الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

شعبان وأوقات يغفل عنها الناس

العبادة في أوقات الغفلة لها ميزة و فضل عظيم و نذكر لذلك بعض الأمثلة

شعبان وأوقات يغفل عنها الناس
محمود الشرقاوي
الأحد ٣١ مايو ٢٠١٥ - ١٥:٠٤ م
2614

شعبان وأوقات يغفل عنها الناس

كتبه/ محمود الشرقاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

عن أسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم . (حسن : صحيح وضعيف سنن النسائي للألباني 2357 )

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر الصيام في شعبان لأجل غفلة الناس عنه ، والعبادة في أوقات الغفلة لها ميزة و فضل عظيم و نذكر لذلك بعض الأمثلة :-

أولاً : إحياء ما بين المغرب و العشاء فكان كثير من السلف يحيون هذا الوقت و يقولون ساعة غفلة ، فعن محمد بن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال رأيت عمار بن ياسر يصلي بعد المغرب ست ركعات وقال رأيت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد المغرب ست ركعات وقال من صلى بعد المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر)( ضعيف : برقم 333  الترغيب والترهيب – الألباني )

ثانياً : تأخير العشاء إلى نصف الليل فكان  النبي صلى الله عليه وسلم يؤخر العشاء أحياناً إلى نصف الليل ، لأنه وقت النوم لأهل الأرض و لكن ترك ذلك خشية المشقة على الناس ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده، فلا ندري أشيء شغله في أهل، أو غير ذلك؟ فقال حين خرج: (إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة) (رواه مسلم). وفي رواية: (ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم) وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرد بالذكر في وقت من الأوقات لا يوجد فيه ذاكر لله سواهم لاستيلاء الغفلة على الناس بالنوم ، و أصبح في عصرنا هذا الوقت إما وقت تجارة أو وقت غفلة بمعاصي أمام التلفاز أو النت إلا من رحم الله

ثالثا ً: اغتنام ظلمة الليل بالصلاة في جوف الليل أي وسط الليل لشمول الغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر.  وغفلتهم بالنوم أو بالسهر في مباح أو حرام فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول صلى الله عليه وسلم «أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل ، (صحيح الجامع :1116) وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه : "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في  جوف الليل". ثم قرأ: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(16) فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)السجدة} (صحيح الجامع للألباني: 5136) وعن طارق بن شهاب أنه بات عند سلمان رضي الله عنه لينظر ما اجتهاده قال فقام يصلي من آخر الليل فكأنه لم ير الذي كان يظن فذكر ذلك له فقال سلمان حافظوا على هذه الصلوات الخمس فإنهن كفارات لهذه الجراحات ما لم تصب المقتلة فإذا صلى الناس العشاء صدروا عن ثلاث منازل منهم من عليه ولا له ومنهم من له ولا عليه ومنهم من لا له ولا عليه فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فركب فرسه في المعاصي فذلك عليه ولا له ومن له ولا عليه فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فقام يصلي فذلك له ولا عليه ومن لا له ولا عليه فرجل صلى ثم نام فلا له ولا عليه وإياك والحقحقة وعليك بالقصد وداومه ) (رواه الطبراني : صحيح لغيره موقوف صحيح الترغيب والترهيب للألباني : 633) والحقحقة: هي أن يجتهد في السير ويلح فيه حتى تعطب راحلته أو تقف.

رابعاً : إحياء وقت الأسحار بالاستغفار فهو وقت للنوم إلا العٌبَّاد  قال تعالي (وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات آية: (18)] وهو وقت نزول الرب عز وجل فعَن عَمْرو بن عبسة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ» . (صحيح الجامع: 1173)

خامساً : المحافظة علي الصلاة الوسطي صلاة العصر قال تعالي (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة آية: (238)] وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله)( رواه البخاري ) قال العيني: وأما وجه اختصاص العصر بذلك فلأنه وقت ارتفاع الأعمال ووقت اشتغال الناس بالبيع والشراء في هذا الوقت أكثر من غيره .أهـ (عمدة القاري)

لذلك من حافظ علي تلك الصلاة دخل الجنة فعن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلى البردين دخل الجنة) متفق عليه.(البردان) الصبح والعصر.

سادساً: ذكر الله في السوق له مكان عظيم ،لأن السوق من أماكن الغفلة ، وأغلب أماكن الغش والربا و الكذب و الحلف بالله بالباطل والحلف بالطلاق كذبا ونحو ذلك ، غير أنه ابغض بقاع الأرض فعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله أي البلدان أحب إلى الله وأي البلدان أبغض إلى الله قال لا أدري حتى أسأل جبريل عليه السلام فأتاه فأخبره جبريل أن أحسن البقاع إلى الله المساجد وأبغض البقاع إلى الله الأسواق ) (صحيح الترغيب والترهيب - الألباني: 325  )  فلذلك صار فضل ذكر الله في السوق ليس للذاكر في أي مكان قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة وبنى له بيتا في الجنة». (حسن : صحيح الجامع: 6231)

سابعاً : التكبير في أيام العشر في السوق وفي مني له فضل عظيم ،لأن الكثير في غفلة بسبب تعب و عناء السفرللحج , قال الإمام البخاري رحمه الله: (كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما). وقال أيضاً: (وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً).وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات

ثامناً : العبادة في الهرج  فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» .( رَوَاهُ مُسلم) والهرج يعني أوقات الفتنة واختلاط الأمور فالناس عندما ينشغلون بالفتنة و تطيش عقولهم فلا ينتبهون للعبادات ، فالعبادة في أوقات الفتنة أجرها مثل الهجرة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و الهجرة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء عظيم

تاسعاً : العبادة في آخر الزمان و غربة الدين فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» (رواه مسلم )قال الإمام النووي رضي الله (فطوبى) فُعلَى من الطيب قاله الفراء قال وإنما جاءت الواو لضمة الطاء أما معناها فاختلف المفسرون في معنى قوله تعالى( طوبى لهم وحسن مآب) فروى عن ابن عباس أن معناه فرح وقرة عين وقال عكرمة نعم مالهم وقال الضحاك غبطة لهم وقال قتادة حسنى لهم.أهـ

قال ابن عبد البر في التمهيد : فِي تَوْجِيهِ أَحَادِيثِ تفضيل آخر الأمة مَعَ قَوْلِهِ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي إِنَّ قَرْنَهُ إِنَّمَا فُضِّلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا غُرَبَاءَ فِي إِيمَانِهِمْ لِكَثْرَةِ الْكُفَّارِ وَصَبْرِهِمْ عَلَى أَذَاهُمْ وَتَمَسُّكِهِمْ بِدِينِهِمْ وَإِنَّ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِذَا أَقَامُوا الدِّينَ وَتَمَسَّكُوا بِهِ وَصَبَرُوا عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ فِي حِينِ ظُهُورِ الشَّرِّ وَالْفِسْقِ وَالْهَرْجِ وَالْمَعَاصِي وَالْكَبَائِرِ كَانُوا عِنْدَ ذَلِكَ أَيْضًا غُرَبَاءَ وَزَكَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ كَمَا زَكَتْ أَعْمَالُ أَوَائِلِهِمْ وَمِمَّا يَشْهَدُ لِهَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ

فوائد إحياء أوقات الغفلة بالطاعات :

أولاً : أنه أخفى و أبعد عن الرياء وأقرب إلى الإخلاص ، ولذلك كان السلف يخفون الصدقات ، ولا يخبرون بما يفعلون من العبادات .

ثانياً : أنه أشق على النفس ؛ لأنه إذا كثر العباد أعان بعضهم بعضا ، أما إذا كان من حوله في غفلة فيشق عليه العبادة ، ولذلك يضاعف الأجر و الثواب , قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من ورائكم أيام الصبر، للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم قالوا: يا نبي الله أو منهم؟ قال: بل منكم ". (السلسلة الصحيحة : 494) وفي رواية «للواحد منهم خمسون من الأجر»،قالوا: منا يا رسول الله أم منهم، قال: «منهم»، ثم عللَّ ذلك بقوله عليه السلام:«إنكم تجدون على الحق أنصاراً، ولا يجدون على الحق أنصاراً»( موسوعة العلامة الألباني :الجزء 6 ص 12) ولذلك كثير من الناس يخف عليهم الصيام في رمضان لأن كل الناس صائمين ، لكن لو تقول صم في غيره شق ذلك عليهم .

ثالثاً :العبادة في أوقات الغفلة تكون سبب لحماية الآخرين ولولا فضل الله و تيسيره لمن يذكره في غفلة الناس لهلك الناس،َ قَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: إِنَّ اللَّهَ لَيَحْفَظُ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَالدُّوَيْرَاتِ الَّتِي حَوْلَهُ فَمَا يَزَالُونَ فِي حِفْظٍ مِنَ اللَّهِ وَسِتْرٍ. (جامع العلوم والحكم)

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً