الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

توبوا إلى الله واستغفروه

دلت هذه الأحاديث و غيرها من الأدلة على أن لعرض المسلم مكانة عالية في شريعتنا السمحة

توبوا إلى الله واستغفروه
أحمد مسعود الفقي
السبت ٢٠ يونيو ٢٠١٥ - ١٠:٠١ ص
1832

توبوا إلى الله واستغفروه

كتبه/ أحمد مسعود الفقي

إن الحمد لله، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ،ومن سيئات أعمالنا ،من يهده الله فلا مضل له ،ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم.

ثم أما بعد:

قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ......} التحريم 8

وقال تعالى في الحديث القدسي:( "يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ") [أخرجه مسلم]!

وقال صلواتُ ربي وسلامه عليه: {والله إني لأستغفِر الله وأتوب إليه في اليومِ أكثرَ من سبعين مرة } [أخرجه البخاريّ]، وقال عليه الصلاة والسلام: { يا أيّها النّاس، توبوا إلى الله واستغفِروه، فإني أتوب في اليومِ مائة مرّةٍ} [أخرجه مسلم].

أيها المسلمون: إن من الطاعات العظيمة، والعبادات الجليلة، والقربات النافعة، التوبة إلى الله جل وعلا، من كل ذنب وخطيئة، وإن العبد مخلوق ضعيف، يتسلط عليه أعداؤه من شياطين الجن والإنس يحسِّنون له القبيح ويقبحون في نظره الحسن إضافة إلى نفسه الأمارة بالسوء والدنيا المليئة بالفتن والمغريات، لهذا عباد الله كان من خصائص الإنسان وشأنه، الخطأ، وكلّ بني أدم خطاء، وخير الخطائين التوابون ،كما أخبر بذلك الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، فالتوبة التوبة قبل فوات الأوان.

أيها المسلمون: التوبة عبادة عظيمة يحبها الله، والله عز وجل يحب التوابين ويحب المتطهرين، جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { لله أشد فرحا بتوبة عبده إذا تاب من أحدكم أضل راحلته بفلاة أي في الصحراء وعليها طعامه وشرابه حتى إذا أيس منها استظل تحت ظل شجرة ينتظر الموت فبين هو كذلك إذا بخطام ناقته عند رأسه فأمسك بخطامها وقال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك } رواه البخاري ومسلم

((أخطأ من شدة الفرح ))

أيها المسلمون: تأملوا حفظكم الله، هذا الكرم والجود، من رب غفور رحيم، تواب يقبل التوبة من عباده، مهما كان الذنب كبيرًا، ومهما كان الجرم عظيمًا، فإنه سبحانه وتعالى يقول:{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } الزمر: 53

ولقد عرض الله جل وعلا التوبة في كتابه الكريم، على من قتلوا أنبياءه، وعلى من قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم، وعلى من قالوا إن الله ثالث ثلاثة، وعلى من حفروا الأخاديد، وقتلوا فيها المؤمنين، وحرقوا الموحِّدين، قال جل وعلا لهؤلاء كلِّهم : {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }المائدة: 74 وقال جل وعلا: { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} البروج: 10}، فدعاهم إلى التوبة والاستغفار.

أيها المسلمون: إن الواجب على المؤمن، أن يبادر إلى التوبة، قبل أن يفوت الأوان، وقبل أن يدركه الموت، فلا يزال باب التوبة مفتوحا، ما لم يغرغر كما قال صلى الله عليه وسلم: "{تقبل توبة أحدكم ما لم يغرغر وما لم تطلع الشمس من مغربها} رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد والحاكم وقال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح الإسناد

فيا من تخلفتم عن الصلاة، وأخرتموها عن وقتها، وشغلتكم أموالكم وأهلوكم، توبوا إلى الله واستغفروه، ألم تسمعوا قول الله عز وجل: { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } مريم 59 والمراد بإضاعتها تأخيرها عن وقتها، فكيف بمن تركها كلياً، وقال سبحانه:{ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) } {الماعون:4-5}، أي يؤخرونها عن وقتها، وقال صلى الله عليه وسلم: {من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله} رواه البخاري. وفي رواية: فقد حبط عمله.

وقال ابن مسعود ، رضي الله عنه : «الغيّ واد في جهنم شديد حره، بعيد قعره، خبيث طعمه""

أما إقامتها فأداؤها بأركانها، وشروطها، وواجباتها وخشوعها، والطمأنينة فيها والحرص على سننها؛ مما يعين على الاستقامة ويحفظ - بإذن الله - العبد من الوقوع في المعاصي؛ لأنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر

وقال الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ) النساء 142، فهم لا يقومون إلى الصلاة بحرارة الشوق إلى لقاء الله ، والوقوف بين يديه ، والاتصال به ، والاستمداد منه، إنما هم يقومون يراءون الناس، ومن ثم يقومون كسالى، كالذي يؤدي عملا ثقيلا; أو يسخر سخرة شاقة ! وكذلك هم لا يذكرون الله إلا قليلا ، فهم لا يتذكرون الله إنما يتذكرون الناس ! وهم لا يتوجهون إلى الله إنما هم يراءون الناس ، فاحذر أن تكون منهم.

( اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل،) هكذا كان صلى الله عليه وسلم يردد هذا الدعاء علاجاً لهذه الظاهرة.

وفي سنن الترمذي وسنن النسائي بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر. وقد حدد الله تعالى لها أوقاتاً معينة يجب على المسلم أداؤها فيها، قال تعالى: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا {النساء:103}، فلا يجوز ولا يجزئ تقديمها عن الوقت المحدد لها ولا يجوز التفريط فيها وتأخيرها عن وقتها تحت أي ظرف من الظروف إلا لعذر مثل أن يدخل وقت الصلاة والشخص نائم فإذا استيقظ صلاها، نعم في الحالات التي رخص الشارع فيها بالجمع كالسفر والمرض أو نحو ذلك يجوز تقديم الصلاة عن وقتها وتأخيرها عنه بسبب العذر وهذا في الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء.

يا من هجرتم القرآن، والعمل به، وخالفتم أوامره ونواهيه، توبوا إلى الله واستغفروه، ألم تسمعوا قول الله عز وجل: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا } الفرقان 30

لقد تمسك السلف الصالح بالقرآن الكريم، وحولوا تلك الآيات إلى منهج حياة متكامل، بأوامره يأتمرون، وبنواهيه ينتهون، فكان القرآن مصدر عزهم وشرفهم وسيادتهم، صاروا به قادة وسادة للأمم، بعد أن كانوا رعاة للإبل والغنم، ذاقوا طعمه وحلاوته، ولذة مناجاة الله تعالى، فجاهدوا في سبيله ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً، غير مكترثين بأنفسهم وحياتهم الدنيوية.

هؤلاء عرفوا فضائل كلام الله، التي لا تحصى ولا تعد، التي لو عرف الناس في عصرنا هذا ما في تلاوته من فضاءل، لما تركوا كتاب الله من بين أيديهم، يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، ومن فضائل تلاوة كلام الله : تحصيل للأجر العظيم، ونزول البركة والسكينة على من تلاه، وكرامة لقارئ القرآن، في الدنيا وفي القبر وفي يوم القيامة.

عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : {يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران ، وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال : كأنهما غمامتان أو ظلمتان سوداوان بينهما شرق ، أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما} صحيح مسلم

يا من لوثتم ألسنتكم بالغيبة والنميمة، والتطاول على العلماء، وسودتم صحائف أعمالكم، سب وطعن ولعن وقذف، توبوا الى الله واستغفروه ، ألم تسمعوا قول الله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ } الحجرات 12

وأما السنة فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: "إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من البول" متفق عليه، وروى أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى قال: إصلاح ذات البين، فإن إفساد ذات البين هي الحالقة".

وأما الإجماع فقد قال ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر: قال الحافظ المنذري أجمعت الأمة على تحريم النميمة، وأنها من أعظم الذنوب عند الله ـ عز وجل ـ انتهى.

وقال ابن عساكر: (لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة)

فليحذر المسلم هذا الداء العضال، وليجعل بينه وبينه جُنَّة تقيه لفح جهنم وحرها يوم القيامة، وليسع في الإصلاح ما استطاع. والله أعلم.

يا من خضتم في أعراض المؤمنين والمؤمنات، وآذيتموهم، توبوا إلى الله واستغفروه، ألم تسمعوا قول الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } الأحزاب 58

عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال في خطبة حجة الوداع: ( فإن دماءكم وأموالكم - قال محمد وأحسبه قال - وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فسيسألكم عن أعمالكم) . متفق عليه

و عن أبى هريرة قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: {كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه} رواه مسلم

و الكلام في أعراض الناس نوع من الربا بل هو أعلاها وأشدها كما جاء في الحديث{ الربا اثنان و سبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه و إن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه} الصحيحة 1871

وحثنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبتعد عن الشبهات استبراءً لأعراضنا و حماية لها{ فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه} البخاري ومسلم

فدلت هذه الأحاديث و غيرها من الأدلة على أن لعرض المسلم مكانة عالية في شريعتنا السمحة التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه، ولقد تساهل الناس في زماننا هذا في هذه المسألة و أصبحت في نظرهم هينة والكلام في أعراض المسلمين أمرا سهلا، والأدهى و الأمّر من ذلك أن تجد هذا المنكر العظيم متفشيا في بعض المستقيمين والملتزمين.

يا من ظلمتم وجرتم على حقوق الآخرين، وأكلتم أموال الناس بالباطل، توبوا إلى الله واستغفروه، ألم تسمعوا قول الله تعالى في الحديث القدسي : { يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ..... } رواه مسلم .

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: { اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم } رواه مسلم

وللحديث بقية إن قدر الله لنا البقاء واللقاء

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

لا يستوون عند الله (2)
34 ٠٧ أبريل ٢٠٢٤
لا يستوون عند الله (1)
38 ٢٧ مارس ٢٠٢٤
مَن هوى فقد هوى(2)!
219 ٠٢ فبراير ٢٠٢٢
من هوى فقد هوى (1)!
127 ٢٩ ديسمبر ٢٠٢١