الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

التسوية النووية الإيرانية مع مجموعة (1+5) شراكة استراتيجية أم تكتيك مؤقت؟

على دول المحور العربي السُّنِّي، المسارعة في إيجاد نفوذ سُنِّي مقابل...، مع الشروع في إيجاد قوة ردع مماثلة

التسوية النووية الإيرانية مع مجموعة (1+5) شراكة استراتيجية أم تكتيك مؤقت؟
محمد صلاح خليفة
الثلاثاء ٢٨ يوليو ٢٠١٥ - ١٨:٥٦ م
1673

التسوية النووية الإيرانية مع مجموعة (1+5) شراكة استراتيجية أم تكتيك مؤقت؟

كتبه/ محمد صلاح خليفة 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لقد استطاعت إيران بقيادة روحاني، بعد مناوشات مع الغرب دامت أكثر مِن عقد، الوصول إلى تسوية سلمية للملف النووي، بالاتفاق مع مجموعة (1+5) والتي تضم الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، عبر عدة جولات من المباحثات، في مسارين؛ الأول: إيران مع مجموعة(1+5)، والثاني: إيران مع وكالة الطاقة الذرية، بدأت بجولة جنيف نوفمبر 2013، ثم جولة لوزان مارس 2015، وانتهاءً بجولة فيينا 14 يوليو 2015 .
وقد وافق مجلس الأمن بإجماع أعضائه الخمسة عشر، في 20 يوليو 2015، على قرار يقضي بالحد مِن أنشطة إيران النووية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية.
وقد جاءت نتائج المباحثات في صالح إيران مِن دون شك، وأيًّا ما كانت التفاصيل الفنية للاتفاق، فقد انتزعت إيران مكسبًا سياسيًّا مهمًا، يتمثل في إقرار دولي، بمشروعها النووي، وتثبيت للأمر الواقع، في مقابل فرض بعض القيود الفنية -غير المؤثرة سياسيًّا- مِن مجموعة (1+5) على إيران، من إيقاف تخصيب اليورانيوم عند حاجز الـ5 % ، مع عدم الشروع في بناء منشآت نووية جديدة، والتخلص مِن كميات من اليورانيوم الذي تم تخصيبه، وفى الحقيقة لم تقتصر المكاسب الإيرانية على الشق السياسي فحسب، بل تعددت مكاسبها الاقتصادية أيضًا، كتخفيف القيود المفروضة على تصدير النفط (جولة مباحثات جنيف)، ورفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية حال التزام إيران (جولة مباحثات لوزان)، وكان مِن أهم المكاسب الاقتصادية كما في (جولة مباحثات فيينا) الإفراج عن أرصدة وأصول إيرانية مجمدة تُقدَّر بعشرات المليارات مِن الدولارات، مع تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا. 
هذا الاتفاق أعطى للنظام الإيراني، والقائم على دعامتين أساسيتين هما: حلم التوسع الفارسي، والعقيدة الدينية الشيعية؛ نقطة تفوق على المحور العربي السُّني، في إطار موازين الصراع السني - الشيعي.
وفي الحقيقة، فإنه لم يكن بإمكان إيران دخول النادي النووي العالمي مِن دون إزاحة قوة عربية سُنِّيَّة ترابط بالشرق، وهى العراق؛ إذ لم يكن مِن قبيل المصادفة، أن عام 2003 يجمع بين احتلال العراق وسحق قوته العسكرية مِن جهة، وبين الإعلان عن اكتشاف المشروع النووي الإيراني مِن جهة أخرى، وقد تم التمهيد لذلك في مدة تقارب الـ13 عام ، والتي تبدأ بعد اندلاع حرب الخليج الأولى، وفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على العراق، انتهاء باحتلاله على يد جورج بوش بمعاونة إيرانية خبيثة.
كانت ضربة البداية بموجب القرار رقم 661 الصادر عن الأمم المتحدة، والذي يقضى بفرض عقوبات اقتصادية خانقة على العراق، عانى العراقيون بسببها أشد العناء، وحرموا مِن الغذاء والدواء، ما أدى إلى وفاة مليون ونصف المليون طفل، كما تم تدمير البنية التحتية العراقية مِن المصانع والمنشآت الحكومية ومصافي البترول ...إلخ. 
وعلى الرغم من إبداء العراق استعدادها لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 687 بالتعاون مع لجان التفتيش لمراقبة المنشآت العراقية المشتبه بها، إلا أن هذه الأخيرة أصدرت تقارير مجحفة، جعلت مجلس الأمن يواصل فرض عقوباته الاقتصادية على العراق.
بعد ذلك قامت إدارة جورج بوش، بالتعاون مع وكالة الطاقة الذرية، بافتعال عدد مِن الأزمات، وتقديم عدد مِن الادعاءات الباطلة بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، والحصول على اليورانيوم مِن النيجر، وفي الوقت الذي وافق فيه صدام حسين على استئناف عمل المفتشين، كان الكونجرس الأمريكي يقر قرارًا يجيز استخدام القوة العسكرية ضد العراق، تلاه قرار مجلس الأمن رقم 1441 في نهاية 2002 بإدانة العراق، لتبدأ المعركة العسكرية لإزاحة قوة سُنِّيَّة ترابط على البوابة الشرقية للوطن العربي، ليتمهَّد الطريق لإيران لتكون شرطي الخليج، الذي يعمل وفق التوجيهات الغربية .
لقد غضَّ الغرب وعلى رأسه أمريكا الطرف عن المشروع النووي الإيراني، في حين ألقى الادعاءات الباطلة على العراق لسحقها وتفتيها؛ فقد بدأت إرهاصات المشروع الإيراني في الخمسينيات مِن القرن الماضي، عندما أطلق إيزنهاور مشروع "الذرة مِن أجل السلام ."
وقد ظهرت أولى الخطوات عام 1974 عندما اتخذت إيران تدابير لإنشاء محطة نووية مقرها ميناء بوشهر، بتعاون تقني ألماني، إلا أن أحداث ثورة الخميني في 1979 أوقفت العمل بالمحطة، وتم استئناف العمل بها مرة أخرى عام 1992 باتفاق تعاون تقني روسي، ولم يبدأ الغرب في الإعلان عن اكتشاف المشروع النووي الإيراني، إلا بعد بدء احتلال العراق في عام 2003، عندما صدر تقرير لمفتشي وكالة الطاقة الذرية، يؤكد أن هناك ثمة قرائن لديهم على إدارة إيران لمشروع تخصيب سري لليورانيوم منذ ما يقرب مِن 20 عامًا، وعلى الرغم من وضوح النشاط النووي الإيراني، إلا أن الرئيس أحمدي نجاد في عام 2005 رفض زيارة وفد مِن مفتشي وكالة الطاقة الذرية، مع قيام إدارته بتدمير كافة أدوات ووسائل المراقبة الموضوعة من قِبَل الوكالة في المنشآت المشتبه بها، ورغم هذا الصدام والتحدي المعلن مِن قبل إدارة نجاد، أصدر مجلس الأمن مجموعة مِن القرارات الشكلية؛ لحظر النشاط العسكري لإيران، ومنع تصدير المعدات والتكنولوجيا التي تسمح بتطوير المواقع النووية، وتخصيب نسبة أعلى مِن اليورانيوم، مع بعض العقوبات الاقتصادية، مِن حظر التعامل مع بعض البنوك الإيرانية، وتجميد أرصدتها، وإيقاف استيراد البترول مِن نحو 20 شركة إيرانية ...إلخ. 
والتي كان مِن الواضح أنها لم تكن لتمنع إيران مِن استكمال مشروعها، أو حتى إحداث تأثيرات سلبية على الوضع الإيراني الداخلي، سياسيًّا واقتصاديًّا، كما حدث مع العراق، وكأن القرارات المتخذة ضد إيران كانت مِن باب ذر الرماد في العيون لا أكثر .
لم يكن الوصول إلى هذه التسوية مستغربًا لدى مَن يعرفون حقيقة العلاقات المشتركة بين الغرب -وعلى رأسه أمريكا- وبين إيران، والتي تصل في بعض الأحيان إلى التعاون المشترك، وما يظهر في الإعلام لا يمثل حقيقة إلا نوعًا مِن الجعجعة والضجيج الإعلامي لا طحين فيه؛ للتغطية على أوجه التعاون المشترك، ولربما الوكالة بالعمولة في أحيان كثيرة، وإن استعراض الوقائع التاريخية يقودنا إلى هذه الحقيقة التي لا يدركها البعض، أو يتغافل عنها البعض الآخر؛ هربًا مِن التعامل مع هذا الواقع الملموس، ومنه على سبيل المثال لا الحصر:  
1- موقف أمريكا مِن الثورة الخمينية: 
لقد أسهمت أمريكا إسهامًا ملحوظًا في إسقاط شاة إيران، عن طريق الدعم الإعلامي لأنصار الخميني، والدعم السياسي أيضًا؛ إذ يقول (آية الله روحاني) الرجل الأول للخميني في أمريكا: "أنا مقتنع بأن أمريكا أعطتنا الضوء الأخضر".

ولم يسافر الخميني إلى مطار مهرباد الإيراني، عائدًا مِن منفاه في فرنسا إلا على متن طائرة فرنسية خاصة أقلته بصحبة معاونيه.
بل على المستوى العسكري، وإن لم تقف أمريكا مع الخميني موقفًا إيجابيًّا، إلا أنها وقفت محايدة مِن الأحداث؛ حيث كان لأمريكا وقت الثورة الخمينية داخل إيران نحو أربعين ألف عسكري، في مواقع مختلفة، لم يتحرك منهم جندي واحد لدعم الشاة .
2- فضيحة إيران - جيت: 
حيث باعت الإدارة الأمريكية برئاسة رونالد ريجان، أسلحة لإيران أثناء حربها مع العراق، عبر وساطة إسرائيلية، على الرغم مِن حظر بيع الأسلحة لها، مقابل إطلاق سراح سبعة رهائن أمريكيين، كانوا بحوزة جماعات متطرفة بلبنان، موالية للنظام الإيراني.
3- التعاون العسكري الإسرائيلي - الإيراني: 
حيث اعترف رئيس وزراء إسرائيل (مناحم بيجين) بأن إسرائيل مدَّت إيران بالسلاح، وعلق على ذلك شارون، مبررًا دعم بلاده لإيران قائلًا: كان ذلك بغرض إضعاف العراق .
4- دور إيران في حرب الخليج الأولى: 
حيث لعبت دورًا محوريًّا، لتسهيل السيطرة على منطقة الخليج العربي، وقدمت نفسها للغرب، كشرطي مطيع، أو ضابط منوب، لحماية المصالح الغربية .
قال الرئيس الإيراني (هاشمي رفسنجاني):إن إيران هي البلد الوحيد الذي يمكن للعالم الاعتماد عليه للدفاع عن أمن منطقة الخليج، ومواردها النفطية.

وهو ما ثمَّنه وأكد عليه مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق (بريجنسكي):إن إيران سوف تخرج مِن الصراع بين أمريكا والعراق في حرب تحرير الكويت، لتصبح القوة المهيمنة في منطقة الخليج.

5- التحالف الغربي - الإيراني لاحتلال العراق:

فقد أعطت إيران -عبر أذرعتها السياسية والعسكرية بالعراق- الضوء الأخضر، لإدارة جورج بوش لاحتلال العراق؛ إذ يقول رئيس المجلس الأعلى للثورة في العراق (محمد باقر الحكيم):إن على خامنئي مرشد الجمهورية أعطاه الإذن في الاتصال بالأمريكان، وكان يجب عليه الاستئذان لوجود بيعة لخامنئي في رقبته.
وكانت المكافأة هي إطلاق يد المليشيات الشيعية في العراق، تعبث بمقدرات البلاد، وتقيم محاكم تفتيش، وحرب إبادة ضد أهل السنة مِن العلماء وأساتذة الجامعات وغيرهم مِن طوائف الشعب المختلفة، مع تنفيذ لهجرة قسرية لأهل السنة، إلى مناطق معدومة اقتصاديًّا ومنهارة أمنيًّا، وبذلك تحققت المصالح المشتركة للغرب وإيران في آن واحد.

وعليه فإن هذه التسوية والتي تأتي في إطار شراكة استراتيجية مستدامة بين الغرب وإيران ستعطي إيران قوة ردع ضد المحور العربي السني في أقل الأحوال، مع زيادة مساحة الدعم للمليشيات المسلحة المتطرفة، وتنامي النفوذ الشيعي داخل العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، ما يستلزم على دول المحور العربي السُّنِّي، المسارعة في إيجاد نفوذ سُنِّي مقابل في مناطق الصراع السابقة، مع الشروع في إيجاد قوة ردع مماثلة، في إطار اتفاقيات الدفاع العربي المشترك، لاستعادة التوازن في الصراع الدائر في الشرق الأوسط، إن لم يمكن السباق بخطوة عن إيران الطائفية.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com