الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

القرآن هو الحياة

إن كثيرًا من المسلمين -إن لم يكن أكثرَهم- لا يهتمون بالقرآن إلا في رمضان، ويهجرونه سائر العام

القرآن هو الحياة
محمود عبد المنعم
الاثنين ٠٤ يناير ٢٠١٦ - ١١:٣٧ ص
2073

القرآن هو الحياة

كتبه/ محمود عبد المنعم

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى، وبعد؛

فإن كثيرًا من المسلمين -إن لم يكن أكثرَهم- لا يهتمون بالقرآن إلا في رمضان، ويهجرونه سائر العام، ويُخشى أن يكونوا من الذين شكاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه عز وجل كما حكى الله في كتابه: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان: 30).

وهذا خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضوان الله عليهم والسلف الصالح رحمهم الله تعالى.

وإذا كان القرآن قد نزل جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا في رمضان ثم ابتدأ نزوله مفرقًا من بيت العزة في السماء الدنيا على قلب النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا في رمضان كما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما وكان هذا تحقيقًا لقول الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (البقرة: 185) إلا أن نزوله استمر في رمضان وغيره؛ فكان ينزل صيفًا وشتاءً وليلًا ونهارًا وحضرًا وسفرًا ويقظةً ونومًا على قلب النبي صلى الله عليه وسلم بحسب الوقائع والأحداث ثلاثًا وعشرين سنة، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدر من القرآن يقرأه كل يوم سائر العام، فكان يختم في كل أسبوع مرة ويقسم القرآن سبعة أحزاب يقرأ في كل يوم حزبًا؛ الحزب الأول ثلاث سور والثاني خمسًا والثالث سبعًا والرابع تسعًا والخامس إحدى عشرة والسادس ثلاث عشرة والسابع الحزب المفصل من أول سورة ق إلى ختام القران.

قال النبي صلى الله عليه وسلم  لـعبد الله بن عمرو بن العاص: (اقرأ القرآن -في رواية- في أربعين يومًا، فقال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: في شهر، قال: أكثر من ذلك، قال: فاقرأه في كل عشرين، قال: يا نبي الله؛ إني أطيق أكثر من ذلك، قال: فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك)، وفى رواية: قال: يا رسول الله إني أطيق أكثر من ذلك. قال: اقرأه في ثلاث. قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: (لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث)، وليس في هذا دلالة على تحريم قراءة القرآن في أقل من ثلاث، ولكن أخبر أن العادة: أن الإنسان الذي يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، لن يفهم ما يقرأ، وإن كان له ثواب القراءة.

وبذلك علم أن ثمة فرق بين من يقرأ ويفقه ما يقرؤه، وبين من يقرأ قراءة سريعة لا يفقه فيها ما يقرؤه، وإن كان هذا يثاب وهذا يثاب.

فعلى ذلك تكون قراءة القرآن في سبعة أيام أفضل من قراءته في ثلاثة أيام، وإذا كان يطيق في ثلاثة أيام فذلك خير، ولكن لا يقل عن ذلك، فلو فعل فهو مثاب؛ لأنه إن ينشغل بقراءة القرآن، أفضل من أن ينشغل باللهو وغير ذلك، ولكن القراءة بتركيز وفهم، أفضل من القراءة السريعة التي لا فهم معها، وفي كل خير.

وأخرج الإمام أحمد من حديث بريده مرفوعًا: "إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حتى ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول: هل تعرفني أنا صاحبك الذي أظمأتك في الهواجر وأسهرت ليلك وكل تاجر من وراء تجارته فيعطي الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار، ثم يقال له: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها فهو في صعود ما دام يقرأ حدرًا  كان أو ترتيلًا".

قال أحمد أبي الحواري: إني لأقرأ القرآن وأنظر في آية فيحير عقلي بها، وأعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم ويسعهم أن يشغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الله، وأما إنهم لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقه وتلذذوا به واستحْلوا المناجاة به لذهب عنهم النوم فرحًا بما قد رزقوا.

فأما من كان معه القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل به بالنهار فإنه ينتصب القرآن خصمًا له يطالبه بحقوقه التي ضيعها؛ في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يمثل القرآن يوم القيامة رجلًا فيؤتى بالرجل قد حمله فخالف أمره فيتمثَّل له خصمًا، فيقول: يا رب حملته إياي فبئس حامل تعدى حدودي، وضيع فرائضي وركب معصيتي وترك طاعتي، فما يزال يقذف عليه الحجج حتى يقال: شأنك به، فيأخذ بيده، فما يرسله حتى يكبه على منخره في النار، ويؤتى بالرجل الصالح كان قد حمله وحفظ أمره، فيتمثل خصمًا دونه، فيقول: يا رب حملته إياي فخير حامل حفظ حدودي وعمل بفرائضي واجتنب معصيتي واتبع طاعتي، فلا يزال يقذف له بالحجج حتى يُقال: شأنك به فيأخذه بيده فما يرسله حتى يلبسه حلة الإستبرق ويعقد عليه تاج الملك ويسقيه كأس الخمر".

وأخرج الإمام أحمد من حديث سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في منامه رجلًا مستلقيًا على قفاه ورجلًا قائمًا بيده فهر أو صخرة فيشدخ به رأسه فيتدهده الحجر، فإذا ذهب ليأخذه عاد رأسه كما كان فيصنع به مثل ذلك، فسأل عنه؟ فقيل له: هذا رجل آتاه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل به بالنهار، فهو يفعل به ذلك إلى يوم القيامة. وقد أخرجه البخاري بغير هذا اللفظ.

ثم يأتي رمضان من العام إلى العام فيفضح هؤلاء الذين هجروا القرآن، سائر العام فإذا جاء رمضان أخذوا المصحف وقرأوا فيه بنفوس مقبوضة وعسر في قراءته، فإذا ما ختم أحدهم مرة شعر كأنه عبر المحيط وراح يخبر كل من يلقاه بأنه ختم مرة أو مرتين، ويفضح أيضًا كثيرًا من حفظة القرآن الذين يؤمُّون الناس في صلاة التراويح والقيام من المصحف، ولست الآن بصدد مناقشة جواز ذلك من عدمه، وإنما أبرهن بذلك على هجرانهم للقرآن، إذ لو لم يكونوا كذلك ما احتاجوا إلى الصلاة من المصحف وقرأوا من حفظهم عن ظهر قلب؛ فإن هذا أقرب للخشوع والتدبر.

اللهم وفق المسلمين إلى العمل بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، وردهم إلى القران مردًّا جميلًا .. اللهم آمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com