الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

وأين أنت؟

المتابعة والتوجيه المستمر عملٌ ضروري لا تستغنى عنه الأجيال.

وأين أنت؟
مصطفى دياب
الخميس ١٤ مايو ٢٠١٥ - ١٢:١٢ م
1461

وأين أنت؟

كتبه/ مصطفى دياب

 بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مَن مِنَّا أبصر الطريق وحده، أو يستطيع أن يستمر على الطريق وحده؟ مَن مِنَّا لا يحتاج إلى مَن يأخذ بيده ويُعينه على الطاعة ويُذَكِّرَه بها ويعمل معه على تزكية نفسه مِن أدرانها، مَن مِنَّا يستمر على قمة جبل الإنجاز دون اهتزاز؟

 

إن شجرة صغيره تزرعها تحتاج إلى تَعهُّد ومتابعه حتى تُؤتي ثمارها، وإن مشروعًا صغيرًا تبدؤه يحتاج كذلك إلى من يتعهَّدُه ويتابعه، فكيف بمشروع عملاق أرسل الله من أجله الرسل متتالية ?إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ?، وأنزل الكُتب هادية ?إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ?، واختار من بين اُولي العزم من الرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ فأرسله كذلك مِنَّةً منه وفضلًا ?لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ? كانوا لا يعرفون الطريق الموصل إلى ربهم، ولا يعرفون مايزكيهم أو يطهر نفوسهم؛ ليرتقوا بها إلى عبادة الله وحده لا شريك له؛ فالنفس البشرية تحتاج إلى من يتابعها ويتعهدها، والله عز وجل أرسل الرسل متتالية؛ لتحذر الناس مِن طاعة الشيطان ?أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ?.

 

أخي الحبيب:

 يتساقط الشباب في طريق الالتزام، وما ذاك إلا لضعف المتابعة التربوية؛ فكم من شاب غرق وكان ينتظر يدًا حانية تمتد إليه لتنقذه لكنه لم يجد، وكم توقفت كثير من الأعمال العلمية أو الدعوية أو التربوية، وما ذاك إلا لضعف المتابعة التربوية.

 

أخي الحبيب:

 لا تظن أنك ببعض الكلمات التي تقولها لمن تدعوه ليلتزم أنك قد قمت بما عليك، وأنك قد وضعت قلبه على الطريق!!

 

إن تربية قلوب الناس على الطاعة والعبادة، وحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والامتثال للأمر والنهي الرباني، وتعديل السلوك والأخلاق والمعاملات، ليس ذلك بالأمر الهيِّن؛ فالنفس البشرية تعتريها التقلبات، وتبرز أمامها العقبات ?قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ? فكل تقلب يحتاج إلى توجيه وتقويم، والمربي الناجح من يحسن المتابعة، ومن لا يمتلك وقتًا للمتابعة لا يصلح للعمل التربوي.

 

فالتربية عملية مستمرة لا يكفي فيها توجيه عابر من المربي مهما كان صالحًا مخلصًا، وكلما كثرت الفتن والمعوقات تحتم دور المتابعة، كيف لا، والنبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن سرعة تقلب القلوب «يصبح الرجل مؤمنًا ويُمسي كافرًا ...».

 

أخي الحبيب:

 قال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ و كلكم مسئولٌ عن رعيته ...»، ونحن مسئولون أمام الله عمن ندعوهم ونربيهم؛ ولذا وجب علينا حسن المتابعة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتابع أصحابه في جميع شئون حياتهم؛ يتفقَّد أحوالهم، ويحل مشكلاتهم، ويزيل عقبات الطريق من أمامهم، ويساعدهم في تدبير شئون حياتهم، بل ويرتقي بهم، فما كان يرى شيئًا يستحق التوجيه للتربية إلاّ دل الأمة على خيره، فيرى أحدهم يسبُ صاحبه فيقول: «لا تسبوا آبائكم ...»، ويرى هذا يحلف بأبيه فيقول: «لا تحلفوا بآبائكم ...»، ويرى آخر يتعصب لجاهلية فيقول: «دعوها فإنها منتنة ...»، ويرى غيره يأكل بشماله فيقول: «يا غلام سمِّ الله، وكل بيمينك ...»، بل ويسألهم عن عبادتهم فيقول: «من أصبح منكم اليوم صائمًا ...»، ويقول لعبد الله بن عمرو بن العاص: «كيف تقرأ القرآن ...»، ويمر على أصحابه وهم يُعذَّبون فيقول: «صبرًا آل ياسر إن موعدكم الجنة ...»، وإذا مرض أحدهم زاره كما فعل صلى الله عليه وسلم مع سعد بن أبي وقاص الذي قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعودُني عام حجة الوداع ...»، وقال زيد بن أرقم: «أصابني رمدٌ فعادني النبي صلى الله عليه وسلم»، بل ويسعى لزواج جُليبيب، ثم يسأل عن جُليبيب بعد المعركة ويقول: «هل تفتقدون من أحدٍ؟ فيقولون: فلان و فلان ...، قال: ولكني أفتقد جُليبيبًا» فقام معهم فوجدوه وسط سبعة، فقال صلى الله عليه وسلم: «قتلهم ثم قتلوه «هو مِنِّي وأنا منه» رضى الله عنه، بل كان صلى الله عليه وسلم يتدخَّل لحل المشاكل العاطفية؛ قال صلى الله عليه وسلم: يا عباس ألا تعجب من حب مُغيث بريرة ومن بُغض بريرة مُغيثًا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لها: لو راجعْتِهِ! قالت: يا رسول الله أتأمُرني؟ قال: إنما أنا أشفع، قالت: فلا حاجة لي فيه، بل ويعمل على حل المشاكل الاقتصادية عندهم متى تيسَّر له ذلك، فلما أُتِيَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب قال: «ما فعل الفارس المُكاتب؟! ثم قال: «خذ هذه فأدِّ بها ما عليك يا سلمان».

 

أخي الحبيب:

 المتابعة .. المتابعة .. والاستمرار في الإصلاح المتدرج لك ولمن حولك «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» المتابعة لحماية أنفسنا وحماية من حولنا من السقوط.

 

المتابعة .. المتابعة .. لنصل إلى الصورة المثالية أو نُدندنُ حولها «سددوا و قاربوا .. و أبشروا».

المتابعة والتوجيه المستمر عملٌ ضروري لا تستغنى عنه الأجيال.

وصلِّ اللهم على محمد وعلى آله و صحبه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

ممنوع الاقتراب!
186 ١١ أكتوبر ٢٠٢٢
أحبك يا رب
124 ٢١ فبراير ٢٠٢٢
هل لك منارة؟
199 ١١ ديسمبر ٢٠٢١
اضبط البوصلة
247 ٣٠ نوفمبر ٢٠٢١
صناعة النموذج
207 ٠٦ نوفمبر ٢٠٢١
اترك أثرًا (4)
121 ٠٢ نوفمبر ٢٠٢١