الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مسارات علو الهمة لنعود كما كنا خير أمة.. محبة الله عز وجل

إذا غرست شجرة المحبة في القلب، وسقيت بماء الإخلاص ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ أثمرت أنواع الثمار، وآتت أكلها كل حين بإذن ربها

مسارات علو الهمة لنعود كما كنا خير أمة.. محبة الله عز وجل
إبراهيم بركات
الثلاثاء ١٦ فبراير ٢٠١٦ - ١٠:٢٦ ص
1358

مسارات علو الهمة لنعود كما كنا خير أمة

محبة الله عز وجل

كتبه/ إبراهيم بركات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

- في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (ثلاث من كُنّ فيه وجد حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر – بعد إذ أنقذه الله منه- كما يكره أن يُلقى في النار) رواه البخاري ومسلم.

- وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: ( اللهم ارزقني حبك، وحب من ينفعني حبه عندك، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا فيما تحب) حديث حسن رواه الإمام الترمذي.

- وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها في حديث أمير السرية الذي كان يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) لأصحابه في كل صلاة وقال أنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأ بها، قال النبي صلي الله عليه وسلم: ( أخبروه أن الله يحبه) أخرجه البخاري ومسلم.

فعباد الرحمن الذين كانوا يدعونهم من دون الله قال الله فيهم في سورة الإسراء: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا).

- ومن هذه الآيات نعلم أن من مقامات العبودية: المحبة، وابتغاء القرب إلى الله، والتوسل إليه بالأعمال الصالحة، والرجاء والخوف، ولكن ابتغاء الوسيلة أمر زائد على رجاء الرحمة وخوف العذاب.

- فمحبة الله عز وجل فيها حياه القلوب ونعيم الأرواح وبهجة النفوس وقرة العيون.

- وغاية أعمال المؤمنين الأبرار والمقربين والمحبين إرادة وجه الله عز وجــل، قال تعالي: (وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ).

- وقد تكلمنا عن الرجاء والخوف في مقالين سابقين، ولنشرع في الحديث عن المحبة.

منزلة المحبة

تلك المنزلة الإيمانية التى هي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون، وهي الحياة والنور والشفاء واللذة والسرور والرضا، هي سمة المسافرين الصادقين إلى ربهم عز وجل، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)، وقضى الله عز وجل أن المرء مع من أحب.

- وأيسر الطرق للوصول إليها؛ الحياة على الشهادتين (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم) بصدق ويقين، فعلامة حبك لله أداء الفرائض، وأولاها وأعظمها (لا إله إلا الله) تحيا عليها وعلى لوازمها ومقتضياتها وتموت علي ذلك.

- وعلامة حب الله لعبده: حياته على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم (وأشهد أن محمد رسول الله)، والتأسي به في كل شئ، يقول الله تعالى:( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)  آل عمران (31).

ويقول الله تعالى (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الأحزاب (21).

وعندما نتكلم عن المحبة نشير إلى

(1) أسبابها (2) وموجباتها (3) وعلاماتها (4) وشواهدها

(5) وثمراتها (6) وأحكامها

ومادة المحبة تدور في اللغة على خمسة أشياء :

(1) الصفاء والبياض؛ يقال حبب الأسنان لصفائها.

(2) العلو والظهور؛ ومنه حبب الماء، ما يعلق على سطح الماء عند المطر الشديد.

(3) اللزوم والثبات؛ ومنه حب البعير، إذا برك ولم يقم.

(4) اللب؛ ومنه حبة القلب، لداخله، والحب، الواحدة للحبوب.

- وهذه المعاني اللغوية من لوازم المحبة، فإنها صفاء المودة وعلوها وهيجانها، لتعلقها بالمحبوب، وثبوت إرادة القلب للمحبوب، ولزومها لزوما لا تفارقه، وإعطاء المحبوب لبه وقلبه وهو أشرف ما عنده، ثم الإمساك على ذلك، واجتماع عزمات وهموم المحب لربه ومحبوبه ومنتهى أمله ورجائه.

- ومن أجمع ما قيل في المحبة -كما قال الأمام الجنيد بعد أن أطرق رأسة ودمعت عيناه- ، قال: عبد ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله.

إذا غرست شجرة المحبة في القلب، وسقيت بماء الإخلاص ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ أثمرت أنواع الثمار، وآتت أكلها كل حين بإذن ربها.

أصلها ثابت في قرار القلب وفرعها متصل بالسماء.

وبمشيئة الله نستكمل الكلام عن منزلة المحبة في المقال القادم.

وصلّ اللهم وسلم على رسولك صلى الله عليه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com