الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الكلمة الطيبة

في هذا الخطاب درس لكل داعية في اختيار العبارات المؤثرة

الكلمة الطيبة
جمال فتح الله
الأربعاء ٠٢ ديسمبر ٢٠١٥ - ١١:٣٣ ص
1321

الكلمة الطيبة

كتبه/ جمال فتح الله

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛

القرآن الكريم يحتوي بين دفتيه الكثير والكثير من الأساليب المتنوعة التي تدعوا إلى الكلمة الطيبة، وذلك ليتمكن الداعية من التنوع بين هذه الأساليب؛ ليفتح الله على يديه القلوب والعقول؛ ليمكن لدين الله عز وجل في الأرض, ولقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بكل هذه الأنواع وكان في أسلوبه وعرض دعوته في رفق وترغيب وترهيب وحسن منطق وعذوبة حديث مما دفع قلوب من سبق لهم الهدى إلى الدخول في الإسلام.

قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ).

تدبر في هذا الأسلوب البديع, والترتيب العجيب, بعد أحداث غزوة أحد, كيف يتعامل صلى الله عليه وسلم مع الصحابة, أن يعفو عنهم، ثم يستغفر لهم؛ ليكونوا أهلًا للمشورة، وهذه من رحمة الله تعالى. فكان صلى الله عليه وسلم قرآنًا ناطقًا سبق حلمه غضبه، ألان الكلام، وأفشى السلام ودارى الناس, وألف بين القلوب. دعا إلى سلامة الصدر، وطهارة القلب، قال الحكمة وعمل بها ودعا إليها، ووضع الأمور في مواضعها، علم الجاهل وهدى الضال ودل الحيران، فكان رحمة للعالمين. وسار الصحابة رضي الله عنهم على منهجه.

إنها الأخلاق الكريمة الفاضلة التي التزموا بها واستقوها من المنبع الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وإذا أراد المسلم أن ينهج نهجهم ويقتفي أثرهم فعليه أن يجد في اختيار أقواله؛ لأن اللسان دليل على ما في الجنان، وعليه أن يستجيب لقوله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا).

وقوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

فهذه الآيات توضح هدفًا رئيسيًّا, هو اختيار الكلمة الطيبة والأسلوب الأمثل في مسيرة الحياة في التعامل مع الآخرين، لإبراز الحقيقة أمام عقول الناس، وإدخالها إلى قلوبهم دون قسر أو إكراه.

ففي هذا الخطاب درس لكل داعية في اختيار العبارات المؤثرة، وأن يرغب ويرهب، ويتلطف في الاستدعاء، ويؤكد للمستمع أنه داعٍ وليس بقاضٍ.

كما يُستفاد من هذا الخطاب أنه يتوجب على كل مسلم أن يجود بالكلمة الطيبة والنصيحة الصادقة؛ لأن الكلمة الطيبة لها أثر كبير في تصفية النفوس من الأمراض الخفية كالغل والحسد والكبر، والكلمة الطيبة دليل على حسن أخلاق قائلها وكرم طبعه، وحرصه على ثواب الله عز وجل، ولم الشمل، وجمع الأحبة والقضاء على الفساد والفرقة، والمجتمع بأمسّ الحاجة إلى أصحاب القلوب السليمة والألسن الطيبة والدعوة الهينة اللينة .. وجب على الداعية خصوصًا أن يراقب جميع تصرفاته لإحياء الأخلاق الكريمة في أقواله وأفعاله في وقت تأزمت علاقات الناس فيما بينهم، حتى غدا المسلم لا يحتمل أخاه .

فالقول الحسن سحر العقول والقلوب، به تستمال القلوب المتخاصمة وتُؤلف، وبه تُسل الضغائن فلا تختلف، وبه يحسن التعامل بين الناس فتصطلح أمورهم وتستقيم أحوالهم، والقول الحسن دليل على رجاحة العقل وكمال المروءة واكتمال الدين.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة" فلا تبخل بالكلمة الطيبة؛ لأنها تطيب القلوب، وتجبر الخواطر، ومن عدم هذه الكلمة فلا خير فيه؛ لأن البخل بالكلمة الطيبة أشد خطرًا وأكثر ضررًا من البخل بالمال، طالما أنها تحل أزمة، أو تحق حقًّا، أو تقلل خصومة، أو تنشر خيرًا.

والمسلمون اليوم بأمس الحاجة إلى الكلام الطيب، والعرض المبسط والطرح المناسب الذي يفتح الأسارير، ويخترق القلوب، في وقت انشغل الناس بدنياهم.

والقرآن الكريم يدعونا إلى أن نختار الكلام الحسن الذي يجمع ولا يفرق، يوصل بين المتقاطعين، ويقرب بين المتباعدين، ويغسل الحقد من قلوب الحاقدين والحاسدين .. ولو تدبرنا كتاب ربنا عز وجل لوجدنا فيه آيات كثيرة تلفت انتباهنا، وتدعونا إلى أهمية طيب القول، وأدب الكلام.

قال الله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) .. والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

ربما يهمك أيضاً

نطهر صيامنا (2)
71 ١٢ مارس ٢٠٢٤
نطهر صيامنا (1)
66 ٠٤ مارس ٢٠٢٤
إنما الحلم بالتحلم (1)
47 ٣١ يناير ٢٠٢٤
لا تحمل همًّا!
98 ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٣
محطات تطهير!
96 ١٩ يونيو ٢٠٢٣