الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

بينَ زراعة العُقولِ وزراعة الحُقولِ

يجب على علماء الامة عامة، وعلماء الدعوة خاصة، تربية الشباب والرجال والنساء، على هذه المعاني الإيمانية، والعقيدة الصحيحة، والأخلاق النبوية

بينَ زراعة العُقولِ وزراعة الحُقولِ
جمال فتح الله
الخميس ١٨ أغسطس ٢٠١٦ - ١٥:٠٦ م
1251

بينَ زراعة العُقولِ وزراعة الحُقولِ

كتبه/ جمال فتح الله

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

قال السعدى رحمة الله تعالى: «أي: ليعن بعضكم بعضًا على البرِ. وهو: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوق الله وحقوق الآدميين.

والتقوى في هذا الموضع: اسم جامع لترك كل ما يكرهه الله ورسوله، من الأعمال الظاهرة والباطنة. وكلُّ خصلة من خِصال الخير المأمور بفعلها، أو خصلة من خصال الشر المأمور بتركها، فإن العبدَ مأمور بفعلها بنفسه، وبمعاونة غيره من إخوانه المؤمنين عليها، بكل قول يبعث عليها وينشط لها، وبكل فعل كذلك.

{وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ} وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها، ويحرج. {وَالْعُدْوَانِ} وهو التعدي على الخَلْق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه. {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} على من عصاه وتجرأ على محارمه، فاحذروا المحارم لئلا يحل بكم عقابه العاجل والآجل». أ هـ

 وقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

قال ابن عثيمين رحمة الله: «فهذه الآيات وأمثالها كلها تدل على أن الإنسان ينبغي له أن يكون داعيًا إلى الله ولكن لا يمكن أن تتم الدعوة إلا بعلم الإنسان بما يدعو إليه؛ لأن الجاهل قد يدعو إلى شيء يظنه حقًا وهو باطل، وقد ينهى عن شيءٍ يظنه باطلًا وهو حق، فلا بد من العلم أولًا فيتعلم الإنسان ما يدعو إليه». أ هـ

الناظر في هذه الحياة الدنيا بعين البصيرة، ويتدبر أحوال البشر، وكثرة المجالات وتنوع الأعمال، والوظائف، يرى عَجبًا عُجابًا من أنواع الزراعات المختلفة؛ من نافع، وضار، والكل يجتهد ف زراعته، ويرجو من ورائها الربح الكثير، ونحن نقر بالنافع المفيد للمجتمع، وننكر على الضار، وهناك تطور وتقدم في الآلات الزراعية، كما هناك تطور في إنضاج الثمرة، ببعض الهرمنة وغيرها، وهذا بلا شك فساد في الأرض (الهرمنة).

وهناك من يزرع زراعات تدمر الشباب من مخدرات وغيرها، وهذا فساد في المجتمع، يجب منعه.

لكن الأخطر من ذلك فساد العقول، الزراعة في العقول، زراعة العقائد الفاسدة، والأفكار المنحرفة، والمناهج المعوجة، والتعصب المقيت المذموم، والبدع الضالة.

أخطر شيء على الإنسانِ احتلال عقله، لأنه مناط التكليف، من هذه العقائد الفاسدة، والأفكار المنحرفة، وهذا يحتاج سنوات طويلة لكي يصل هذا الغازي بعقيدته وأفكاره السامة إلى المجتمع والشباب خاصة.

 المتبصر في المجتمع يَرى عجبًا؛ عقائد فاسدة وصلت بكثير من الشباب إلى الانحراف عن الجادة، واعتناق هذه العقائد، والأفكار المنحرفة، رأينا داعش وأخواتها، والأفكار الشيعية، والصوفية كيف انحرفوا بكثير من الشباب الجاهل، المتحمس بدون ضوابط شرعية، ولا علوم شرعية تحميه من هذه الأفكار.

وبلا شك أن تطهير الأرض وإجلاء العدو عنها لا يحتاج إلى فترة طويلة من الزمن، لكن الأخطر والأصعب، تطهير العقول من هذه الأفكار المنحرفة، يحتاج زمن طويل، وفريق من العلماء المخلصين، ومن حَرسِ الحدود المتيقظين، وتعاون على البر والتقوى.

كما قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدَىً، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أجُورِ مَنْ تَبِعَه، لاَ يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ أجُورِهمْ شَيئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيهِ مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيئًا». رواه مسلم

وقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أجْرِ فَاعِلِهِ». رواه مسلم

وكل هذا من أجل تنقية عقول الشباب، من كل فساد وانحراف، وزرع العقائد الصحيحة في عقول هؤلاء، لكي تنهض الأمة من رقدتِها، لنرتقي بهم من الحضيض إلى القمة، ومن البدعة إلى السنة، ومن الجهل إلى ساحة العلم، ومن استحلال الدماء والأموال، إلى حرمة الدماء والأموال والأعراض.

كما ربى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة الأفاضل، على القرآن والسنة والأخلاق الحسنة لأن القرآن يزرع الإيمان في القلوب، والأعمال الصالحة تزيد الإيمان.

قال الله تعالى في حق صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}.

قال السعدى رحمة الله تعالى: وأما مثلهم في الإنجيل، فإنهم موصوفون بوصف آخر، وأنهم في كمالهم وتعاونهم {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ} أي: أخرج فراخه، فوازرته فراخه في الشباب والاستواء.

{فَاسْتَغْلَظَ} ذلك الزرع أي: قوي وغلظ {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} جمع ساق، {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} من كماله واستوائه، وحسنه واعتداله، كذلك الصحابة رضي الله عنهم، هم كالزرع في نفعهم للخلق واحتياج الناس إليهم، فقوة إيمانهم وأعمالهم بمنزلة قوة عروق الزرع وسوقه، وكون الصغير والمتأخر إسلامه، قد لحق الكبير السابق ووازره وعاونه على ما هو عليه، من إقامة دين الله والدعوة إليه، كالزرع الذي أخرج شطأه، فآزره فاستغلظ، ولهذا قال: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} حين يرون اجتماعهم وشدتهم على دينهم.

قال أبو بكر الجزائري رحمه الله تعالى: (صفة أصحاب رسول الله في كل من التوراة والإِنجيل ترفع من درجتهم وتعلي من شأنهم). وقال: (بدأوا قليلين ثم أخذوا يكثرون حتى كثروا كثرة أغاظت الكفار).

الذي يقرأ في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتدبر في طريقته في غرس العقيدة الصحيحة في نفوس أصحابه، وتربيتهم التربية الصحيحة، على القرآن الكريم وتدبره وفهم معانيه، والاستفادة من قصصه، والعمل بأوامره والانتهاء بنواهيه، والوقوف عند حدوده، وهذا من أفضل وأرقى وأنفع المناهج في صناعة الرجال، وإعداد القادة، وتدريب المجاهدين، وثقل عقول العلماء، وتزكية نفوسهم بالعباداتِ والطاعاتِ، وتطهير قلوبهم بالتوحيد، وهذا هو المطلوب في بناء الشخصية المسلمة.

وكذلك علَمهم السنة والحكمة، وغرس في نفوسِهم الأخلاق الحسنة، والرفق، والرحمة، والعدل، وكل خُلق جميل، غرس في نفوسِهم حب الجهاد، والبذل والعطاء، وقضاء الأوقات في طاعة الله تعالى، وخدمة هذا الدين، بالدعوة إليه بالأنفس والأموال والأوقات، وهم كانوا على قدر المسئولية، رهبانًا بالليل، فرسانًا بالنهار، كانوا أفضل من حواري عيسى عليه السلام، لذلك مدحهم الله تعالى فقال: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}.

وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} هذه الآية في الأمة عامة وفيهم خاصة.

ولذلك أثنى عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم -قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثا-، ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن».

جيل الصحابة جيل فريد من نوعه، ومع ذلك لو تمسك المسلمين بدينهم وعملوا بالكتاب والسنة، بفهم الصحابة، لكان خيراً لهم، ولأخذ كل واحد منهم أجر خمسين من الصحابة، وهذه بشهادة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

هكذا يجب على علماء الامة عامة، وعلماء الدعوة خاصة، تربية الشباب والرجال والنساء، على هذه المعاني الإيمانية، والعقيدة الصحيحة، والأخلاق النبوية، وغرس كل الفضائل في عقولهم، وتزكية نفوسهم بالفرائض ثم النوافل، ليكون الاسلام منهج حياة، لنصلح الزمان والمكان، ونحمى المجتمع، ونحافظ على حرمة الدماء والأموال والأعراض.

قال الله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ}.

والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

نطهر صيامنا (2)
71 ١٢ مارس ٢٠٢٤
نطهر صيامنا (1)
66 ٠٤ مارس ٢٠٢٤
إنما الحلم بالتحلم (1)
47 ٣١ يناير ٢٠٢٤
لا تحمل همًّا!
98 ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٣
محطات تطهير!
96 ١٩ يونيو ٢٠٢٣