السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

التهذيب لأقوال العلماء في حكم اجتماع الجمعة والعيد

من حضر صلاة العيد فيرخص له في عدم حضور صلاة الجمعة، ويصليها ظهراً في وقت الظهر

التهذيب لأقوال العلماء في حكم اجتماع الجمعة والعيد
إيهاب شاهين
الاثنين ٠٦ يوليو ٢٠١٥ - ١٣:٥٤ م
2997

التهذيب لأقوال العلماء في حكم اجتماع الجمعة والعيد

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فقد أعلن معهد البحوث الفلكية ، رمضان تسعة وعشرون يوما، وأن عيد الفطر سيكون الجمعة بمشيئة الله ،  اعتمادا علي الحسابات الفلكية، ومسألة الحسابات الفلكية في إثبات دخول الشهر، للعلماء في ذلك قولان: فأكثر أهل العلم قديما وحديثا على أنه لا يصح الاعتماد على الحسابات الفلكية في إثبات دخول الشهر إنما هو على الرؤية، لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا الشهر ثلاثين ، و حكي إجماعا، لكن حكاية الإجماع محل نظر، إذ أن هناك من الفقهاء من خالف في هذه المسألة، فقد خالف بعض فقهاء المالكية والشافعية، كما حكى ذلك القرافي وغيره واشتهر عن ابن سريج من الشافعية، أنه يعتمد على الحسابات الفلكية في إثبات دخول الشهر. ومن أبرز من قال بهذا القول من المعاصرين، الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - وله رسالة مشهورة في هذا، ومن العلماء المعاصرين من قال إنه يعتمد على الحساب الفلكي في النفي دون الإثبات، بمعنى: لو قال الفلكيون لا يمكن أن يرى الهلال هذه الليلة فيقول يعتمد على قولهم في هذا، لكن لو قالوا يمكن أن يرى، فلا يعتمد. وإنما يعتمد على الرؤية فإن رؤي أثبت دخول الشهر وإلا فلا، وهذا قال به جمع من العلماء المعاصرين. ولكن مع ذلك ينبغي إذا دل الحساب على عدم إمكانية رؤية الهلال أن يتشدد في قبول الشهادة لأن الحسابات الفلكية أصبحت الآن أمارة وقرينة قوية جدا، وعليه فلا تقبل إلا من إنسان موثوق في دينه وأمانته، وأيضا من إنسان معروف بحدة البصر والخبرة في تحديد منازله، إذ أن بعض الناس، بعض من يدعي رؤية الهلال يغلب عليهم التسرع والعجلة والوهم، وبعضهم ربما رأى كوكبا أو نجما يشبه الهلال فظنه هلالا .

وعلي أي الأحوال فهذه ليست بالمرة الأولى التي يجتمع فيها عيدان لأهل الإسلام في يوم واحد عيد الفطر وعيد الجمعة ومن ثم اختلف علماء الإسلام فيمن صلى العيد هل تلزمه الجمعة أم لا؟

فهذا جمع وترتيب لأقوال العلماء في هذه المسألة.

القول الأول :

وجوب الجمعة علي اهل البلد وسقوطها عن اهل القرى وبه قال عثمان ابن عفان وعمر بن عبد العزيز وجمهور العلماء، وهو قول الشافعي، ورواية عن مالك .

قال النووي: " قال الشافعي والاصحاب إذا اتفق يوم جمعة يوم عيد وحضر اهل القرى الذين تلزمهم الجمعة لبلوغ نداء البلد فصلوا العيد لم تسقط الجمعة بلا خلاف عن اهل البلد وفي اهل القرى وجهان الصحيح المنصوص للشافعي في الام والقديم انها تسقط : قال الشافعي: "ولا يجوز هذا لأحد من أهل المصر أن يدعوا أن يجمعوا إلا من عذر يجوز لهم به ترك الجمعة، وإن كان يوم عيد" الأوسط لابن المنذر،

استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها ما روي عن أبي عبيد مولى ابن أزهر، قال: شهدت العيد مع عثمان بن عفان، وكان ذلك يوم الجمعة، فصلى قبل الخطبة، ثم خطب فقال: أيها الناس، إنّ هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحبّ أن ينتظر الجمعة  من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحبّ أن يرجع فقد أذنت له.

القول الثاني :

أنّ الجمعة واجبة على كل من صلى العيد .

وهو قول أبي حنيفة، ورواية عن مالك،  وابن المنذر، وابن عبد البر " قال مالك وأبو حنيفة: إذا اجتمع عيد، وجمعة، فالمكلف مخاطب بهما جميعا العيد على أنه سنة، والجمعة على أنها فرض، ولا ينوب أحدهما عن الاخر وهذا هو الاصل إلا أن يثبت في ذلك شرع يجب المصير إليه. واستدلوا بأدلة منها :

 1-  للعممومات الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْجُمُعَةِ

2- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} "الجمعة:9"، ولم يخص عيدًا من غيره، فوجب أن يحمل على العموم .

 القول الثالث : أن مَنْ شَهِدَ الْعِيدَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجُمُعَةُ لَكِنْ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ الْجُمُعَةَ لِيَشْهَدَهَا مَنْ شَاءَ شُهُودَهَا وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْعِيدَ وهو مذهب الحنابلة، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية .

استدلوا بأدلة منها

1- مَا رَوَى إيَاسُ بْنُ أَبِي رَمْلَةَ الشَّامِيُّ ، قَالَ : شَهِدْتُ مُعَاوِيَةَ يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ : هَلْ شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ .قَالَ : فَكَيْفَ صَنَعَ ؟ قَالَ : صَلَّى الْعِيدَ ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ ، فَقَالَ : مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَلَفْظُهُ {مَنْ شَاءَ أَنْ يُجَمِّعَ فَلْيُجَمِّعْ } . صححه الألباني

2- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ } . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ . صححه الألباني

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ ذَلِكَ .وكلاهما صححه الألباني.

 قال ابن قدامة في المغنى ولِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا زَادَتْ عَنْ الظُّهْرِ بِالْخُطْبَةِ ، وَقَدْ حَصَلَ سَمَاعُهَا فِي الْعِيدِ ، فَأَجْزَأَ عَنْ سَمَاعِهَا ثَانِيًا ، وَلِأَنَّ وَقْتَهُمَا وَاحِدٌ بِمَا بَيَّنَّاهُ ، فَسَقَطَتْ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى ، كَالْجُمُعَةِ مَعَ الظُّهْرِ ، وَمَا احْتَجُّوا بِهِ مَخْصُوصٌ بِمَا رَوَيْنَاهُ يعنى حديث أَبِي رَمْلَةَ الشَّامِيُّ، أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَقِيَاسُهُمْ مَنْقُوضٌ بِالظُّهْرِ مَعَ الْجُمُعَةِ ، فَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ } وَلِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَامْتَنَعَ فِعْلُ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ ، وَمَنْ يُرِيدُهَا مِمَّنْ سَقَطَتْ عَنْهُ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ .

القول الرابع : أنّ الجمعة والظهر يجزئ عنهما صلاة العيد وهو قول عطاء رحمه الله تعالى قال عطاء بن ابي رباح إذا صلوا العيد لم تجب بعده في هذا اليوم صلاة الجمعة ولا الظهر ولا غيرهما الا العصر لا علي أهل القرى ولا أهل البلد قال ابن المنذر وروينا نحوه عن علي بن أبى طالب وابن الزبير رضي الله عنهم .

أدلة القول الرابع :

معتمد عطاء رحمه الله بما رواه هو قال " اجتمع يوم جمعة ويوم عيد علي عهد ابن الزبير فقال عيدان اجتمعا فجمعهما جميعا فصلاهما ركعتين بكره لم يزد عليهما حتى صلي العصر " رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم وعن عطاء قال صلي " ابن الزبير في يوم عيد يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلي الجمعة فلم يخرج الينا فصلينا وحدانا وكان ابن عباس بالطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال أصاب السنة"

يقول ابن قدامة في المغني:  قال الخطابي : وهذا لا يجوز أن يحمل إلا على قول من يذهب إلى تقديم الجمعة قبل الزوال ، فعلى هذا يكون ابن الزبير قد صلى الجمعة فسقط العيد والظهر ، ولأن الجمعة إذا سقطت مع تأكدها ، فالعيد أولى أن يسقط بها ، أما إذا قدم العيد فإنه يحتاج إلى أن يصلي الظهر في وقتها إذا لم يصل الجمعة.و قول عطاء  فصلينا وحدانا  فهم منه أن الظهر لم تسقط عنهم بدليل أنهم صلوها فرادى ولم ينكر ذلك ابن عباس ولا ابن الزبير ، والجلي مقدّمٌ على المبهم، ويتبيّن أن الظهر لا تسقط بالعيد.

 وقال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على وجوب صلاة الجمعة، ودلت الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن فرائض الصلوات خمس، وصلاة العيدين ليست من الخمس" الأوسط

قال ابن عبد البر: " سقوط الجمعة بالعيد مهجور". وعلى ذلك فقول عطاء مهجور شاذ مخالف لأصول الشريعة.

وعليه فمن حضر صلاة العيد فيرخص له في عدم حضور صلاة الجمعة، ويصليها ظهراً في وقت الظهر، وإن أخذ بالعزيمة فصلى مع الناس الجمعة فهو أفضل، ومن لم يحضر صلاة العيد فلا تشمله الرخصة، ولذا فلا يسقط عنه وجوب الجمعة، ويجب عليه السعي إلى المسجد لصلاة الجمعة. والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة