ثلاثية القرظي والعقوبة في الدنيا
كتبه/
علي حاتم
الحمد لله، والصلاة
والسلام على رسول الله، أما بعد؛
أورد ابن كثير رحمه
الله في تفسيره لسورة فاطر قوله محمد بن كعب القرظي رحمه الله: «ثلاث من فعلهن لم
ينج حتى ينزل به: مَن مكر أو بغى أو نكل، وتصديقها في كتاب الله تعالى: {وَلَا
يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}، {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى
أَنْفُسِكُمْ}، {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}».
أما عن الخصلة
الأولى وهي المكر السيء فقد قرنه الله عز وجل بالاستكبار في الأرض فقال: {اسْتِكْبَارًا
فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ}، ومعناه أنهم أنفسهم استكبروا عن اتباع آيات
الله ولم يكتفوا بذللك بل مكروا بالناس فصدوهم عن سبيل الله فكانت العاقبة المشينة
حيث قال عز وجل: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}، اي إنما
وبال ذلك المكر لا يعود إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم.
وأما عن الخصلة
الثانية وهي البغي فقد قال عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ
عَلَى أَنْفُسِكُمْ}، وجاءت هذه الآية في سورة يونس في سياق الحديث عن أولئك الذين
يسيرهم الله عز وجل في البحر فيحفظهم بحفظه ويكلؤهم برعايته وحراسته {إِذَا
كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا}،
أي بينهما هم كذلك يسيرون مطمئنين فرحين {جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ
الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} أي ظنوا أنهم
هلكوا {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي أنهم أفردوه بالعبادة
فالدعاء هو العبادة كما قال صلى الله عليه وسلم، ولم يشركوا معه أحدا {لَئِنْ
أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ} أي من هذه الحال {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} أي
من المطيعين لك الذين يفردونك بالعابدة والتوحيد ويخلصون لك بالدعاء، قال عز وجل:
{فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ} أي من تلك الكارثة {إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ
بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي كأن لم يحدث لهم شيء {كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ
مَسَّهُ}، ثم قال عز وجل موضحا عاقبة ذلك البغي: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ
عَلَى أَنْفُسِكُمْ} أي إن عاقبة هذا تعود عليكم أنتم، تذوقون ضرره ووباله وحدكم
ولا يعود على غيركم.
واستدل ابن كثير في
هذا الموضع بالحديث: «ما من ذنب أجدر من أين يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما
يدخر الله لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم».
وأما الخصلة الثالث
وهي نكث لعهد، فذلك قوله عز وجل: { فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى
نَفْسِهِ}، والآية في سورة الفتح نزلت يوم بيعة الرضوان، ولكن العبرة ليست بخصوص
السبب بل بعموم النص، فكل من عاهد الله عهدا وجب عليه الوفاء به، قال عز وجل: {وَمَنْ
أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}، أما من
نكث فإنما ينكث على نفسه حيث وبال ذلك على الناكث وحده، والله عز وجل غني عنه.
موقع أنا السلفي
www.anasalafy.com