السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

شبهات حول عقوبة الردة

ليس لكل أحد أن يفعل هذا أو أن يقيم الحد، لأن هذا يلزم منه الفوضى والفساد

شبهات حول عقوبة الردة
إيهاب شاهين
الاثنين ١٣ أبريل ٢٠١٥ - ١٠:٥٩ ص
3949

شبهات حول عقوبة الردة

   كتبه/ إيهاب شاهين

  الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الردة شرعا: الرجوع عن دين الإسلام إلى الكفر، سواء بالنية أو بالفعل المكفر، أو بالقول، وسواء قاله استهزاء أو عنادا أو اعتقادا.

وعلى هذا "فإن المرتد هو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر؛ مثل من أنكر وجود الخالق، أو نفى الرسل، أو كذب رسولا، أو حلل حراما بالإجماع كالزنا واللواط، وشرب الخمر، والظلم، أو حرم حلالا بالإجماع؛ كالبيع والنكاح. أو أنكر مجمعا عليه معلوم من الدين بالضرورة؛ كالصلوات الخمس المفروضة.

أما عن حكم المرتد فهو القتل وهذا من خصوصيات سلطان المسلمين فقط، فهو الذي يستدعي المرتد ويقيم عليه الحجة ويخبره بأن هذا العمل كفر يخرجه من الإسلام، ويستتيبه فإن أبى أقام عليه الحد، وليس لكل أحد أن يفعل هذا أو أن يقيم الحد، لأن هذا يلزم منه الفوضى والفساد، وانتشار الجرائم بحجة أن فلان أقام على فلان الحد بعد أن استتابه، ولا شك أن مثل هذا يؤدي إلى حدوث الثارات، وغيرها من الفتن، وقد اتفق العلماء على وجوب قتل المرتد لقوله صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه، وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة.

وقد أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد، وكذا قتل المرأة المرتدة عند جمهور العلماء غير الحنفية. ثم ذهب أهل العلم إلى وجوب استتابة المرتد قبل قتله، ومنهم من جعل ذلك على الاستحباب، ومنهم من جعل مدتها ثلاثة أيام وبعضهم ذهب إلى أنه يستتاب، ويؤجل ما رجيت توبته. وقد قام بعض المشككين في الدين وثوابته بالطعن في هذا الحديث مستدلين على ذلك بأن في سنده عكرمة مولى ابن عباس وهو ضعيف، بالإضافة إلى أن هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي تأمر بقتل المرتد تتعارض مع ما ثبت من نهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين، مع علمه بكفرهم؛ وأنه لما ارتد عبيد الله بن جحش لم يرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقتله .وأنه يتعارض كذلك مع الآيات القرآنية التي تدعو إلى الحرية الدينية كقوله عز وجل: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} ، وقوله عز وجل: {لا إكراه في الدين} ، ويرون أن هذه الأحاديث باطلة مردودة. رامين من وراء ذلك إلى إنكار حد الردة الثابت في الصحيح والطعن في السنة جميعا ورواتها .

أولا :إن حديث "من بدل دينه فاقتلوه " حديث صحيح، رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أيوب عن عكرمة "أن عليا رضي الله عنه حرق قوما، فبلغ ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه" والقول بضعف الحديث لوجود عكرمة في سنده مردود من وجهين:

الأول: إجماع عامة أهل العلم بالحديث على الاحتجاج بحديث عكرمة فقال الحافظ ابن حجر في (التقريب) عنه: ثقة ثبت، عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا تثبت عنه بدعة وقال الحافظ العجلي: ثقة، وهو بريء مما يرميه الناس به من الحرورية، .

الثاني: الحديث لم ينفرد به عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- بل له شواهد عن جماعة من الصحابة تصل بالحديث إلى درجة الشهرة وليس درجة الآحاد كما زعم بعضهم، فهو في الأوسط للطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه بإسناد حسن كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد  وكذلك عن معاوية بن حيدة -رضي الله عنه- بإسناد رجاله ثقات. وأخرجه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم -رضي الله عنه- مرفوعا بلفظ "من غير دينه فاضربوا عنقه "

الثالث: حرية العقيدة ثابتة بالقرآن والسنة، أما الدخول في الإسلام ثم الارتداد عنه - أمر يرفضه العقل، لما في ذلك من المفاسد التي تثير الفتن بين المسلمين، فكان قتل المرتد حدا من الحكمة لحماية الدين.  

ثانيا : قولهم بأن هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي تأمر بقتل المرتد تتعارض مع ما ثبت في الآيات القرآنية التي تدعو إلى الحرية الدينية كقوله عز وجل: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} وقوله عز وجل: {لا إكراه في الدين} مردود أيضا. فإن حرية العقيدة في الإسلام مكفولة إلى الحد الذي لا يجوز العدوان عليها، وهذا بصريح النصوص القرآنية التي تعلن أنه: {لا إكراه في الدين} ، وتأكيد القرآن على ذلك تأكيدا لا يقبل التأويل في قوله عز وجل: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} لكن من كفر فلينتظر العذاب الأليم من الله عز وجل فكانت هذه الآيات علي سبيل التهديد لمن كفر برب السموات والأرض لذلك قال عقيبها {إنا أعتدنا للظالمين نارا} وقد جاء التأكيد الصريح في ترك مسألة الاعتقاد للحرية الكاملة في قوله عز وجل: {قل يا أيها الكافرون (1) لا أعبد ما تعبدون (2) ولا أنتم عابدون ما أعبد (3) ولا أنا عابد ما عبدتم (4) ولا أنتم عابدون ما أعبد (5) لكم دينكم ولي دين (6)} هكذا بالإعلان الصريح، وتجد أنه لم يبح أن يكره الناس على اعتناقه أو اعتناق سواه من الأديان، قال عز وجل: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} ، هذا في العهد المكي، وفي العهد المدني قال عز وجل: {لا إكراه في الدين}، قال ابن كثير رحمه الله: يعنى لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام ، فإنه بيِّن واضح جليُّ دلائله ، وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه ، بل من هداه الله للإسلام ، وشرح صدره ، ونوّر بصيرته دخل فيه على بينة ، ومن أعمى الله قلبه ، وختم على سمعه ، وبصره ، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً. ومع تقرير الإسلام الحرية في اختيار العقيدة، إلا أن هذه الحرية تقف عندما تبدأ حرية الغير وحقه. فقتل المرتد عن الإسلام ليس لأنه ارتد فقط، ولكن لإثارته الفتن والبلبلة، وتعكير النظام العام في الدولة الإسلامية! أما إذا ارتد بينه وبين نفسه دون أن ينشر ذلك بين الناس ويثير الشكوك في نفوسهم ولم يطلع أحدا على ذلك - فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء، فالله وحده هو المطلع على ما تخفي الصدور، ولن تخسر الأمة أبدا بارتداده شيئا، بل هو الذي سيخسر دنياه وآخرته قال عز وجل: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}

و الإسلام إذ يقرر حرية العقيدة على ما سبق، لا يجبر أحدا على اعتناقه، فإذا ارتضاه الإنسان بكامل إرادته وحريته واقتناعه، فعليه أن يلتزمه؛ لأن الأمر في الدين جد لا عبث فيه؛ لأنه بدخوله الإسلام أصبح عضوا في جماعة المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم،  فإذا عنً لأحدهم بعد ذلك أن يرتد  فقد مارس ما يشبه الخيانة الوطنية على المستوى السياسي، وخيانة الوطن جزاؤها الإعدام، ولن تكون أقل من خيانة الدين! فأراد الله ألا يكون هذا الدين ألعوبة في أيدي الناس، فمن دخل هذا الإسلام بعد اقتناع ووعي وبصيرة فليلزمه، وإلا تعرض لعقوبة الردة .

ثالثا :قولهم أن هذه الأحاديث تتعارض مع ما ثبت من نهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين، مع علمه بكفرهم؛  كانت الإجابة واضحة منه صلي الله عليه وسلم لما طلب منه  صلي الله عليه وسلم قتلهم: قال " لا يتحدث الناس أني أقتل أصحابي " لأن إقامة الحدود والعقوبات مرهونة بالمصلحة والمفسدة , قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد فيما يستفاد من غزوة تبوك فالجواب الصحيح إذن، أنه كان في ‏ترك قتلهم في حياة النبي صلى الله ‏عليه وسلم مصلحة تتضمن تأليف ‏القلوب على رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم، وجمع كلمة الناس ‏عليه، وكان في قتلهم تنفير، ‏والإسلام بعد في غربة، ورسول الله ‏صلى الله عليه وسلم أحرص شيء ‏على تأليف الناس، وأترك شيء لما ‏ينفرهم عن الدخول في طاعته، وهذا ‏أمر كان يختص بحال حياته صلى ‏الله عليه وسلم، وكذلك ترك قتل من ‏طعن عليه في حكمه، بقوله في قصة ‏الزبير وخصمه: أن كان ابن عمتك. ‏وفي قسمه بقوله: إن هذه لقسمة ما ‏أريد بها وجه الله. وقول الآخر له: ‏إنك لم تعدل. فإن هذا محض حقه، له ‏أن يستوفيه، وله أن يتركه، وليس ‏للأمة بعده ترك استيفاء حقه، بل ‏يتعين عليهم استيفاؤه، ولا بد. اهـ.

وأما ردة عبيد الله بن جحش عن ‏الإسلام، ودخوله في النصرانية، فقد ‏كان ذلك قبل الهجرة، وتشريع ‏الحدود، ومع ذلك فقد كان في ‏الحبشة بعيدا عن أيدي المسلمين ‏وسلطانهم . والحمد لله رب العالمين .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة