الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

البحيري مع ممثلي الأزهر يناظر أم يناور؟!

سحب كل مشروعه القائم على نسف كتب التراث فقهاٌ و تفسيراٌ و حديثاٌ و اختزل مشروعه في قضيتين

البحيري مع ممثلي الأزهر يناظر أم يناور؟!
عبد المنعم الشحات
الاثنين ١٣ أبريل ٢٠١٥ - ١١:١٣ ص
2316

البحيري مع ممثلي الأزهر يناظر أم يناور؟!

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

خرج علينا إسلام البحيري معلنا تحديه للأمة و تراثها، فسفه الأئمة الأربعة و طعن في البخاري و مسلم، و ازدرى كتب الفقه، و حقر من شأن كتب التفسير، و توعد الأمة بأنه "عايش لنا ثلاثين سنة أخرى" يواصل فيه جهاده و تنويره و بيانه لعوار كتب التراث!

و قد كتبت من قبل أن الرجل أغراه حلم الأزهر و غير الأزهر، حيث لم يريدوا أن يشغلوا الناس بمثل هذه الأقوال، فظن أن الجميع يهابه و أنه الباحث الذى لا يشق له غبار و لا يراجع له بحث!

كما أغراه أن الحماية التي وفرتها له القناة التي يعمل بها، حيث رفضت عدة مرات ان تستضيف أحدا في غير برنامج "إسلام" ليرد على برنامجه "مع إسلام"

المهم أن الاستياء قد عم من كثرة إلحاحه و إصراراه على المضي قدما في الطريق الذى خطه لنفسه فتدخل الأزهر و تقدم بشكوى ضده،

حينئذ فقط سعت قناته لعقد مناظرات بينه و بين ممثلين للأزهر،  كما سعت قنوات أخرى لعقد مثل هذه المناظرات أو السماح له بإجراء مداخلات هاتفية في وجود بعض ممثلي الأزهر و العنوان الرئيسي لمنهج اسلام البحيري في هذه المناظرات أنه يناور لا يناظر.

لقد سحب البحيري كل مشروعه القائم على نسف كتب التراث فقهاٌ و تفسيراٌ و حديثاٌ و اختزل مشروعه في قضيتين؛

الأولى: سن عائشة رضي الله عنها عندما تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم، و هو البحث الذى قدم نفسه به في الإعلام، و الذى زعم فيه أن سن عائشة رضى الله عنها عندما تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم كان سبعة عشر عاما،

الثانية: قضية إنكاره لحد الردة الثابت في البخاري و مسلم و غيرهما،

و لنا على هذا المسلك منه عدة ملاحظات:

الأولى: أنه إن كان يعتقد أن ما قاله في حق كتب التراث حق فمن الخيانة أن يتخلى عن المناظرة عنه، و إن كان يعلم أنه باطل فمن الخيانة ألا يعلن تبرأه منه صراحة و علنا بدلا من النفي و الإنكار في أمور ثابتة في "اليوتيوب"

الثانية: اصطحب بعض ممثلي الأزهر معهم "فيديوهات" له في نقده لكتب التراث، بل للقرآن ذاته، و سلموها للـ "كنترول" لكي تذاع على المشاهدين أثناء المناقشة، و لكن "كنترول" تلك القنوات كانوا لا يملكون برنامج مشغل "الفيديوهات" المناسب للـ "فورمات" التي جاءت بها هذه الملفات مع أن أجهزة الكمبيوتر الشخصية التي يحملها "التلاميذ" يكون فيها البرامج التي تشغل كل الـ "فورمات" المتاحة و لكن كمبيوتر هذه القنوات العملاقة كان خاليا منها!

مع أن الأمر لو كان كذلك فهناك حيل، كأن يشغل هذا "الفيديو" على هاتف أحدهم و يأخذ منه (link out)  على ال (mixer) و لكن لسبب أو لآخر لم يلجأوا إلى هذه الحيلة،

الثالثة: هل تحرك الأزهر ضد إسلام البحيري عندما نشر مقالته عن سن عائشة رضي الله عنها مع ما فيها من خلل؟

الاجابة: لا

هل تحرك الأزهر ضد البحيري حينما أنكر حد الردة مع ثبوته في البخاري و مسلم و إجماع العلماء عليه (من حيث الجملة)؟

الاجابة: لا

إذن؛ الأزهر تحرك بعدما أحدث البحيري أقوالا هي اشنع بكثير من هذين القولين، و من ثم؛ فالنصيحة لمن يناظر البحيري -لا سيما إذا كان ممثلا للأزهر- هي لابد و أن يبين للناس الأكاذيب و الأغلوطات و البذاءات التي أطلقها البحيري مرتبة من الأفدح إلى الذي يليه، و عدم السماح للبحيري أن يحصر ضلالاته في آراء يرى أنه يمكن أن تجلب له تعاطف الجمهور الذي سيرى أن رد فعل الأزهر ليس مساويا للفعل.

الرابعة: مع ما تقدم، فلا ينبغي التقليل من شأن هاتين القضيتين، و لنتعظ، كيف دخل منهما فظن به الكثيرون أنه يريد فقط أن يرد على تلك النقطتين حتى يفوت الفرصة؟

و إليك ملخص الجواب على كل قضية من هاتين القضيتين:

1- قصة سن عائشة رضي الله عنها عند زواجها من النبي صلى الله عليه و سلم

هذه القضية التي خرج فيها إسلام البحيري علينا متقمصاٌ دور الباحث الذى سيرد على شبهات المستشرقين و يبين لهم باطلهم فكان ماذا؟

كان أن بدأ معركته خاسراٌ، إذ أقر لهم بأن القصة الصحيحة الثابتة في البخاري و مسلم و غيرهما تنافي مقام النبوة!، و من ثم بدأ يحاول إثبات العكس، فأتى من العجائب أمورا كثيرة منها:

1- تقديم الروايات الضعيفة على الصحيحة.

2- تقديم المفهوم على المنطوق، و تقديم الاستنتاج على المعلومة.

3- تأخير أخبار أصحاب الواقعة و تقديم غيرها عليها.

كل هذا لأنه لم يرق له أن يقر بأن النضج البدني و النفسي يختلف باختلاف البيئات، و نسب ذلك إلى الوهابيين - كعادته- مع أن هذا الكلام ردده الكثير من الباحثين منذ بدا للمستشرقين أن يعيبوا أمرا لم يكن معيبا في وقت فعله، و ممن بين هذا الدكتورة بنت الشاطئ في كتابها؛ "سيدات بيت النبوة" حيث قالت: (ولم تدهش (مكة) حين أعلن نبأ المصاهرة بين أعز صاحبين وأوفى صديقين، بل استقبلته كما تستقبل أمرًا طبيعيًا مألوفا ومتوقعا. ولم يجد فيها أي رجل من أعداء الإسلام أنفسهم موضعا لمقال، بل لم يدر بخلد واحد من خصومه الألداء، أن يتخذ من زواج محمد صلى الله عليه وسلم بعائشة مطعناٌ أو منفذاٌ للتجريح والاتهام، وهم الذين لم يتركوا سبيلاٌ للطعن عليه إلا سلكوه، ولو كان بهتانا وزوراٌ وافتراءٌ.

وماذا عساهم أن يقولوا؟...

هل ينكرون أن تخطب صبية كعائشة، لم تتجاوز السابعة من عمرها على أبعد تقدير؟

لكنها قد ذكرت قبل أن يخطبها، على (جبير بن مطعم بن عدي)، بحيث لم يستطع أبو بكر أن يعطي كلمته لخولة بنت حكيم، حتى مضى فتحلل من وعده لأبي جبير.

أو ينكرون أن زواجاٌ بين صبية في سنها، وبين رجل اكتهل وبلغ الثالثة والخمسين؟

وأي عجب في مثل هذا، وما كانت أول صبية تزف في تلك البيئة إلى رجل في سن أبيها، ولن تكون كذلك أخراهن؟ لقد تزوج (عبد الملطب) الشيخ من (هالة) بنت عم (آمنة) في اليوم الذي تزوج فيها عبد الله أصغر أبنائه، من تِرب هالة (آمنة بنت وهب).

وسيتزوج (عمر بن الخطاب) من بنت علي بن أبي طالب، وهو في سن فوق سن أبيها!

ويعرض (عمر) على (أبي بكر) أن يتزوج ابنته الشابة (حفصة) وبينهما من فارق السن مثل الذي بين الرسول وعائشة.

لكن نفرًا من المستشرقين يأتون بعد نحو ألف وثلاثمائة عام من ذلك الزواج، فيهدرون فروق العصر والبيئة، ويطيلون القول فيما وصفوه بأنه (الجمع بين الزوج الكهل والطفلة الغريرة العذراء)، ويقيسون بعين الهوى، زواجاٌ عقد في مكة قبل الهجرة، بما يحدث اليوم في الغرب المتحضر، حيث لا تتزوج الفتاة عادة قبل سن الخامسة والعشرين، وهي سن تعتبر حتى وقتنا هذا جد متأخرة في الجزيرة العربية، بل في ريف مصر وأكثر مناطق الشرق. وهو ما أدركه مستشرق منصف زار الجزيرة وعاد يقول:

(كانت عائشة على صغر سنها نامية ذلك النمو السريع الذي تنموه نساء العرب، والذي يسبب لهن الهرم في أواخر السنين التي تعقب العشرين...

(ولكن هذا الزواج شغل بعض المؤرخين لمحمد... نظروا إليه من وجهة نظر المجتمع المصري الذي يعيشون فيه، فلم يقدروا أن زواجا مثل ذلك، كان ولا يزال عادة آسيوية، ولم يفكروا في أن هذه العادة لا زالت قائمة في شرق أوربا، وكانت طبيعية في أسبانيا والبرتغال إلى سنين قليلة، وأنها ليست غير عادية اليوم، في بعض المناطق الجبلية البعيدة بالولايات المتحدة...). [بودلي: الرسول ص 129 من الترجمة العربية لفرج والسحار].) أ.هـ.

و مما سبق يتضح أن البحيري لم يخدم التراث ببحثه ذاك و إنما كان ذلك البحث بمثابة السم المخلوط بالعسل و الذى مهد بعده لسم لا عسل فيه.

2- حد الردة

يقول الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد في كتابه تلبيس مردود في قضايا حية

" حكم الرِّدة".. الكلام عن الردة ينتظم عدة جوانب:

أولها: الإيمان بالإسلام المبنيُّ على الإكراه والجبر غير معتَدِّ به - كما سبق -، أي: أنَّه لا يدخل الداخل فيه حقيقةً، إلاَّ إذا كان عن اقتناع ورِضًا وتبصُّر؛ ذلك أنَّ النظرة العاقلة المنصفة تؤكِّد كمالَ هذا الدِّين، وتنزُّهه عن الباطل، وتحقيقَه لحاجات البشر، وتوافُقَه مع الطبائع السليمة التي فَطَر الله الناسَ عليها.

الثاني: في تاريخ الإسلام الطويل لا يكاد يُذكر مرتد ارتدَّ عن هذا الدَين رغبةً عنه وسخطاٌ عليه، وإن وُجد فلا يخلو مِن أحد رجلين:

- إمَّا أن يكونَ لمكيدةٍ يُقصَد بها الصَّدُّ عن دين الله، كما حصل من بعض اليهود في أوَّل عهد الدعوة، حينما تمالأ نفر منهم بأن يؤمنوا أوَّلَ النهار ثمَّ يكفروا آخره مِن أجل إحداث البلبلة في المؤمنين؛ لأنَّ اليهودَ أهلُ كتاب، فإذا حصل منهم هذا، يختلج في بعض النفوس الضعيفة أنَّ هؤلاء اليهود لو لم يتبيَّنوا خطأً في هذا الدِّين الجديد لما رجعوا عنه، فكان مقصدهم الفتنةَ والصدَّ عن دين الله.

- وإمَّا أن يكون هذا المرتدُّ رجلًا يريد أن يُطلق لشهواته العنان، ويتحلَّل من ربقة التكاليف.

الثالث: الخروج عن الإسلام يعتبر خروجًا على النظام العام؛ ذلك أنَّ الإسلام دينٌ كامل، كما يهتمُّ بعلاقة الإنسان بربِّه فهو

يهتمُّ بعلاقته بغيره مِن بني جنسه، بين المرء وزوجه، وبينه وبين أقربائه وجيرانه، وفيما بينه وبين أعدائه حربًا وسلمًا، في شمولٍ منقطعِ النظير، عبادةً ومعاملةً وجنايةً وقضاءً إلى سائر ما تنقسم إليه قوانينُ الدنيا، بل أوسع من ذلك.

وبناءً على هذا فيجب النظر إلى الإسلام ككلٍّ متكامل، وليس قاصرًا فقطْ على علاقة العبد بربِّه كما يظنُّه غير المسلمين.

وإذا كان ذلك كذلك، فالرِّدَّة تعني الخروج عن النظام.

الرابع: في جعل العقوبة على الرِّدَّة إباحة دم المرتدِّ زاجر لمن يريد الدخول في هذا الدِّين مشايعةً ونفاقًا للدولة أو لأهلها، وباعث له على التثبُّت في أمره، فلا يعتنقه إلاَّ على بصيرة وسلطانٍ بيِّن، فالدِّين تكاليف وشعائر يتعسَّر الاستمرار عليها مِن قبل المنافقين وأصحاب المآرب المدخولة.

الخامس: للإنسان قبل أن يؤمن بالإسلام الحقُّ في أن يؤمن أو يكفر، فإذا آثر أيَّ ديانة من الدِّيانات، فلا اعتراضَ عليه، ويبقى له حقُّ الحياة والأمن والعيش بسلام، وإذا آثر الإسلام ودخل فيه وآمن به، فعليه أن يُخلص له ويتجاوب معه في أمرِه ونهيِه وسائر هدْيِه في أصوله وفروعِه.

ثمَّ بعد ذلك نقول: هل مِن حرِّيَّة الرأي أن يمكن صاحبها من الخروج على هذا المجتمع ونبذ قواعده ومُشاقَّة أبنائه؟ ، هل خيانة الوطن أو التجسُّس لحساب الأعداء من الحرِّيَّة؟ ، هل إشاعة الفوضى في جنباته والاستهزاء بشعائره ومقدَّساته من الحرَيَّة؟ ، إنَّ محاولة إقناع المسلمين بقبول هذا الوضع سفَه، ومطالبة المسلمين بتوفير حقِّ الحياة لمن يريد نقض بناء دينهم وتنكيس لوائه شيءٌ عجيب! ! ونقول بكلِّ قوَّة إنَّ سرقة العقائد والنيل من الأخلاق والمثل أضحتْ حرفةً لعصابات وطوائف من دعاة التنصير الكارهين للإسلام وكِتابه ونبيِّه وأتباعه، وما فتئوا يثيرون الفتن وأسبابها في كلِّ ناحية من أجل هزَ كيان المجتمع وقلبه رأسًا على عقب."

و النقطة التي يجب أن تكون واضحة أنه لن يقام حد الردة على أحد حتى يستتاب و يناقش فيما قاله من اقوال، و الأمور التي يحكم بكفر قائلها هي الأمور القطعية و من ثم فلا يتصور أن يوجد من يصمد أمام الحجة عندما تقام عليه فيها، و أما من أراد أن يخرج من الاسلام بالكلية؛ فنحن أيضا واثقون من وضوح الحجة بصدق الإسلام و أن من سعة رحمة الله أن أنظر الكفار الأصليين الذين لم يدخلوا في الاسلام أصلا إلى يوم القيامة و أما من دخل ثم خرج فقد حكم الله بتعجيل العقوبة له بعد استتابته و اقامة الحجة عليه،

و لا ندرى لماذا يشغل البعض نفسه بمن يريد الردة؟

هل يريد أحد منهم الردة ؟ هل يحبذون الردة لأحد؟ هل يعرفون من طلب الردة و هو سالم من الخيانة و العمالة؟

إذا وجد أحد من هؤلاء فليعلن عن نفسه حتى يناظره العلماء، لنعرف بذلك القضية هل لها تطبيق أم لا؟

و لا يدعين أحد أنهم موجودون و لكنهم خائفون على أنفسهم، لأن القانون المصري الحالي ليس فيه تطبيق حد الردة، و لأن هناك من أعلن ردته من خارج الديار و هم -رغم الإغراءات- بضعة نفر فضحهم الله و عرف القاصي و الداني حقيقتهم.

ثم إن هؤلاء يعترفون أن النبي صلى الله عليه و سلم امتنع عن إقامة هذا الحد عن بعض من يستحقه معللاً ذلك بقوله "حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه" مما يعنى أن الشريعة قررت هذا الحد و قررت مانعاً من تطبيقه يمكن استعماله حال وجود غلبة ظن بوجود مفسدة، مما يعنى أنهم يقيمون الدنيا و لا يقعدونها على حد غير مطبق الآن، و حال تطبيقه يوجد معه مانع يمكن استعماله لدرء المفسدة التي يزعمون أنهم يفرون منها إن كانوا صادقين في هذا الزعم، و أما إن كانوا منتحلين له فلا حاجة لنا لإضاعة الوقت معهم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com