الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

بلاء الدنيا.. ونعيم الآخرة

كثرة الضيق في الحياة الدنيا سمة العيش فيها

بلاء الدنيا.. ونعيم الآخرة
نور الدين عيد
الأربعاء ٢٢ أبريل ٢٠١٥ - ١٠:٥٩ ص
1434

بلاء الدنيا.. ونعيم الآخرة

كتبه/ نور الدين عيد

الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله؛ وبعد:

فإن كثرة الضيق في الحياة الدنيا سمة العيش فيها قال الله تعالى:
"
لقد خلقنا الإنسان في كبد" قال سعيد بن جبير: في شدة وطَلب معيشة. وقال عكرمة: في شدة وطول. وقال قتادة: في مشقة. قال الحسن: يكابد أمرا من أمر الدنيا، وأمرا من أمر الآخرة -وفي رواية: يكابد مضايق الدنيا وشدائد الآخرة. وكلما ازدادت عبودية العبد لربه كلما ازدادت غربته فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء". رواه مسلم؛ واشتد بلاؤه عن سعد رضي الله عنه قال: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: "الأنبياء ثم الامثل فالأمثل حتى يبتلى العبد على قدر دينه ذاك فإن كان صلب الدين ابتلى على قدر ذاك وقال مرة أشد بلاء وإن كان في دينه رقة ابتلى على قدر ذاك" وقال مرة "على حسب دينه" قال "فما تبرح البلايا عن العبد حتى يمشى في الأرض وليس عليه خطيئة" رواه البخاري وأحمد واللفظ له.

فلات حزن أيها المؤمن.. فإن ألمت بك فاقة وكثرت عليك الحاجات فاستدفع ما حل بك بمن خزائنه لا تنفد، وجوده لا ينقطع، فسله بغناه وفقرك وقوته وضعفك وجبروته وانكسارك إلا رفع عنك البلاء؛ وأيقن بأن دعاءك أنفع لك من سد دينك دونه؛ وانكسارك أحب إليه من غناك عنه؛ فمع استعاذته صلى الله عليه وسلم من الفقر ما كان يخشاه على أمته كخشيته عليهم في تنافسهم فيها كما في الصحيحين: أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِى بِجِزْيَتِهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِىِّ فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِى عُبَيْدَةَ فَوَافَوْا صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- انْصَرَفَ فَتَعَرَّضُوا لَهُ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ رَآهُمْ ثُمَّ قَالَ « أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَىْءٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ ». فَقَالُوا أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: « فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ. وَلَكِنِّى أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ». فمسألتك مقضية وكربك زائل إن لازمت بابه وأهرقت عنده عبرتك وأظهرت فقرك وضعفك؛ فلك في الدنيا سد فقرك وغناك عن غيره؛ عن أبى أمامة رضى الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها و تستوعب رزقها فاتقوا الله و أجملوا في الطلب و لا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته". رواه الحاكم وصححه وقال الذهبي: صحيح على شرط مسلم.

وأما آخرتك بعد الصبر والرضا سعادة الأبد ونسيان الشقاء أبدا؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ.
وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا في الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً في الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِى بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ». رواه مسلم

 فلا تعلق قلبك إلا بالله نفعا وضرا؛ فقرا وغنى؛ رفعة وخفضا؛ عزا وذلا؛ هبة وسلبا؛ فمن يجيب المضطر ويكشف الضر ويغيث الملهوف إلا الله وحده لا إله إلا هو قال الله تعالى:
"
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" وقال سبحانه: "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ".

فإياك أن تلفت عن الله لأى عارض أو آفة فإن ابتلاؤه لك بها حتى تذل له وتتضرع بين يديه قال الله: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)" الأنعام.

ثم يأتي النعيم على صبرك حين تلقاه سبحانه؛ فيناديك ويحاضرك ورضيك ويرحمك وقتها تنسى عناء الدنيا وبلاءها ومحنها وفتنها؛ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُونَ لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ في يَدَيْكَ. فَيَقُولُ هَلْ رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ فَيَقُولُ أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ يَا رَبِّ وَأَىُّ شيء أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِى فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا ».

فاللهم ارض عنا ولا تحرمنا رحمتك وتوفيقك وجنتك والحمد لله رب العالمين

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com