الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الأهداف الثلاثة اليومية لطلاب السعادة الأخروية والدنيوية

كل هذا يزيد مِن حاجة المسلم إلى تحصيل العلم النافع الذي يحميه مِن هذه الشبهات المتدافعة عليه مِن كل صوب وناحية

الأهداف الثلاثة اليومية لطلاب السعادة الأخروية والدنيوية
محمود عبد الحفيظ البرتاوي
الخميس ٢٢ ديسمبر ٢٠١٦ - ١١:٠٩ ص
991

الأهداف الثلاثة اليومية لطلاب السعادة الأخروية والدنيوية

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فما أكثر التحديات والشبهات المعاصِرة التي يتعرض لها الفرد المسلم في تلك الآونة -بل والأمة المسلمة ككل-؛ ليس فقط في أوقات محدودة، بل ربما كانت على مدار اليوم والساعات؛ سواء تلك التحديات والشبهات المتعلقة بالجانب العلمي الاعتقادي المتمثل في محاولات أعداء الأمة "في الداخل والخارج" بعث المناهج المنحرفة مِن سباتها العميق -أو إن شئتَ قلتَ مِن مدافنها-؛ إذ يُفسح المجال للطاعنين في الدين، ويُسلَط الضوء على العقائد المخالفة لمنهج أهل السُّنة والجماعة مِن الشيعة وغلاة الصوفية؛ بل ولمن يزعم عدم لزوم اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- وعدم لزوم الإقرار برسالته! أو تلك الشبهات المتعلقة بالسعي الحثيث لتأصيل البدعيات ونشرها وتصويرها للناس على أنها منهج النبي -عليه الصلاة والسلام- ومنهج الفرقة الناجية، أو تلك المتعلقة بعمل الفرد المسلم وسعيه لاكتساب المعاش بتزيين المكاسب المحرمة وتسويغها -ولو كانت بالربا والرقص والغناء-، وتضيق المكاسب الحلال، وخصوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي قد يسول الشيطان فيها لضعاف الإيمان الاستسلام والسقوط في أدناس الكسب الحرام مِن الربا والرشوة والبيوع المحرمة؛ هذا غير الترويج للفواحش والمنكرات في ذات الوقت الذي يحارب فيه النقاب، بل والحجاب!

وكل هذه المساعي -لأجل نشر العقائد المنحرفة المخالفة للكتاب والسُّنة- يشرف على أدائها وتنفيذها محترفون أصليون، وأذناب وعملاء مخلصون؛ ليجعلوا المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، ويحسِّنوا القبيح في عقول الناس وعيونهم، وهي مساع خائبة -إن شاء الله-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ . وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (يونس:81-82).  

وكل هذا يزيد مِن حاجة المسلم إلى تحصيل العلم النافع الذي يحميه مِن هذه الشبهات المتدافعة عليه مِن كل صوب وناحية، والذي يمكِّنه مِن التمييز بيْن الحلال والحرام، واكتساب المال مِن حله؛ ليحصِّل الرزق الطيب الذي لا يحل له سواه، وكذلك يزيد مِن حاجته إلى عبادة الله -تعالى- على بصيرة والتقرب إليه بما يحبه ويرضاه ويقبله مِن الأعمال الصالحة الموافقة للكتاب والسُّنة؛ حتى يزداد ارتباطًا بالوحي ويبتعد عن الهوى.

وقد جمع نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كل هذه المقاصد التي لا يستغني عنها الإنسان في يومه الحاضر -وفي كل يوم بعده- في جمل يسيرة تحدد للمسلم الأهداف الجليلة والمقاصد العظيمة التي ينبغي أن يضعها نصب عينيه في يومه ونهاره إلى مسائه، وفي كل أوقاته؛ فما مِن مسلم إلا وهو يحتاج في كل يوم إلى تكميلها وتحصيلها مِن أحسن طريق وأسرعه.

وهذا فيما جاء عن أم سلمة -رضي الله عنها-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ يُسَلِّمُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلاً) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).  

فتضمن هذا الدعاء العظيم طلب العلم النافع الذي به يستطيع المرء التمييز بيْن الهدى والضلال، والرشد والغي، والعمل الصالح وغير الصالح، وبين الرزق الطيب وغير الطيب، وبين السنة والبدعة؛ فإن من لم يكن على علمٍ فإن الأمور قد تختلط عليه فيقوم بالعمل يحسبه صالحًا نافعًا، وهو ليس كذلك، قال الله -تعالى-: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف:103-104).

فبدأ -صلى الله عليه وسلم- بسؤال العلم النافع؛ لأجل ذلك، وثنى بسؤال الرزق الطيب قبْل سؤال العمل المتقبل؛ لأنه كلما تيسر للعبد الرزق الطيب، كلما تفرغ للعمل الذي يقرِّب إلى الله -تعالى-؛ ولأن مَن حصل العلم النافع بفضل الله عليه، وحصل الرزق الطيب؛ فهل بقي له إلا أن يسأل ربه -عز وجل- التوفيق إلى العمل الصالح المتقبل؟!

قال الإمام الشوكاني -رحمه الله-: "وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْعِلْمَ بِالنَّافِعِ، وَالرِّزْقَ بِالطَّيِّبِ، وَالْعَمَلَ بِالْمُتَقَبَّلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ فَلَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ، وَرُبَّمَا كَانَ مِنْ ذَرَائِعِ الشَّقَاوَةِ؛ وَلِذَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَوَّذُ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ. وَكُلِّ رِزْقٍ غَيْرِ طَيِّبٍ مُوقِعٍ فِي وَرْطَةِ الْعِقَابِ. وَكُلِّ عَمَلٍ غَيْرِ مُتَقَبَّلٍ إتْعَابٍ لِلنَّفْسِ فِي غَيْرِ طَائِلٍ. اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِك مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَرِزْقٍ لَا يُطَيَّبُ وَعَمَلٍ لَا يُتَقَبَّلُ" (نيل الأوطار).

وقد امتدح الله -تعالى- العلم وأهله، وتكاثرت النصوص في الكتاب والسُّنة في الحث على طلب العلم والترغيب في تحصيله، وبيان فضل مَن سلك سبيله، فمن ذلك قول الله -تعالى-: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر:9).

وقد بيَّنت أم سلمة -رضي الله عنها- في هذا الحديث أن محل هذا الدعاء العظيم هو بعد السلام مِن صلاة الصبح؛ فهو مِن الأذكار الصباحية التي يَستفتح بها المسلم يومه؛ ليتذكر أهداف هذا اليوم -وكل يوم-، وليستحضر مراده في هذا اليوم الجديد -وفي كل يوم بعده-.

وقول أم سلمة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول إذا صلى الصبح إلخ، يدل على مواظبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وحرصه الشديد على هذا الدعاء في صباح كل يوم.

- وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ): يفيد التبرؤ مِن الحول والقوة، وأن العبد لا قدرة له على تحصيل هذه المقاصد مِن العلم النافع, والرزق الطيب، والعمل الصالح المتقبل إلا بالاستعانة بالله.

- وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (عِلْمًا نَافِعًا): يفيد أن العلم نوعان، وأنه ليس كل علم ينتفع به الإنسان، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ بالله -تعالى- مِن العلم الذي لا ينفع.

والعلم النافع في المقام الأول هو علم الوحي والشريعة، والعلم بما أنزله الله -تعالى- على رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فهذا هو العلم الذي امتدح الله أهله، وأوجب على الناس معرفته؛ على الأقل بالقدر الذي تسلم به عقائدهم، وتصح به عباداتهم ومعاملاتهم، وتزكو به نفوسهم؛ فلا بد أن يتعلم كل مسلم عقيدة أهل السُّنة والجماعة، وأن يعلم مَن هي الفرقة الناجية التي أخبر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-، التي تؤمن بما جاء في الوحي على مراد الله وعلى مراد رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

فيثبِت لله -تعالى- ما أثبته الله لنفسه مِن الأسماء والصفات، وينفي ما نفاه الله عن نفسه، ويسكت عما سكت الله عنه، وكذا ما جاء عن رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا كله في إطار قول الله -تعالى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11)؛ فنؤمن بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه أو وصفه به نبيه -صلى الله عليه وسلم- مِن غير تعطيل ولا تحريف، ومِن غير تكييف، ونمر هذه الصفات كما جاءت في الكتاب والسُّنة.

فأعظم العلم هو ما ينال به المسلم القُربَ مِن ربه، والمعرفة بدينه، والبصيرة بسبيل الحق الذي ينبغي أن يسير عليه، وتأمَّل في هذا قول الله -تبارك وتعالى-: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة:15-16)، وقوله: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر:28)، وقوله: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (الزمر:9)، وقوله: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة:11)، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وقال: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) (رواه مسلم).

ولم يأمر الله -عز وجل- نبيه بالاستزادة مِن شيء إلا العلم، فقال -سبحانه وتعالى-: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه:114)، - وذكر الله -تعالى- لنا في القرآن همة موسى -عليه السلام- في الحرص على العلم وتحصيله في رحلة شاقة طويلة تبع فيها الخضر.

- وقد كان سلفنا الصالح في غاية الحرص على تحصيل العلم: "فَعَنْ فَرْقَد إِمَامَ مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ قَالَ: دَخَلُوا عَلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ, فَحَدَّثَهُ رَجُلٌ بِحَدِيثٍ فَأَعْجَبَهُ وَضَرَبَ يَدَهُ إِلَى تَحْتِ فِرَاشِهِ, فَأَخْرَجَ أَلْوَاحًا لَهُ فَكَتَبَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ, فَقَالُوا لَهُ: عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مِنْكَ؟ فَقَالَ: "إِنَّهُ حَسَنٌ، إِنْ بَقِيتُ فَقَدْ سَمِعْتُ حَسَنًا, وَإِنْ مُتُّ فَقَدْ كَتَبْتُ حَسَنًا" (حلية الأولياء).

فحريٌّ بالمسلم أن يعتني بالقرآن الكريم وبمذاكرته ومدارسته، وتدبره والعمل به، وأن يعتني بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- المبينة له، والشارحة لدلالاته ومقاصده.

والعلوم الدنيوية وإن كان فيها نفع بلا شك "بل كثير منها مِن فروض الكفايات"، لكن لا تكون عناية المسلم بها صارفة له عن تحصيل ما أوجبه الله عليه، وما أوجبه رسوله -صلى الله عليه وسلم- مِن العلم بدينه -سبحانه- وحدوده، قال الله -تعالى-: (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:97).

والعلم الذي لا ينفع: إما باعتبار ذات هذا العلم، وإما باعتبار الإنسان نفسه، فقد يكون بعض العلم نفسه محرمًا مذمومًا: كعلم السحر، وقد يكون علمًا واجبًا أو مستحبًا أو مباحًا، لكن لا ينتفع به صاحبه؛ لأن العلم النافع هو الذي يقرِّب صاحبه مِن ربه -سبحانه-، والعلم الخشية كما قال بعض السلف، وقال بعضهم: "إنما العلم العمل". وقال بعضهم: "كم مِن شيء إذا لم ينفع لم يضر، ولكن العلم إذا لم ينفع ضر!".

- وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَرِزْقًا طَيِّبًا): يدل على أن الرزق نوعان: طيِّبٌ وخبيث، والله -تعالى- طيبٌ لا يَقبل إلا طيبًا، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (المؤمنون:51)، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (البقرة:172)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!) (رواه مسلم).

- وقد بعث الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بتحليل الطيب وتحريم الخبيث، كما قال الله -تعالى-: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) (الأعراف:157)؛ فحري بالمسلم في يومه أن يتحرى المال الحلال، والرّزق الطيب النافع، ويحذر أشد الحذر مِن الأموال الخبيثة والمكاسب المحرمة.

- والرزق الطيب: هو الرزق الذي لا يَشغل العبدَ عما خُلق له، وعن الغاية الحقيقية مِن حياته، وهو عبودية الله -سبحانه وتعالى-.

- ومهما تعسرت الأمور وغلت الأسعار؛ فليستحضر المسلم أن الله هو الرزاق؛ فمهما تقاتل الناس في الأرض على الأموال والأرزاق، فسيأتيه ما كُتب له، فإن الرزق في السماء، قال الله -تعالى-: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذاريات:22)، فلا يجعلن هذا العسر وهذا الغلاء سببًا ومسوغًا لأكل الحرام وبيع الحرام.

- عن سلام بن سليم قال: قال لي سفيان الثوري -رحمه الله-: "عليكَ بعمل الأبطال، الكسب مِن الحلال، والإنفاق على العيال" (حلية الأولياء).

- وقيل لأبي حازم -رحمه الله-: "قد غلت الأسعار؟ قال: وما علينا مِن ذلك، إن الذي يرزقنا في الرخص هو الذي يرزقنا في الغلاء".

- وقد رغب الله -تعالى- الخَلْق في سؤاله والطلب منه، فقال -عز وجل-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة:186).

وقال -تعالى-: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ) (الحجر:21)؛ فما مِن أحدٍ عنده خزائن إلا يخفيها ولا يدعيها، وأما الله فهو يبديها لنسأله مِن خزائنه ورزقه. 

وقال الله -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (الأعراف:96)، وقال: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (نوح:10-12).

- وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَعَمَلًا مُتَقَبَّلاً): فيه بيان أنه ليس كل عمل يتقرب به الإنسان إلى الله يكون متقبلاً؛ بل المتقبل مِن العمل هو الصالح فقط، والصالح هو ما كان لله وحده وعلى هدي وسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ولهذا قال الله -تعالى-: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (الملك:2)، ولم يَقل: "أكثر عملاً"؛ فالعبرة في الأعمال بحسنها، وليس كثرتها. قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- في معنى الآية: "أي أخلصُه وأصوبه. قيل: يا أبا علي، وما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السُّنة"؛ فعلى المسلم أن يحذر مِن الأعمال المبتدعة المخالفة لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وطريقته؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) (رواه مسلم)، أي مردود على صاحبه، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) (رواه مسلم).

والبدع أخطر على الإنسان مِن الكبائر، وهي أحب إلى الشيطان مِن المعاصي، قال أبو إدريس الخولاني -رحمه الله-: "لأن أرى في جانب المسجد نارًا لا أستطيع إطفاءها، أحب إليَّ مِن أن أرى فيه بدعة، لا أستطيع تغييرها".

- وعن مجاهد -رحمه الله- قال: "ما أدري أيُّ النعمتين أفضل: أن هداني للإسلام، أو عافاني مِن الأهواء!".

نسأل الله -تعالى- أن يرزقنا علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملاً متقبلاً، وأن ينفعنا وينفع بنا، وأن يستعملنا ولا يستبدلنا.

وصلى الله على محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com