السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

المنتهى والمآل

على العاقل محاسبة نفسه؛ ليكون قدوة في الخير في حياته وبعد مماته

المنتهى والمآل
إيهاب شاهين
الثلاثاء ٠٥ أبريل ٢٠١٦ - ١٢:٥٦ م
1040

المنتهى والمآل

كتبه/ إيهاب شاهين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
في خضم الطغيان المادي الذي نحياه قد يغفل الإنسان ويسهو عن منتهاه ومآله، وقد يظن البعض أن الحياة هي أرحام تدفع وأرض تبلع، والبعض قد يُظلم أو يُسلب منه حق، أو يجار عليه، فيحزن ساهيًا عن الموت والآخرة، وأن هناك بعثا وحسابا، وقليل من يعمل وعينه على الآخرة محتسبا ما يحدث له من آلام وأوجاع، ويعلم أن هناك حسابا وكتابا كُتب فيه كل ما يعمل. جاءت هذه الآية لتذكر الجميع بهذه الحقيقة الغائبة عن البعض، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}. فذكر الله تعالى أربعة أمور في هذه الآية، الأولي: إحياء الموتى، الثانية: كتابة ما عملوا من خير أوشر، الثالثة: كتابة آثارهم التي كانوا سببًا فيها في حياتهم وبعد مماتهم من خير ومن شر، الرابعة: وكلَّ شيء أحصيناه في كتاب واضح هو أمُّ الكتب، وإليه مرجعها، وهو اللوح المحفوظ. أما الأولى: فقد أمر الله -عز وجل- النبي -صلي الله عليه وسلم- بالقسم عليها في ثلاثة مواضع من القرآن، الأول: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} الثاني: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ}. الثالث: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ}. وقد أقسم الله تعالى في مواضع كثيرة على وقوع البعث، منها: قوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ}. ولذلك ذم الله المكذبين بالمعاد وتوعدهم بالضلال البعيد؛ فقال تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}. وقال تعالى {بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ}. وقد ذكر الله لنا أدلة مادية حسية؛ وقعت كلها لتدل على إحياء الموتى بعد مماتهم، وهذا برهان قطعي على القدرة الإلهية، رأى الناس ذلك بأعينهم حتى لا تبقى لمتشكك حجة، قال تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ}. الثاني قصة أصحاب الكهف، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}. ذكر الله عز وجل أن أحياهم بعد زمن طويل، قال تعالى {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا}. فهذه الأولى في هذه الآية لم يدع الله فيها مجالا لأحد أن ينكر وقوع البعث بعد الموت، ومحاسبة الناس علي أعمالهم. الثانية: كتابة ما عملوا من خير أوشر، وهي تجعل الإنسان على خوف ووجل، فكل ما يفعله المرء أو يقوله مدون مكتوب قول، لفظ، كتابة، نظرة. كل ما يصدر من الإنسان، { فِي كِتَابٍ  لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى}. {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.  {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. وكما قال الشاعر: "لا تكتب بكفك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه". الثالثة: كتابة آثارهم الحسية والمعنوية التي كانوا سببًا فيها في حياتهم وبعد مماتهم من خير ومن شر كالولد الصالح، والعلم النافع، والصدقة الجارية. ومن شر، كالشرك والعصيان، فالآثار الحسية كقول النبي صلي الله عليه وسلم: "دياركم تكتب آثاركم دياركم تكتب آثاركم". فإذا كان المسجد بعيدا عن بيت أحدكم فلا يحمل هم طول الطريق؛ فكل خطوة يخطوها إلى المسجد تكتب له عند الله عز وجل، كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: "كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها" وأما المعنوية فهي الأوزار التي يحملها الإنسان بعد موته بسبب شيئا سيئا تركه واقتدي الناس به، أو أضلهم كفيلم إباحي تركه ومات، ولم يتب، أو قصة بها شبهات وشهوات، وافتتن بها الناس، وفي هذا يقول تعالى {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}. ويقول النبي صلي الله عليه وسلم: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّة حَسَنَة كَانَ لَهُ أَجْرهَا وَأَجْر مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّة سَيِّئَة كَانَ عَلَيْهِ وِزْرهَا وَوِزْر مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة". وكذلك الولد الصالح الذي يتركه المرء بعد موته يكن سعيه في ميزان حسنات أبيه، كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: "أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه" فهنيئا لمن استعان بالله تعالى على تربية أولاده تربية صالحة، ولم يتركهم فريسة للإعلام المضلل أو أصحاب السوء. الرابعة: وكلَّ شيء أحصيناه في كتاب واضح هو أمُّ الكتب، وإليه مرجعها، وهو اللوح المحفوظ ، فلا شيء يضيع أو يذهب حتى الذي لا يتذكره الإنسان مما فعله مدون ومكتوب؛ حتي لا يكون هناك حجة لأحد عند الله، فعلى العاقل محاسبة نفسه؛ ليكون قدوة في الخير في حياته وبعد مماته. والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة