الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الولاء والبراء وعدم تعارضه مع سماحة الإسلام

بما أنه بهذه المنزلة من الدين فلابد أن يكون موافقًا لطبيعة الإسلام وهي الوسطية والاعتدل

الولاء والبراء وعدم تعارضه مع سماحة الإسلام
محمد القاضي
الأربعاء ٠٩ سبتمبر ٢٠١٥ - ١٢:٠٦ م
1644

الولاء والبراء وعدم تعارضه مع سماحة الإسلام

كتبه/ محمد القاضي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

معلوم مكانة الولاء والبراء في الإسلام وأنه من أعظم شرائع الدين نظرًا لارتباطه بأصل الإيمان كما قال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ )المجادلة: 22(.

وقال تعالى: ﴿تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ - وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ (المائدة: 80- 81).

فبما أنه بهذه المنزلة من الدين فلابد أن يكون موافقًا لطبيعة الإسلام وهي الوسطية والاعتدل قال الله تعالى عن نبيّه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107)، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: 143).

وإليكم النقاط الآتية التي لا تزيد عن أن تكون أمثلة لعدم تعارض (الولاء والبراء) مع سماحة الإسلام:

أولاً: لا يُجبر أحدٌ مِن الكفار الأصليِّين على الدخول في الإسلام.

لم يثبت أن المسلمين في عصر من العصور أكرهوا أحدًا على الدخول في الإسلام، ولو كان المسلمون أجبروا غيرهم على الدخول في الإسلام ودخلوا الإسلام مكرهين فكيف يَثْبتون عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ عَنْهمُ؟! فثباتهم عن الإسلام رغم زوال الإكراه عنهم دليل على أنهم دخلوه برضاهم لا مغصوبين، وأن المسلمين لم يجبروهم على الدخول في الإسلام.

ولو كان دخول الإسلام بالإكراه لما ترك المسلمون أحدًا على غير الإسلام ولأدخلوهم فيه كراهية أو قتلوا من يأبى دخوله، وهذا لم يحدث، ولو حدث لنقل لتوافر الدواعي على نقله.

ومن المعلوم أن البلاد التي فتحها الإسلام رجع بعض هذه البلاد للكفار مرة أخرى، ومع ذلك من أسلم لم يرجع للكفر مرة أخرى بل حارب الكفار وكان في صفوف المسلمين، وهذا دليل على أنهم دخلوه برضاهم لا مغصوبين، وأن المسلمين لم يجبروهم على الدخول في الإسلام.

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كانت المرأة تكون مقلاتًا فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا: لا ندع أبناءنا فأنزل الله عز وجل: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ﴾ قال أبو داود: المقلات التي لا يعيش لها ولد فالآية الكريمة نزلت عند إجلاء بني النضير لما نقضوا عهدهم، وذلك في السنة الرابعة للهجرة؛ أي: في ظل قوة المسلمين وبعد فرض الجهاد بسنوات.

ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أكره أحدًا على الدين، بل ثبت عكس ذلك، وهو أن بعض الأنصار أراد أن يكره ولده على الإسلام فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال ابن جبرين: «يحرم إكراه اليهود والنصارى والمجوس على تغيير أديانهم، قال الله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ﴾ (البقرة: 256)».

ثانيًا: أنَّ لأهل الذمَّة التنقُّل في أي البلاد حيث شاءوا بلا استثناء، إلا الحرم. ولهم سكنى أي بلد شاءوا من بلاد الإسلام أو غيرها، حاشا جزيرة العرب.

وهذا كُلّه محلّ إجماع إلا المرور بالحرم ففيه خلافٌ، الراجح فيه عدم الجواز.

ثالثًا: حفظ العهد الذي بيننا وبين الكفار، إذا وَفَّوْا هُمْ بعهدهم وذمّتهم، قال الله تعالى: ﴿إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾.

وعن أبي رافع رضي الله عنه (وكان قبطيًّا)، قال: بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقي في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله، إني والله لا أرجع إليهم أبدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد. ولكن ارجع، فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن، فارجع. قال: فذهبت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلمت.

وكانت قريش تؤذي وتقتل في المسلمين من المستضعفين في مكة الذين لم يستطيعوا الهجرة، ومع ذلك دخل الرسول صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية معها، وحفظ لهم العهد وكان يرد من يسلم ويأتي إليه المدينة يرده إليهم في مكة.

والله عز وجل أمرنا بنصرة المستضعفين على الكفار إلا الذين بيننا وبينهم عهد وميثاق، قال تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (الأنفال: 72.(

تأمل الآية الكريمة؛ فإن فيها ما يلي:

- إنه يجب نصرة إخواننا المستضعفين الذين يعتدي عليهم الكفار بشرطين:

الشرط الأول: أن يطلبوا نصرنا ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ﴾.

الشرط الآخر: ألا يكون بيننا وبين الكفار المعتدين عليهم عهد وميثاق ﴿إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ﴾.

- وفي الآية دلالة أن العهد والميثاق الذي بيننا وبين الكفار لا ينتقض بمجرد اعتدائهم على المسلمين، لأن الله أمر بحفظ عهدهم مع وجود الاعتداء منهم على المسلمين المستضعفين.

- وفي الآية أن النصرة إنما تكون في الدين لا لقومية ولا عصبية ولا لمصالح دنيوية ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾، وفي الآية أن شرع الله جل وعلا لا يكون بالعاطفة أو بالحماسة، فإن هذه حدود الله جل وعلا، وهذا شرعه، والله يغار أن يضيع شرعه ودينه، ﴿وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.

- وفي الآية تأكيد حفظ العهد والميثاق، وهذا قد جاء نصًّا في آية أخرى، قال جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾ (المائدة: 1).

قال جل وعلا: ﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء: 34).

وقال الشيخ العلامة د. سعد الشثري في محاضرته القيمة (مفهوم الجهاد في الإسلام وشروطه وضوابطه) -بحضور وإقرار سماحة مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ- ما نصه: «ومن ضوابط الجهاد فيما يتعلق بهذه العبادة أن يلاحظ أن مقاتلة العدو لبعض المسلمين لا يعني أنه بذلك قد نقض العهد بينه وبين بقية المسلمين، وهذه قاعدة قد يغفل عنها بعض الناس وذلك أنه إذا وُجد عهد وميثاق بين أهل الإسلام وبين غير المسلمين بعدم المقاتلة ولم يحتو ذلك الصلح والعهد عدم مقاتلة العدو لمسلمين آخرين فإنه حينئذ لا يعد ذلك نقضًا للصلح ولا يعد نقضًا للعهد والميثاق ويجب الوفاء بذلك العهد والميثاق وذلك أن النبي صلى الله وعليه وسلم لما صالح قريشًا وقامت بعد ذلك بإيذاء المسلمين الذين في مكة وتعذيبهم من أجل صدهم عن دينهم لم يكن ذلك سببًا في انتقاض العهد بين النبي صلى الله وعليه وسلم وبين أهل مكة ويدل على هذا قوله جل وعلا: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ فدل ذلك على أن المواثيق لا تنتقض بمقاتلة العدو لبعض المسلمين إذا لم يكن من بنود الصلح والعهد أن الصلح ينتقض بمثل ذلك، ومما يتعلق بهذا أن بعض الناس يتوسع في هذا الباب ويزعم أن كل معاونٍ للعدو فإنه يشرع قتاله وجهاده ولو كانت معاونته بغير أمرٍ متعلق بالقتال، وهذا الفهم فهمٌ خاطئ وليس من مدلول الأحكام الشرعية. فعندما يأتي إنسان ويقول: من عامل غير المسلمين فإنني أستبيح قتاله وأنقض العهد الذي بينه وبين غيره بسبب هذا الفعل الذي وقع منهم نقول: هذا أمر خاطئ ومخالف للشرع وليس من أحكام الإسلام في شيء؛ وذلك أنه لا زال الناس يتعاملون مع غير المسلمين ببيع وشراء مما لا يتضمن إعانتهم في قتالهم على عدوهم المسلم ولم يكن ذلك مبيحًا لانتقاض العهد معهم».

رابعًا: حرمة دماء أهل الذمة والمعاهدين إذا وفوا بذمتهم وعهدهم: من عظمة الشريعة الإسلامية أن حرمة الدماء ليست مقصورة على المسلمين فحسب، بل تشمل كذلك غير المسلمين من المعاهدين والذميين والمسـتأمنين، حرم الإسلام الاعتداء عليهم وذلك فى أحاديث كثيرة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم منها: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن قتل معاهدًالم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا» (البخارى 3166).

وعن أبي بكرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن قتل معاهدًا في غير كنهه، حرَّم الله عليه الجنة». (سنن الدارمي 2460).

وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قتل قتيلًا مِن أهل الذمة لم يجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد مِن مسيرة أربعين عامًا». (السنن الكبرى للنسائي 6743).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة