهم في هذا يتفقون مع عامة المسلمين في هذه المسألة ولا حاجة لتشقيق الكلام فيها وإكثار الجدل حولها ".

وهكذا كانت طريقة تعامله في كل قضية من القضايا مهما بلغت درجة الخلاف فيها إلي الحد الذي يمكن أن ينسب فيه للجماعة أقوالاً لا تتبناها ولا تقول بها.

• ابتداع ما يسمي بسلفية المنهج عصرية المواجهة :-

من جملة اللوث المنهجي الذي أصاب السرورية ، أنهم ظنوا أن التمسك بالسلفية معناه الجمود ، وعدم مواكبة العصر الحديث ، وأن الشيوخ السلفيون لا يفهمون الواقع نتيجة لإغراقهم في قراءة كتب التراث وتدريسها وهذا يؤدي بهم إلي الذهول عن طبيعة الحرب علي الإسلام وعدم التفطن لمؤامرات الأعداء وغيرها.

ومن هنا كان نحت هذه الجملة التي ظنوا أنها ستحل هذا التضارب لديهم  ، والحقيقة أنه لا يوجد تعارض أصلاً بين السلفية أو المعاصرة ، وأن العقبات التي تواجهها الدعوة تتم مواجهتها بالوسائل والأساليب العصرية وهذا لا يقدح بطبيعة الحال في أصالة الدعوة أو رسوخ مبادئها ، وهذا أيضاً من المبادئ التي أرادوا بها لمز العلماء السلفيون والطعن في عدم قدرتهم علي التعاطي مع مستجدات الواقع.

• منهج الموازنات بين الحسنات والسيئات :-

من المبادئ التي حاولوا بها إلجام العلماء عن النقد ، وإذا اضطر ناقد إلي بيان خطأ جماعة أو كاتب أو داعيه ، فعليه في كل مرة سينقده فيها أن يستخدم ما سموه ميزان الحسنات والسيئات ومعناه أنك قبل أن تبدأ في ذكر السيئات عليك أولاً أن تذكر الحسنات كاملة حتي لا تبخس حق من تنتقده ، وهذا طريق مخترع لم يقل به أحد من العلماء قبل ذلك ، لأن عادة من ينتقد الاكتفاء بذكر موضع النقد فقط دون الحاجة إلي ذكر المقارنة الكاملة بين المميزات والعيوب ، اللهم إلا إذا كان بصدد عمل تقييم شامل للجماعة أو الشخص ، أما مجرد ذكر النقد في قضية أو مسألة فلا يلزم أن يذكر المقارنة كاملة وإلا كان هذا من التكليف المتعسر ، بالإضافة أن بعض الجماعات أو الأشخاص قد يشتهر عنهم خلل ما أو بدعة ما ، فيلزم التحذير منها ومن بدعتها حتي ولو كان بها بعض المزايا أو الحسنات الأخرى لأن التحذير ينصب علي موطن الخلل الذي يُتخوف منه ولا يعني أيضاً أنه يهدر قيمة ما عندهم من خيرات.

• عقيدة بمنهج خاص وسيرة بنكهة حركية :-

اجتهد سرور في استنساخ تجربة سيد قطب في تناوله للقضايا العقدية ، فزعم أن كتب العقيدة القديمة كتب جافة وجامدة ولا تناسب العصر ولا تسلط الضوء علي مشكلاته وبالتالي كان الاحتياج لمؤلف جديد يفي بهذه الأغراض ، فكان مؤلفه الذي سماه منهج الأنبياء ، الذي قال فيه :

" نظرت في كتب العقيدة فرأيت أنها كتبت في غير عصرنا وكانت حلولا لقضايا ومشكلات العصر الذي كتبت فيه ولعصرنا مشكلاته التي تحتاج إلى حلول جديدة ومن ثم فأسلوب كتب العقيدة فيه كثير من الجفاف لأنه نصوص وأحكام ولهذا أعرض معظم الشباب عنها وزهدوا فيها ".

ورغم ما بي العبارة من خطأ إلا أن الطرف الآخر قام باستغلال هذا النقل بشكل سيء ، وفعلوا به ما تم فعله قبل ذلك مع كتب سيد قطب حتي استخرجوا من أفواه العلماء أوصاف الكفر أو الزندقة أو التبديع أو غيرها لقائل الكلام وفتاوي تمزيق الكتاب أو إحراقه من البعض الآخر.

وبنفس الطريقة والمنهجية تم التعامل مع السيرة ، مع فرق جوهري أن السيرة يمكن تطويعها بسهولة لخدمة الأغراض الخاصة لكاتبها ، ودائما ما كان يعتمد الاخوان في دراستهم للسيرة علي عدد من المراجع الخاصة من أهمها كتاب " المنهج الحركي للسيرة النبوية " لمنير الغضبان ، وبالتالي كان كتاب " دراسات في السيرة النبوية " لمحمد سرور محاولة أخري لخدمة نفس الهدف.

• السرورية خارج السعودية :-

ما ذكرت من سمات سابقة يشترك فيها معظم السروريون علي تفاوت بينهم ، إلا أن حالة التطابق أو التلازم بين السرورية وبين القطبية – بمعناها المنهجي - تعتبر حالة خاصة بالسعودية نظراً للظروف التي أشرنا إليها ، أما في باقي البلاد فالشائع هو المزج بين السلفية والقطبية والاخوانية ، فالسلفية يؤخذ منها الجانب العقدي التقليدي والسمت العام فنجد الاهتمام بالعلم وبقضايا التوحيد مع الالتزام بالمظهر السلفي المعروف ، والاخوانية يؤخذ منها الجانب الحركي والشق التنظيمي والأداء السياسي ، والقطبية يستفاد من كتابات مؤسسوها ومن مناهجهم بغض النظر عن الالتزام التام بكل أفكارهم.

يبقي أن نشير إلي أن هذا المزج ليس متساوياً أو محايداً ، لأن السرورية في الأعم الأغلب تميل إلي الإخوان خصوصاً في البلاد التي لهم فيها تواجد سياسي أو وصلوا فيها إلي الحكم فعلياً ، وقد رأينا في مصر كثير من الشخصيات التي  دأبت تنتقد الاخوان وتبين فساد منهجهم إلا أنه بمجرد وصولهم إلي الحكم وقفوا خلفهم ووصفوهم بأنهم رجال المرحلة وأهل الخبرة في هذا الباب  ، وكانوا سببا في فتنة كثير من الشباب الملتزم الذي لا يعرف عنهم سوي أنهم سلفيون.

 

• جهود الدعوة السلفية في مواجهة التيار القطبي والسروري:-

في ختام الجولة مع التيارات القطبية  بكل فروعها وتشعباتها ، نذكر طرفاً من وسائل مواجهة الدعوة السلفية لهذه الأفكار ، وقد كان لليقظة المبكرة  ، والمجهودات الدؤوبة لقادة هذه الدعوة المباركة ، أثر واضح في بيان الحق للناس ، والتحذير من مغبات هذه الانحرافات قبل أن تظهر ويشهد بفسادها وانحرافها الجميع ، وقد ضحوا في سبيل ذلك بأوقاتهم وأموالهم ، وتصدقوا بأعراضهم ولحومهم  ، حتي لا ينحرف أبناءهم بسبب الجهل أو التأويل.

وقد اعتمدت الدعوة في مواجهة هذا التيار على عدد من الوسائل منها :-

المحاضرات العلمية:

ومن ذلك سلسلة " قراءة نقدية لكتاب حد الإسلام " للشيخ محمد اسماعيل المقدم ، وقد تكلم في سلسلة تربوية أخري عن ظاهرة التطاول علي العلماء ، وسلسلة أخري بعنوان الغلو في الدين ، وتكلم كذلك عن الموقف من سيد قطب في محاضرة منفصلة ، وقام الدكتور ياسر برهامي بالرد علي الدكتور سفر الحوالي بخصوص رسالته " ظاهرة الإرجاء " في سلسلة مطولة ثم صارت كتاباً بعد ذلك ، ورد أيضاً علي كتاب حد الإسلام ، وقام بشرح كتابه " لا إله إلا الله كلمة نجاة " ، وكذلك قام بشرح كتاب الإيمان لابن تيمية ، وشرح كتاب الايمان من صحيح مسلم ، كما قام الشيخ عبدالمنعم الشحات بالرد علي القطبية في أثناء شرحه لقضايا الإيمان والكفر ، وكل هذه السلاسل متوفرة على مواقع الدعوة على الانترنت بحمد الله تعالى.

الرسائل والكتب:

وهي كثيرة بحمد الله ، منها  كتاب الرد على ظاهرة الإرجاء للدكتور ياسر برهامي ، وكتابه تحقيق مذهب شيخ الاسلام بن تيمية في قضية تارك الصلاة ، وكتابي المسك الأذفر ، وزهر البساتين للدكتور سيد حسين العفاني ، وكتابي الإرجاء تحت المجهر ، وحوار هادئ للشيخ هيثم توفيق رحمه الله ، وقد خصص كتابه حوار هادئ للرد علي الاعتراضات التي أثيرت حول كتاب الدكتور ياسر برهامي في الرد علي الدكتور سفر، وعدد آخر من الأبحاث العلمية والمقالات المتخصصة منها ما هو منشور علي الانترنت ومنها غير مطبوع.

الدورات الفكرية:

تبنت الدعوة السلفية خط تحصين الشباب من هذه البدع ، فقامت بعقد عدد من الدورات العلمية والدروس المنهجية  المكثفة لشباب الصحوة بشكل دوري ودائم ، حتى يتعرفوا على هذه الأفكار بشكل دقيق ومباشر، وكان من أهم نتائجها الإيجابية أنها جعلت كثير من الشباب الذى انخدع بدعاويهم يتخلى عنهم ويعود إلى صوابه ورشده ، بفضل الله تعالي.

والله الموفق والهادي إلي سواء السبيل.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة