الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

هل حقا تحبه و تشتاق اليه ؟!

وجب على كل عاقل لبيب محب ألا يفارق أي عمل يقربه إلى ربه الذي أحبه وتفضل عليه بنعمه الكثيرة

هل حقا تحبه و تشتاق اليه ؟!
مصطفى خطاب
الخميس ٢٣ يونيو ٢٠١٦ - ١٥:١١ م
1483

هل حقا تحبه و تشتاق اليه ؟!

كتبه/ مصطفى خطاب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

كثيرا ما نرى أن المحب دائم الشوق للقاء من يحب ويأنس به و بكلامه، وما إن يتركه لحظات حتى يغلبه الشوق والحنين اليه مرة اخرى؛ لذا فقد ذكر رب العزة جل وعلا في كتابه الكريم عن حال موسى عليه السلام وكيف كان حبه و شوقه الدائم لمناجاة ربه وكلامه فقال تعالي: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَىٰ * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ }

ففي هذه الآيات يظهر جليا مدى شوق موسى عليه السلام  وحبه للقاء ربه ومناجاته، فبعد أن نجاه الله من فرعون وجنده وفد موسي وقومه إلى طور سيناء بوعد الله لهم واشتاق إلى ربه وطالت عليه المسافة من شدة الشوق إلى الله تعالى ، فضاق به الأمر، فلم يصبر حتى خلفهم ومضى وحده ؛ فلما وقف في مقامه قال الله تبارك وتعالى: وما أعجلك عن قومك يا موسى؟ فبقي -صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم- متحيرا عن الجواب وكنى عنه بقوله: هم أولاء على أثري، وإنما سأله السبب الذي أعجله بقوله: ما؟ فأخبر عن مجيئهم بالأثر، ثم قال: وعجلت إليك رب لترضى؛ فكنى عن ذكر الشوق وصدقه إلى ابتغاء الرضا . فعن قتادة قال في قوله: وعجلت إليك رب لترضى، قال: شوقا

قال ابن عباس: كان الله عالما ولكن قال "وما أعجلك عن قومك" رحمة لموسى وإكراما له بهذا القول، وتسكينا لقلبه، ورقة عليه؛ فقال مجيبا لربه: هم أولاء على أثري .

فكان هذا عهد موسى دائما بربه، محبا مشتاقا مستأنسا بلقائه وكلامه كما في قوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ}

و انما سأل الرب جل وعلا موسى عليه السلام عما بيمينه إيناسا له، وتظهر علامات المحبة والشوق في إجابة موسى عليه السلام؛ حيث إنه أطال في الاجابة وزاد عما يسع الرد به، انها عصا؛ فأخذ يذكر استعمالاته له من توكإ عليها والاستخدام في رعاية الغنم، بل ولم يكتف بذلك بل قال: ولي فيها مآرب اخرى، إطالة للحديث.

هذا هو حال المحب الصادق؛ وقد يتساءل البعض: هذا موسى عليه السلام كليم الله  فأنى لي بمثله؟؛ هنا يأتي الجواب سريعا قاطعا واضحا فيما رواه الامام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين}. قال الله تعالى: حمدني عبدي وإذا قال: {الرحمن الرحيم}. قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال: {مالك يوم الدين}. قال: مجدني عبدي- وقال مرة: فوض إلي عبدي- فإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين}. قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}. قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)).

ولذا فإذا أردت يا محب أن تكلم ربك فلتدخل في الصلاة، وعلى قدر محبتك وشوقك تكون صلاتك ومناجاتك واستئناسك به، وإن أردت أن يكلمك ربك فلتقرأ كتابه العزيز .

وإلا؛ فكيف لمدعي المحبة والشوق ألا يكلم أو يناجي من يحب ؟!

كيف به يهجر كتاب الملك العزيز ويعرض عن كلامه قراءة وسماعا وتدبرا وعملا ؟! إن هذا لأمر عجاب !!!

لن تجد محبا صادقا إلا وكان شعاره: (وعجلت إليك ربِّ لترضي)

عجلت إليك في كل أمري، وابتدرت أمرك وطاعتك في كل ما تحبه ويقربنى إلى حبك، وكذلك فارقت كل ما تكره، وانتهيت عما نهيتني عنه؛

فمن عرف ذلك والتزم؛ كان له من العطاءات ما يفوق ما يفعل جزاءً وفاقا من الله الكريم؛ فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني؛ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منه، وإن اقترب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن اقترب إلي ذراعا اقتربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة)

فهنيأ لمن ذكر ربه بذكر الملك الجليل .

و كذا قوله: (ما تقرب إلي عبدي بشئ أحب إلي مما أفترضته عليه، ولا يزال يتقرب إلي عبدى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ولئن سألنى لأعطينه .......)

لذا وجب على كل عاقل لبيب محب ألا يفارق أي عمل يقربه إلى ربه الذي أحبه وتفضل عليه بنعمه الكثيرة؛ نسأل الله أن يجعلنا ممن اصطفاهم بهدايته وعبادته ومحبته.

اللهم اجعل ما نقوله ونسطره زادا إلى حسن المسير إليك وعتادا إلى يمن القدوم عليك، إنك بكل جميل كفيل وأنت حسبنا ونعم الوكيل، وصلّ اللهم وسلم و بارك على عبدك ومصطفاك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة