الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

قوة الإيمان خير من قوة الأبدان

الفارق بيننا وبينهم أن الدنيا كانت في أيديهم ولم تكن في قلوبهم

قوة الإيمان خير من قوة الأبدان
إيهاب شاهين
السبت ٢٦ نوفمبر ٢٠١٦ - ١٢:٢٧ م
1031

قوة الإيمان خير من قوة الأبدان

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

المتأمل لجيل الصحابة -رضوان الله عليهم- هذا الجيل الفريد الذي فتح الله على يديه قلوب البلاد والعباد؛ يرى فرقًا واسعًا وبَونًا شاسعا بيننا وبينهم، وما كان هذا الفرق ليقاس بأمور مادية أو اقتصادية أو اجتماعية، وإنما كان هذا الفرق فيما وَقَر في قلوبهم وأثّر في جوارحهم؛ لذلك يقول المُزني رحمه الله: لم يسبق أبو بكر بكثير صلاةٍ ولا صيامٍ -مع أنه كان له قدم السبق في ذلك- ولكن سبق بشيئ وَقَر في صدره.

وهكذا الفارق بيننا وبين كل الصحابة -رضي الله عنهم-، سبقوا بما في قلوبهم من توَكّلٍ ويقينٍ وإخباتٍ، مع سبقهم وتفردهم في العبادات الظاهرة.

والذي يستقرئ عَيْشَهم يرى عجبا، وسأسوق حديثا ذكره الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في ذلك المعنى، حتى تعلم أن قوة الإيمان خير من قوة الأبدان؛ روى الإمام البخاري وغيره من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (والله الذي لا إله غيره، لقد رأيتُني أعتمد على كبدي من الجوع، ولقد وقفتُ في طريقهم يوماً فمَرّ بي أبو بكر -رضي الله عنه- فسألته عن آية من كتاب الله وإنها لَمَعي، ما سألته إلا رجاءَ أن يستتبعني، -وفي رواية قال: إلا رجاءَ أن يشبعني- فأجابني وانصرف، فمَرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله وإنها لَمَعي، ما سألته إلا رجاءَ أن يستتبعني -وفي رواية: يشبعني- قال: فمَرّ ولم يفعل، قال: حتى جاء أبو القاسم -صلى الله عليه وآله وسلم- فنظر في وجهي فعرف ما بي؛ فتبَسّم وقال: أبا هر ! الحَقْ بنا، قال: فانطلقت معه حتى دخل الدار مع بعض أصحابه، فوجد قَدَحاً فيه لبن، فقال: من أين هذا؟ فقالوا: أهداه لك فلان الأنصاري، فقال: يا أبا هر ! الحق بأهل الصُفّة فادْعُهم يَشْركوننا في هذا اللبن، قال: فأحزنني ذلك؛ لأنني رجوت أن أشرب شَرْبة أقيم بها صُلبي، وما يفعل هذا اللبن في أهل الصفة، وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون إلى أهل ولا مال، ولم يكن من طاعة الله ولا طاعة رسوله بُدٌّ، فانطلق أبو هريرة -رضي الله عنه- ودعا أهل الصُفّة، قال: وقد أحزنني أيضاً أنني دعوتهم فسأكون آخرهم شرباً، ولم يكن من طاعة الله ولا طاعة رسوله بُدٌّ، فجاءوا فجلسوا، فوضع -صلى الله عليه وسلم- يده على الإناء وسمى الله -تبارك وتعالى-، ثم قال: أبا هر ! اسْقِهم، قال: فأعطيت الأول فشرب حتى رَدّه، فأخذتُه فأعطيتُه الثاني، فشرب ورَدّه، فأخذته فأعطيته الثالث.. وهكذا، حتى شربوا جميعاً واللبن كما هو، قال: فلما وصلت إليه -صلى الله عليه وسلم- نظر إليّ وتبَسّم، وقال: أبا هر ! لم يبق إلا أنا وأنت، قلت: صدقت يا رسول الله، قال: أبا هر ! اقعد قال: فقعدت، قال: اشرب، فشربت، ثم قال: اشرب، فشربت، ثم قال: اشرب اشرب، حتى قلت: والذي بعثك بالحق لا أجِدُ له مَسْلَكاً، فقال: أَرِني، فسمى الله تبارك وتعالى، وشرب الفَضْلَة).

وكذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- تقول عائشة -رضي الله عنها-: (لقد مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يشبع من خبز الشعير).

ومع ذلك كانوا أصحاب عِزّة نَفْس، مع فقرهم الشديد، حتى الغني منهم كان صاحب زهد؛ فمخطئ من يظن أن قوة البدن تأتي من جَودةِ الطعام أو وَفْرَتِه، فلقد كان القليل يكفيهم؛ لأنهم علموا أنهم ما خُلِقوا ليأكلوا ويتمتعوا بالحياة الدنيا فقط، إنما يأكلون ليعيشوا ويحققوا الغاية التي من أجلها خُلِقوا، إصلاح الدنيا وسياستها بدين الله -تعالى-، ومع كل ما كانوا فيه من معاناة كانوا أصحاب نفوس أَبِيّة وسخاء وكرم منقطع النظير.

فالفارق بيننا وبينهم أن الدنيا كانت في أيديهم ولم تكن في قلوبهم؛ لذلك كان الواحد منهم مستعِدّاً أن يضحي بالدنيا كلها في ساعة فِداءً لله -تبارك وتعالى-، ولا يندم عليها، لذلك ما هُزِموا أبداً، وظلّوا سَادَةً حتى ماتوا.

الحديث عن صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- ذو شجون ولا ينتهي، وكأنهم أناسٌ ليسوا من البَشَر، ولكنهم بَشَر عاشوا في الدنيا مثلَنا، بل إنهم لاقوا من العناءِ أكثرَ مما عانَيْنا؛ فتشبهوا إن لم تكونوا مثلَهم فإن التشبه بالصالحين فلاح. والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة