الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

بين الحرية والعبودية

التوحيد الخالص حرية للفرد والمجتمع، وقوة في الشخصية

بين الحرية والعبودية
جمال فتح الله
الأربعاء ١١ نوفمبر ٢٠١٥ - ١١:٤٢ ص
3101

بين الحرية والعبودية

كتبه/ جمال فتح الله

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

شوق البشر إلى الحرية:

فإن لكلمة الحرية عذوبة في الأفواه، ولذة في الأسماع، تهتز لذكرها النفوس الأبية، ويتألم الأحرار لفقدها، الحرية عند بني الإنسان أنشودة لم ينقطعوا عن ترديدها عبر الزمان، تغنَّى بها الشعراء، ونادى بتحقيقها المصلحون ورجالات الأمم، ووضعت المخططات للحصول عليها والتخلص من أســر العبودية البشرية، وبذلت الأمم في سبيل تحصيلها الأموال والأرواح، وجعلت اليوم الذي حصلت فيه عليها عيدًا.

مفهوم الحرية:

يُقصد بالحرية قدرة الإنسان على فعل الشيء أو تركه بإرادته الذاتية، وهي ملكة خاصة يتمتع بها كل إنسان عاقل ويصدر بها أفعاله، بعيدًا عن سيطرة الآخرين؛ لأنه ليس مملوكًا لأحد لا في نفسه ولا في بلده ولا في قومه ولا في أمته.

إن الإسلام جاء ليحرر العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده؛ لأن التوحيد الخالص حرية للفرد والمجتمع، وقوة في الشخصية، وقد أعلن الدعاة الأوائل هذه الحقيقة حينما كانوا يغدون إلى مقابلة عظماء الفرس والروم، فقد كانوا يسألونهم عن هدفهم الذي خرجوا من أجله من ديارهم؟ فيقولون: "لقد ابتعثَنَا الله؛ لنُخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".

هل "الحرية" تعني الإطلاق من كل قيد؟
لا يعني بطبيعة الحال إقرار الإسلام للحرية أنه أطلقها من كل قيد وضابط، لأن الحرية بهذا الشكل أقرب ما تكون إلى الفوضى، التي يثيرها الهوى والشهوة، ومِن المعلوم أن الهوى يدمر الإنسان أكثر مما يبنيه، ولذلك نهى الشرع عن اتباعه.

وأهم ما يحرص عليه الإسلام تحرير قلب العبد من تلك العبودية البشرية، فالقلب هو الركن الأصيل الذي يقود الجسد كله ويسيره ويوجهه، وبصلاح القلب يصلح الإنسان، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".

والقلب محل الاعتقاد وموضع الهم والإرادة والنية، وبصلاح الاعتقاد والقصد يصلح القلب، وبصلاحه يصلح الإنسان ويصلح المجتمع.

وصلاح الاعتقاد يكون بتعريف العبد بربه وصفاته وأسمائه وأفعاله، وصلاح القصد بأن يتوجه المرء نحو خالقه بأعماله كلها، فلا يقصد بعمله مُلكًا ولا مَلِكًا ولا شجرًا ولا حجرًا ولا بشرًا.

وهذا هو الإخلاص في العبادة الذي لا يقبل الله من أحد دينًا سواه، قال تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ)، والإخلاص هو معنى لا إله إلا الله، وبتحقيقة يحقق العبد العبودية لله ربه ومولاه.

قيودًا ضرورية تضمن حرية الجميع:

وتتمثل الضوابط التي وضعها الإسلام في الآتي:

أ- ألا تؤدي حرية الفرد أو الجماعة إلى تهديد سلامة النظام العام وتقويض أركانه.

ب- ألا تفوت حقوقًا أعظم منها، وذلك بالنظر إلى قيمتها في ذاتها ورتبتها ونتائجها.

ج - ألا تؤدي حريته إلى الإضرار بحرية الآخرين.

وبهذه القيود والضوابط نُدرك أن الإسلام لم يقر الحرية لفرد على حساب الجماعة، كما لم يثبتها للجماعة على حساب الفرد، ولكنه وازن بينهما، فأعطى كلًّا منهما حقه. 

لا حرية مطلقة في الإسلام، وإلا ما كان للعبودية لله معنى؛ لأن الحرية المطلقة تقتضي ألا تقيد بأي قيد.

لما قالت الشريعة: "لا ضرر ولا ضرار" ما معنى ذلك؟

لا ضرر بالنفس، ولا ضرار بالغير، وبعض الناس يفهم النصف الثاني فقط: "لا ضرار" يعني: لا يجوز أن تضر غيرك.

وقوله: "لا ضرر" يعني: لا يجوز أن تضر بنفسك حتى لو كنت مع نفسك وحدك أين تذهب بهذا.

ولذلك فإن الحرية في الإسلام مقيدة، فمن أبطل الباطل قول: الحرية المطلقة، نريد الحرية المطلقة، فنقول: لا حرية مطلقة في الإسلام، وإلا لَمَا كان للعبودية لله معنى؛ لأن الحرية المطلقة تقتضي ألا تقيد بأي قيد، فكيف يبتلي الله الناس، هذا عبد صالح أو لا، إذا كان لم يقيد حريتهم، فمبدأ القيود على الحرية هي التي تبين هل هذا عاصٍ أو طائع؟ وكيف ستتبين قضية الصلاح والمعصية والطاعة بدون قيود؟

القيود هذه لما يقال لك: لا تزني، ولا تتعامل بالربا، ولا تشرب الخمر، ولو كنت وحدك؛ فالحريات الغربية فقط تُقيَّد بالإضرار بالآخرين، إذا أضررت بالآخرين فحريتك تنتهي، وإذا ما أضررت بالآخرين بزعمهم على تعريفهم للإضرار بالآخرين فحريتك مطلقة، ولذلك يقولون: حرية الاعتقاد، اعتقد بما تشاء، اعتقد بحجر أو بشجر أو بعمود كهرباء، اعتقد بما تشاء، بلا دين، تكون يهوديًّا أونصرانيًّا، كن ما شئت، حرية اعتقاد.. هذا غير موجود في دين الإسلام، فالإسلام يوجب على الناس أن يعبدوا الله ويسلموا له: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، والله عاقب أقوامًا على أنهم أشركوا أشركوا به وكفروا، فعاقب قوم عاد وثمود وقوم لوط وشعيب.

وكثير من الناس يتكلمون عن حرية الرأي، ويدخلون فيها حرية الكفر، ويخلطون بين حرية الفكر، وحرية الكفر، ويسمحون بحرية الكفر ضمن حرية الفكر، وأن تعتقد ما تشاء من المذاهب الضالة، ولذلك عندهم مشكلة حقيقة في حد الردة، وفي حديث: "من بدَّل دينه فاقتلوه"، والمقصود بدينه دين الإسلام، كما بيَّن العلماء.

فيقولون: مَن أراد أن يخرج من الدين فليخرج، ولكن في الإسلام الذي يخرج من الدين يقتل، وإلا يصبح الدين بوابة بلا بواب ولا راعٍ ولا حارس، ويجترئ الناس على ترك الدين وعلى ترك الإسلام، وهكذا يصبح الدين ألعوبة، من شاء دخل، ومن شاء ترك.

فالحرية التي نريدها هي الحرية التي جاء بها الإسلام، فهناك حرية، ولكن لها ضوابط وقيود، إنها في كتاب ربنا، وفي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وليست في دساتير الغرب أن الحرية قيدها فقط ألا تضر بالآخرين، فالحرية في الإسلام قيدها أيضًا ألا تضر بنفسك، والضرر يُبيِّنه الكتاب والسنة. قال رسول الله: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا؛ كتاب الله وسنتي".

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

نطهر صيامنا (2)
72 ١٢ مارس ٢٠٢٤
نطهر صيامنا (1)
66 ٠٤ مارس ٢٠٢٤
إنما الحلم بالتحلم (1)
47 ٣١ يناير ٢٠٢٤
لا تحمل همًّا!
100 ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٣
محطات تطهير!
97 ١٩ يونيو ٢٠٢٣