الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

صدق النية يدفع اليأس ويحدو الأمل

الذي يخلص عمله لله فإنه ينجو من آفات عظيمة من أشدها الاستعجال واليأس

صدق النية يدفع اليأس ويحدو الأمل
عبد المنعم الشحات
الخميس ٠٥ مارس ٢٠١٥ - ١١:٥٩ ص
1864

صدق النية يدفع اليأس ويحدو الأمل

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمن أهم الأمور التي ينبغي أن يراجعها الإنسان مِن نفسه دومًا أمر النية، وذلك لتوقف قبول العمل عليها كما جاء في حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (إِنَّمَا الأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لكل امْرِئ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ) (متفق عليه).

ولكننا نريد في هذه العجالة أن نلقي الضوء على فائدة أخرى للإخلاص في غاية الأهمية، وهي: أن الذي يخلص عمله لله -تبارك وتعالى- فإنه ينجو مِن آفاتٍ عظيمة مِن أشدها: "الاستعجال، واليأس"، قال الله -تعالى-: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:112).

ومِن الآفات التي تعتري العبد في سعيه إلى الله -تبارك وتعالى-: أن تتحول الوسائل عنده إلى غاياتٍ، وأن تنسيه الغايات المرحلية الغاية الأصلية؛ ومِن ثَمَّ فإنه مما يجب أن يتذكره العبد دائمًا أن غايته الكبرى هي: "رضا الله -سبحانه- والجنة"، وأن مخوفه الأعظم سخط الله والنار، وأن مَن أراد هذه الإرادة، وطلب هذه الغاية؛ فعليه أن يُسلِم وجهه لله -عز وجل-، ويتبع رسوله -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران:31).

ومِن أخص مواطن الاتباع: اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر الدعوة إلى الله (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108)، فالدعوة إلى الله أحد أهم الغايات الوسيطة التي توصل إلى "رضا الله والجنة"، وهي مِن أكثر الأبواب حاجة إلى الإخلاص.

والدعوة إلى الله تكون بالحجة والبيان، كما تكون بالسيف والسنان "في موضعه وبشروطه المعروفة" لا كما تفعله الجماعات الخارجية كـ"داعش" وغيرها، وليس السياق في ردِّ باطلها وإنما نريد أن نؤكـِّد على أن هذه المجالات كغايات مرحلية يجب ألا تنسي الغاية العظمى، وهي: "رضا الله والجنة".

ولذلك كان مِن فروع هذا: أن القرون الفاضلة وهم في جهادهم يستصحبون قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) (متفق عليه)؛ ولذلك قدَّر الله الهزيمة في المعركة أحيانًا، وقدَّر إعراض البعض عن دعوة الحق رغم جلائها؛ لتبقى نية الداعية خالصة صادقة لله -عز وجل-.

ولما قدَّر الله ما قدَّر في غزوة "أُحد" أنزل يبيِّن الحكمة مِن ذلك في قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران:152).

وقدَّر الله -عز وجل- عدم هداية أبي طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- مع نصرته للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ومع حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- أشد الحرص على إيمانه، وفيه وفي أمثاله يقول -تعالى-: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص:56)، وبهذا الأمر يمكن علاج "داء الاستعجال"، والذي غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما رأى بادرته كما في حديث خباب -رضي الله عنه- قال: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلاَ تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: (قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ!) (رواه البخاري).

كما أن هذا الإخلاص، وبقاء "الغاية العظمى" ماثلة في الذهن يقضي على داء اليأس؛ فإن تلك الغاية العظمى لا يدركها اليأس أبدًا، ولا ينقطع الأمل بها قط، ولعل هذا يدخل في هذا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنْ قامَتِ السّاعَةُ وَفِي يَدِ أحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِن اسْتَطَاعَ أنْ لا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَها فلَيَغْرِسْها) (رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني)، ولا يكون هذا إلا لمن ينتظر ثوابها عند الله -تعالى-؛ لاستحالة إدراك نفعها في الدنيا.

وسواء حُمِل الحديث على القيامة أو على أماراتها، أو على قيامة العبد الصغرى "مما يعني أنه يؤمِّل تركها لمن بعده"؛ فإن هذا لا يتم إلا لمَن يرجو بنفعِ مَن بعده الثوابَ عند الله -عز وجل-.

ومما يَدخل في هذا قصة قاتل المائة نفس، والذي نأى بصدره خطوة في آخر حياته لا تنفع شيئًا في الظاهر، وقدَّر الله -تعالى- أن يجعلها هي سبب نجاته؛ لما فيه مِن سلامة النية، وصدق العزم، والتعلق بكل ما يرضى الله -عز وجل-.

وقد يدخل في هذا -أيضًا- قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) (رواه مسلم). والشاهد منه: أنه في كل قـَدَر يقدِّره الله يجد طاعة تقربه إلى الله، وهو مما يجعل السراء نعمة حقيقية في الدنيا والآخرة، ومما يقلب الضراء التي صبر لها نعمة أخروية.

والخلاصة:

لا تنسَ أن تخطط لأهداف وسيطة للهدف الأسمى، ولن تعدم مع كل أمرٍ قدَري أو فعلٍ مِن صديق أو عدوٍ أن تجعلَ منه وسيلة تقربك إلى هدفك "ولو بزحفة مِن شخص يحتضر".

ومِن ثَمَّ فالجميع مدعو إلى أن يقدِّم ما يَمنُّ الله به عليه مِن حلول واقتراحاتٍ يمكن بها توظيف كل الأحداث في طريق: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108).

وهي الطريق المؤدية -بفضل الله ورحمته- إلى رضا الله -سبحانه- والجنة.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com