السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

سلسلة سمات المنهج الإصلاحي -3

مراعاة السنن

سلسلة سمات المنهج الإصلاحي -3
محمد إبراهيم منصور
الاثنين ٢٥ أبريل ٢٠١٦ - ١١:٢٦ ص
1671

سمات المنهج الإصلاحي (3)

مراعاة السنن 

كتبه/ محمد إبراهيم منصور 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛


السنة: هي العادة في الأشياء المتماثلة، ومنه أسنان المشط، فهي تسير على منوال واحد قال الله عز وجل: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا﴾.
والإصلاح مراد شرعي لله عز وجل، وهو قادر على أن يقول: "كن فيكون" لكنه جعل له سننا لا بد أن تراعى. فمن عرف تلك السنن وعمل بمقتضى معرفته؛ استبانت له معالم طريق الإصلاح، وصبر على صعابه، وتجاوز بنجاح ما يعترضه من عقبات، هي في الحقيقة من سمات هذا الطريق بل هي بعض سننه.
والإشكالية الكبرى عند كثير من الشباب، وكأنه لا يرى ولا يعلم أو لا يحب أن يعلم إلا سنة واحدة وهي -خاتمة السنن وليست أولاها- "سنة العاقبة" فبمجرد أن يرى من نفسه بعض الانتظام في طريق الصلاح والإصلاح حتى يقول: أين العاقبة؟ أين ما وعد الله به؟ ألم يقل الله والعاقبة للمتقين؟
فإذا لم يجد تحقق ما أراد فإما أن ييأس ويحبط، وإما أن يتهور ناسيًا أو متجاهلًا أنه لكي يصل إلى هذه السنة سنة العاقبة لا بد من المرور بسنن أخرى. 
ومن هذه السنن سنة الابتلاء والاختبار: 
فإن الإنسان من حيث هو إنسان مبتلى ومختبر، مطيعا كان أو عاصيا، يقول الله: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾.
فعلى الإنسان العاقل أن يصبر على الابتلاء في طريق الإصلاح والصلاح ليكون أمره كله له خير، "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له". 
ومن سنة الله تعالى أن أهل الإصلاح والصلاح يبتلون: 
قال الله تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ ومن رحمة الله تعالى أن البلاء يكون على قدر طاقة الإنسان وتحمله، فعلى الإنسان أن يصبر ويدفع البلاء بالطاعة والصبر والأخذ بالأسباب المستطاعة، ليتجاوز ذلك الاختبار، فإذا تجاوزه الإنسان ارتقى درجة من درجات العبودية، وهكذا يرتفع درجة درجة؛ لكن لا يجوز للإنسان ولا يحق له أن يجلب البلاء على نفسه، ويقول: إن المؤمن مبتلى. فالأصل دفع البلاء، فإن جاء فالصبر عليه حتى يندفع. 
ومن السنن أيضا سنة التدافع بين الخير والشر وبين الصلاح والفساد وبين المصلحين والمفسدين:

يقول الله عز وجل: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ وسنة التدافع على ثلاث مراتب: 
مرتبة الإعذار ومرتبة التأثير ومرتبة التغيير 
فمرتبة الإعذار: أن تتكلم بالصلاح والإصلاح ولا تجد من يمتثل: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾. فمع أنهم يعلمون أنهم لا يستجيبون، مع ذلك تكلموا بالإصلاح؛ معذرة إلى الله عز وجل، ولعلهم يجدون يوما من يسمع. 
المرتبة الثانية: وهي مرتبة التأثير: بأن يجد أهل الإصلاح من يتأثر ويقتنع بالفكرة، وشيئا فشيئا يتبناها ويزداد من يتبنونها شيئا فشيئا، حتى تصل إلى التغيير.

المرتبة الثالثة: مرتبة التغيير: فتصبح الفكرة الإصلاحية هي الظاهرة، والتي يتبناها أكثر الناس بعد أن لم يكن أحد يستمع أو يستجيب لأهلها في مرتبة الإعذار. 
سنة التداول: 
قال الله عزو جل: ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُها بَينَ النَّاسِ﴾. فأحيانا تكون للمفسدين وأحيانا تكون للمصلحين.
العلاقة بين المصائب والمعاصي: 
فما نزل بلاء إلا بذنب، قال عز وجل: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾. وقال: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا. ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم. ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا. ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم. وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم".
فعلى المصلحين أن يعملوا على تقليل المعاصي والفساد قدر طاقتهم؛ ليكثر الخير والصلاح ويقل الشر والفساد؛ ليصلو إلى السنة التي تلي ذلك وهي سنة التغيير:

قال الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾. وقال: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ فعلى أصحاب المنهج الإصلاحي أن يعملوا على تعظيم الخير والصلاح، وتقليل الشر والفساد وبذل الوسع وعدم التعجل بالنتائج إنما تعبدهم الله عز وجل بالعمل والأخذ بالأسباب ولم يتعبدهم بالنتائج.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com