الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

بين الدين والعقل

لا يمكن للدين والعقل أن يتعارضا

بين الدين والعقل
إيهاب شاهين
الثلاثاء ١٨ أغسطس ٢٠١٥ - ١١:١٢ ص
1596

بين الدين والعقل

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

إن مما ميز الله به الإنسان عن سائر المخلوقات أن أعطاه عقلًا يُدرك به الأمور ويصل من خلاله إلى التمييز بين الأشياء صحيحها وسقيمها وحسنها وسيئها, وبما أن العقل آلة إدراك كبقية الآلات عند الإنسان؛ كالسمع آلة لإدراك المسموعات ولها حدود إذا كلف بتخطيها تعطلت هذه الآلة، كأن كلف بأن يسمع بهذه الحاسة ما يجري ويدور على بُعْد عدة كيلو مترات فإن هذا لا يمكن وقوعه وتقف هذه الحاسة عند حدودها, كذلك العقل له حدود لا يتخطاها, كلما كان داخل هذه الحدود وجب عليه إعمال هذه الألة وعدم إهمالها, وكلما خرج عن نطاقها لا يمكنه استعمالها, وعند التأمل تجد أن دين الإسلام ضبط العلاقة بين العقل والشرع، بل حث وأمر ووجه لهذا من خلال آيات كثيرة أعلى فيها مِن قيمة العقل؛ كقوله: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾, ﴿أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾, ﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾, ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ﴾, فأمر بالتعقل والتذكر والتفكر والتدبر، وهذا كله خاصيته العقل, كذلك كرم النبي صلي الله عليه وسلم العقل وجعله مناط التكليف حيث قال صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ القلم عن ثلاثة ...»، ومنهم «عن المجنون حتي يفيق»، وذم الله المقلدين لآبائهم، وذلك حين ألغوا عقولهم وتنكروا لأحكامها: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ﴾، وحرم الإسلام الاعتداء على العقل؛ فحرم المسكر والمفتر ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وعن أم سلمة قالت: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر», وعند النظر في الكون الفسيح والشرع الحنيف تجد أشياءً فوق إدراك العقل لا يستطيع أن يدركها وحده؛ كالغيبيات، لهذا جاء الشرع ليدل العقل كيف يتعامل معها, وهذا ليس غريبًا فهذا يحدث لنا في حياتنا مرارًا؛ فإن الناس يؤمنون بأمور لا تدركها حواسهم ولا تحيط بها عقولهم، ومع ذلك يسلمون بها كحقائق يقينية مع أنها فوق إدراك الحواس فعلى سبيل المثال الجاذبية الأرضية تقبلها العقول وإن كانت لا تستطيع معرفة حقيقتها، والكهرباء عبارة عن انتقال الإلكترونات من القطب السالب للموجب لكن تعجز العقول عن معرفة كنه ذلك، لذلك نقول العلاقة بين الدين والعقل علاقة تكاملية وليست تصادمية؛ فهناك أمور لا تدرك إلا بالعقل مع مكنون الفطرة في الإنسان كإثبات وجود الله سبحانه وتعالى للمشرك, وهناك أمور للدين لا يتدخل بها العقل كالأوامر والنواهي في الدين مع السماح للعقل بالتفكر بعلة الحكم, وهناك أمور مشتركة بين الطرفين, كإثبات يوم القيامة والقبر عذابه ونعيمه, وسائر الغيبيات, فيمكن أن يشتركا بإثبات هذه المسائل, يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «العقل شرط في معرفة العلوم وكمال وصلاح الأعمال وبه يكمل العلم والعمل، لكنه ليس مستقلًا بذلك، بل هو غريزة في النفس وقوة فيها بمنزلة قوة البصر التي في العين، فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس والنار، وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن إدراكها وإن عزل بالكلية كانت الأقوال والأفعال مع عدمه أمورا حيوانية قد يكون فيها محبة ووجد وذوق كما قد يحصل للبهيمة، فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة والأقوال المخالفة للعقل باطلة، والرسل جاءت بما يعجز العقل عن دركه، لم تأتِ بما يعلم بالعقل امتناعه، لكن المسرفين فيه قضوا بوجوب أشياء وجوازها وامتناعها لحجج عقلية بزعمهم اعتقدوها حقًّا وهي باطلة وعارضوا بها النبوات وما جاءت به، والمعرضون عنه صدقوا بأشياء باطلة ودخلوا في أحوال وأعمال فاسدة وخرجوا عن التمييز الذي فضل الله به بني آدم على غيرهم»، وقال الدكتور عيسى عبده: «إن الإسلام لا يفرض على القوة العاقلة في الإنسان حالة من الجمود والتعطيل، بل على العكس من ذلك، إنه يدعو إلى إعمال العقل حيث ينبغي له أن يعمل، ومجاله واسع في هذا الوجود المشهود في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، وفيما خلق الله من شيء، أما أن يتطاول العقل ليحكم على القواعد الآمرة والناهية التي تحكم السلوك، أو يحاول أن يجيء من عنده بأسس نظرية يقيم عليها الحكم المعين فإذا انهارت هذه الأسس بقي الحكم معلقًا حتى يصل العقل إلى غيرها نقول أما هذا الذي يطيب لبعض الباحثين فهو عندنا إثم كبير». اهـ.

لذلك نقول: لا يمكن للدين والعقل أن يتعارضا؛ فالعقل ركبه الله فينا، والدين شرعه على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فالمصدر واحد، فأنى يقع التعارض، ومَن ظن غير ذلك فقد ظن عجزًا .. والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة