السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

القرآنيون

هل يا ترى -بعد هذا الأمر- من الممكن أن ننحي السُنّة جانبًا كما يريد القرآنيون؟

القرآنيون
إيهاب شاهين
الاثنين ١٩ ديسمبر ٢٠١٦ - ١١:١٥ ص
1769

القرآنيون

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد..

قد يظن البعض عند إطلاق هذا الاسم أنهم من لهم اهتمام بالقرآن -سواء بحفظه أو العمل به، أو العناية به ببيان المحكم من المتشابه وكيفية رد المتشابه إلى المحكم، وكيفية تفسيره من خلال آيات القرآن والسُنّة النبوية وأقوال الصحابة الصحيحة الثابتة- قد يظن البعض أنهم المعنيون بذلك؛ وإذا كانت الإجابة أنهم ليسوا من اتصف بما ذكرت، فإذا: من يكونون وماذا يعتقدون؟

"القرآنيون" اسم صار علما على طائفة تكتفي بالقرآن كمصدر للتشريع والإيمان، مع ترك مصادر التشريع الأخرى كالسُنّة النبوية والإجماع والقياس الجلي، فضلا عن أقوال الصحابة -رضي الله عنهم-، ولم يكتفوا بالترك لهذه المصادر بل صاروا يطعنون في حجّيتها وعدم الأخذ بها، وينكرون الناسخ والمنسوخ في القرآن -وهذا يحتاج إلى تفصيل- فضلًا عما قاموا به من هجمات غرضها إسقاط الدين بالكلية -شعروا أم لم يشعروا- بإنتقاصهم نَقَلة الدين إلينا عن طريق الإسناد -كالبخاري ومسلم وغيرهما- وكما قال سفيان -رحمه الله-: "الإسناد من الدين و لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء".

إذا كان هؤلاء بهذه الأوصاف المذكورة؛ فكيف إذن يفسرون القرآن؟!

قبل الإجابة على هذا السؤال، لابد من معرفة منهج العلماء الراسخين في كيفية تفسير القرآن الكريم:

        أولًا: تفسير القرآن بالقرآن.

        ثم تفسير القرآن بالسُنّة الصحيحة، وسوف نكر بعد ذلك لماذا يفسر القرآن بالسنة؟

        ثم بالمأثور من أقوال الصحابة في تفسير آية.

        ثم باللغة العربية التي نزل بها القرآن.

هذا -على سبيل الإجمال- منهج المفسرين عند تفسير القرآن.

أما هؤلاء القرآنيون فمنهجهم منهج عقلي يعتمد على فهم القرآن بالقرآن، ويرفضون كلمة تفسير القرآن؛ حيث يعتقدون أن التفسير يكون للشيء الغامض أو المُعقّد بينما القرآن مُيَسّر للفهم والتدبر -كما هو مذكور في القرآن نفسه- ولهم في ذلك أدلة يستشهدون بها على ما زعموه منهجا، كقول الله تعالى: "مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ"، وكقوله تعالى: "وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا"؛ فالله هو الذي يفسر وليس غيره، حسب زعمهم.

وللإجابة على ما زعموه، لابد من معرفة منزلة السُنّة من القرآن، حتى يظهر هل ما قالوه افتراء أم فيه شيء من الصحة؟

يقول تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)، وقال تعالى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) -يعني السُنّة-.

ولذلك كانت السُنّة مع القرآن على درجات:

        الأولى: أن تكون السُنّة مؤكدة ومقررة لحكم ثبت في القرآن.

ومن ذلك: وجوب الصلاة والزكاة والحج والصوم. قال تعالى:"  وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ"، وقال تعالى: " وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ"، وقال تعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ" ، وقال عليه الصلاة والسلام: "بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان .

        الثانية: أن تكون السُنّة مُبيِّنة للقرآن، وهذا البيان على أوجه :

1-      تفصيل السُنّة لمجمل القرآن؛ كبيان النبي -صلى الله عليه وسلم- بفعلِه لعدد ركعات الصلاة وكيفيتها، وبيانه بقوله لمقدار نصاب الزكاة، وبفعلِه لأفعال الحج.

2-      تخصيص السُنّة لعمومات القرآن، ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ"  فالميتة والدم من ألفاظ العموم، فالميتة: تشمل ميتة البرّ وميتة البحر ، فيدخل في ذلك السمك الميت والجراد الميت، والبقر الميت، والغنم الميت . .  إلخ . وكذا الدم: يشمل كل دم، سواء دم إنسان أو حيوان.

وقد خصصت الآية بحديث ابن مسعود: "أُحِلّت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان فهما السمك والجراد، وأما الدمان فهما الكبد والطحال".

 

 

 

3-      تقييد السُنّة لمطلق القرآن، ومن أمثلة ذلك : قال تعالى:" وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا"؛  فاليد في الآية مُطلَقة، يجوز قطعها من مفصل الكف أو من المرفق أو من الكتف، فجاءت سُنّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الفعلية وبينت أن اليد تقطع من مفصل الكف (الرسغ)، فقيدت بذلك مطلق اليد.

 

 

 

4-      أن تبين السُنّة القرآن، ومن أمثلة ذلك : قال تعالى: "وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ"؛ بينت هذه الآية بعض المحرمات من الرضاعة، ثم ألحق النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأم والأخت من الرضاعة سائر القرابات اللواتي يحرُمن بالنسب، فقال -صلى الله عليه وسلم-:  "يحرُم من الرضاع ما يحرُم من النسب".

5-      توضيح السُنّة لمشكل القرآن، ومن أمثلة ذلك: قال تعالى:  "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ".

وقد أشكل على الصحابة -رضي الله عنهم- معنى كلمة (ظلم) فقالوا: وأينا لا يظلم نفسه فبين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن المراد بالظلم في الآية الشرك .

 

 

 

        الثالثة : أن تزيد السُنّة على الحكم الذي ثبت بالقرآن.

ومن أمثلة ذلك: قال تعالى: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ"؛ جعلت الآية عقوبة الزاني الأعزب مائة جلدة، ثم جاءت السُنّة وزادت على هذه العقوبة تغريب عام، فقال -صلى الله عليه وسلم-:  "البكر بالبكر جلد مائة ونفي سَنة".

 

 

 

        الرابعة: أن تكون السُنّة مُثبِتة ومُنشِأة حكمًا سكت عنه القرآن.

ومن أمثلة ذلك: تحريم الكلاب والحمير والسباع والنسور؛ فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي ومخلب من الطير، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية، فإنه رجس من عمل الشيطان". رواه البخاري ومسلم.

فهل يا ترى -بعد هذا الأمر- من الممكن أن ننحي السُنّة جانبًا كما يريد القرآنيون؟

فمن ينكر السُنّة كيف يصلي الصلوات الخمس وأعدادها ليست في القرآن؟! وكيف يزكي ويحج؟!

ولهذا الأمر مزيد بيان في مقالات لاحقة بإذن الله، والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة