الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

رسائل إلى من افتتن بفكر داعش والقاعدة

ارفق بني بنفسك وبأمتك، ولا تحملها ما لا طاقة لها به

رسائل إلى من افتتن بفكر داعش والقاعدة
محمد بن إبراهيم السعيدي
الاثنين ١٤ مارس ٢٠١٦ - ١٣:٥٠ م
1562

رسائل إلى من افتتن بفكر داعش والقاعدة

 

كتبه/ محمد بن إبراهيم السعيدي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

هذه رسائل إلى من افتتن بفكر داعش والقاعدة من أبنائنا أتمنى منهم قراءتها وإعمال عقولهم وقلوبهم فسينفع الله بها من ألقى السمع وهو شهيد، وبالطبع هي لا تناقش كل هذا الفكر بمنطلقاته وشبهاته وتطبيقاته، فذلك متعذر جمعه في مقال، لكنها في تقديري تساهم في التأسيس لطريقة مثلى في توجيه التفكير، منطلقة من فقه النصوص المحكمات لا ضرب المتشابه بالمحكم، أو تنزيل المجمل منزلة المبين.
فأولا: اعلم أن لك يا بني نفسا واحدة هي أنفس ما تملكه وأوجب ما أمرك الله تعالى برعايته فلا تهلكها فإن الأصل في شريعة الإسلام إحياء النفوس لا إهلاكها، ولذلك عظم الله أجر من أحيا نفسا، فجعل له أجر من أحيا الناس جميعا، وعظم وزر من أهلك نفسا فجعله كوزر من أهلك الناس جميعا، ولا يخفى عليك قوله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون) قال مجاهد: من قتل نفسا محرمة يصلى النار بقتلها، كما يصلاها لو قتل الناس جميعا “ومن أحياها”: من سلم من قتلها فقد سلم من قتل الناس جميعا. قال سليمان بن علي قلت للحسن: يا أبا سعيد: هي لنا كما كانت لبني إسرائيل؟ قال: إي والذي لا إله غيره ما كانت دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا.
لذلك يا بني لا تفوت نفسك ولا نفوس الآخرين إلا في يقين مثل عين الشمس في وضوحه، فإذا دعيت لأمر تهلك فيه نفسك أو نفس غيرك أقل من عين الشمس في وضوحه فلا تفعل، فإنك لن تعود إلى الحياة كي تراجع نفسك، ولن يعود المقتول إلى الحياة كي تصحح خطأك. فإذا دعيت إلى أمر أهل العلم على خلافه أو اختلف فيه العلماء أو يخالف مقاصد الشرع فاعلم أن أقل أحواله أنه من المشتبهات، فكيف تهلك نفسك في أمر مشتبه؟! واعلم أن نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم، نهى عن الوقوع في المشتبهات في الطهارات والبيوع ونحوها فكيف تقع فيها فيما فيه إتلاف نفسك ونفوس الآخرين ثم لا رجعة لك فيه، تأمل الحديث: (الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام)، فمن أقدم على إتلاف نفس من تلقاء نفسه وليس معه عليها سوى شبهة أمليت عليه، أو نص توهم أنه دليل على ما أقدم عليه، أو قول عالم فهمه على غير وجهه أو تبع ذلك العالم في زلته وترك قطعي النصوص لأجله فقد وقع في الحرام كما قال صلى الله عليه وسلم. ثم تذكر أمر نبيك صلى الله عليه وسلم، بدرء حدود الزنى والسرقة والقذف والحرابة بالشبهات قدر المستطاع فقال (ادرؤوا الحدود بالشبهات) و(ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم) وقد عمل أهل العلم بهذا الحديث بمجموع رواياته وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يؤيد معناه من أقوال وأفعال وما روي من آثار في ذلك عن السلف، حتى نقل ابن المنذر وغيره إجماع العلماء على درء الحدود بالشبهات. فإذا كان الحد يدرؤ في الجرائم التي لا تخرج الدين ولا يترتب عليها كفر صيانة من الشارع الحكيم للنفس فكيف بحد الردة عن الدين الذي دخل فيه العبد بيقين فلا يخرج إلا بيقين، فكيف والردة التي ترمون بها عباد الله وتقتلونهم بها إنما هي شبهة وقعت في نفوسكم، فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرأ الحد الثابت بالشبهة، وأنتم تثبتون حد الردة بالشبهة، ألا ترون بعد ما بينكم وبين نبيكم؟!
ثم اعلم يا بني أنك إن تصورت أن كل عالم لم يخرج على السلطان كان مرتدا، فما تقول بأئمة الأمة من عام 100هـ حتى اليوم لا يعرف منهم إمام من أئمة الإسلام خرج على السلطان بجميع ممالك الإسلام، منذ موقعة دير الجماجم سنة 82 حتى يومنا هذا، فهل أئمة الإسلام من ذلك الوقت حتى يومنا هذا مرتدون؟ أم أن ممالك الإسلام من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب، وخلال 13 قرنا لم ترتكب ما ترونه ناقضا من نواقض الإسلام؟! كلا الأمرين غلط، فحاشا أئمة الإسلام أن يكونوا مجمعين على الكفر ومن قال ذلك لزمه تكفير الأمة التي كانت تبعا لعلمائها كل تلك القرون، ولا يقول هذا إلا مغرور نسأل الله السلامة.
أما دول الإسلام عبر التاريخ فلو قلبنا تاريخ كثير منها لوجدنا حوادث منقول وقوعها في كل أطوارها أو بعضها بما يحسب نظريا من نواقض الإسلام ومع ذلك لم يخرج الأئمة عليها ولم يكفروا أكثرها، والسبب في ذلك أن تقرير أي قاعدة فقهية لا يعني صحة تطبيقها على الأعيان، فقولنا: السارق تقطع يده، والزاني يرجم، لا يعني أن نقطع أو نرجم كل من ظننا أنه سرق أو زنى، بل لا نفعل ذلك حتى لو رأيناه فعل ذلك، حتى تستكمل شروط القطع وشروط الرجم وتنتفي موانعهما، والأمر في الردة مثله بل أولى منه في الحكم. فمن أين أتى منظروكم بأن كل من ارتكب ناقضا صار لفوره كافرا مرتدا خارجا من ملة الإسلام مباح الدم والمال، هذا ما لم يقل به أحد!! بل حتى لو قال به أحد من العلماء أو حملتم كلام العلماء عليه فهو مردود لمخالفته فعل نبينا صلى الله عليه وسلم وفعل صحابته الكرام، فرسول الله لم يقتل من قال تعالى فيهم: (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) ولم يقتل من قال له: “اعدل يا محمد فإنك لم تعدل”، ولم يقتل من عصاه صلى الله عليه وسلم ورجع عن القتال يوم أحد، حيث خرج رسول الله بألف من المدينة للقاء المشركين، وانحاز عنه عبدالله بن أبي بما يقرب من 300 رجل، أليس هذا ناقضا من نواقض الإسلام؟ فلماذا لم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قويت شوكته وعظمت دولته؟ فيا بني تأمل معي: إن كنت تفكر في قتل أناس لأنهم بزعمك تركوا نصرة إخوانهم فالمنافقون انحازوا عن جيش الرسول صلى الله عليه وسلم في أحلك المواقف وقدر عليهم بعدها ولم يقتل واحدا منهم. وإن كنت تفكر في قتل أناس لأنهم بزعمك ناصروا الكفار، فالمنافقون ناصروا الكفار بشهادة القرآن عليهم ولم يقتلهم صلى الله عليه وسلم رغم قدرته عليهم، قال تعالى: (ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم)، فأي يقين بنصرة هؤلاء لأهل الكتاب أعظم من اليقين الحاصل بشهادة القرآن عليهم! إن كنت حقا تتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أقل من أن يقع في قلبك من ترك النبي قتل كل هؤلاء أنه ليس كل من ارتكب ناقضا يعد مرتدا وليس كل مرتد يقتل.
والدماء لا تراق إلا بأعظم يقين وأنٓى لك به في قتل موحد مصل صائم وما صان النبي سيفه عن دماء المنافقين إلا لحكم عظيمة، منها تعليمنا عظم حرمة دماء من أظهروا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلم يأخذهم النبي صلى الله عليه وسلم بعلمه الذي علمه الله إياه فيهم، بل عاملهم بما معه من أحكام الشريعة، شريعة العدل والرحمة، ومن هذه الأمور وأمثالها أخذ العلماء أن القاضي لا يرضي بعلمه، بل بما يتوفر له من البينات. واعلم رحمني الله وإياك وهدانا أن أحكام التكفير والردة ليست من مهمات الدين ولا من العلوم الضرورية للمسلم، بل من دقائق الفقه وعلوم خاصة العلماء، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يبين كيف يدخل الناس الإسلام وما يجب عليهم إذا دخلوا فيه ويعظم في نفوسهم شهادة التوحيد وحقوقها وفضلها بأقوال محكمة وبيان مفصل، لذلك جاءت نصوص الوحيين في التوحيد وعظم شأنه والقائمين به وحرمة أهله بينٓة لا تلتبس لأن الله أراد قيام حجته بها على الناس كافة. أما التكفير فلم يكن يبينه النبي صلى الله عليه وسلم لمن أسلم أو يخاطب العموم به، لذا جاءت نصوصه مجملة أو متشابهات، فالخطاب فيه هو للحكام وأهل الفقه والقضاء، استعرض لأجل التحقق من ذلك آيات الأمر بالإسلام كقوله تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلىٰ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون، فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع). وانظر إلى وضوحها وبيانها فيمن تتحقق له صفة الإسلام، لكنك لو سيرت آيات القرآن لن تجد هذا الوضوح في أحكام من يخرج من الدين ولك مثال بقوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) فهي مجملة في درجة التولي ومجملة في معنى منهم، ولأهل العلم كلام في معناهما وتنزيل الأحكام بهما على الأعيان. وكذلك لو سيرت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجدت دعوته للإسلام وتعظيم شهادة التوحيد في أقواله وأفعاله ثم في أقوال أصحابه وأفعالهم كل ذلك في غاية الوضوح والكثرة، ووجدت حكمة بتكفير من ثبت إسلامه في منتهى القلة.
فارفق بني بنفسك وبأمتك، ولا تحملها ما لا طاقة لها به، وتذكر دعاء المؤمنين: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com