الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

"حافظ مش فاهم" ! (1)

نَبَّهَ السلفُ على ذلك، وعابوه وذَمّوه

"حافظ مش فاهم" ! (1)
أحمد السيد الحمدون
السبت ١١ مارس ٢٠١٧ - ١٦:٤٧ م
1512

"حافظ مش فاهم" ! (1)

كتبه/ أحمد السيد الحمدون

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

هناك من طلبة العلم أو حُفّاظ القرآن من يحفظ ولا يفهم، فتراه لا يفقه ما يقرأ أو يحفظ، كالآلة تحفظ البيانات فقط، وهذا أمر مذموم..

وقد كنت أستبعد هذا الأمر حتى عايَنْتُه وخَبرْتُه؛ فترى أحدهم حافظًا للقرآن ثم هو لم يطلب عِلمه ولا تفسيره وفقه آيات أحكامه، وترى أحدهم يحفظ متون الحديث أو متون العلم ويفهمها على غير وجهها أو لا يفهمها أصلًا، ولا ينشغل بذلك وإنما هو جامِعٌ، وهناك من يتعامل معها تعاملًا ظاهريًا دون تأمل، ويضرب النصوص بعضها ببعض، بل وينكر على الذين يجتهدون في فهم النص وتأمله وتطبيقه على واقعهم..

ومن ذلك أني رأيت بعض طلاب الحديث يصب اهتمامه على رجال الأسانيد في كتب السُنّة وكتاب التقريب للحافظ وهو أجهل من الدابّة في معاني الأحاديث وفقهها، وإذا حاول فإنه يخرج إلى فهم ظاهري محض يجهض معه فقه النصوص وعِلَل الأحكام..

وقد نَبَّهَ السلفُ على ذلك، وعابوه وذَمّوه؛ فمن ذلك:

قال معن بن عيسى: كان مالك يقول: "لا يؤخذ العلم من أربعة، ويؤخذ ممن سوى ذلك؛ لا يؤخذ من سفيه، ولا يؤخذ من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من كذاب يكذب في أحاديث الناس وإن كان لا يتهم على أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا من شيخٍ له فضلٌ وصلاحٌ وعبادةٌ إذا كان لا يَعرِف ما يُحَدِّث به".

وسُئِل مالك: أيؤخذ العلم عمن ليس له طَلَب ولا مُجالَسَة؟ فقال: لا، فقيل: أيؤخذ ممن هو صحيحٌ ثقةٌ غير أنه لا يحفظ ولا يفهم ما يُحَدِّث؟ فقال: "لا يُكتب العلم إلا ممن يَحفظ، ويكون طَلَب، وجَالَسَ الناس، وعرف، وعَمِل، ويكون معه وَرَع".

فلم يكتفوا بمن حفظ دون أن يضم إلى ذلك الفهم والمعرفة والتمرّس والتفَقُّه.

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

{فترى المُحَدِّث يكتب ويسمع خمسين سنة ويجمع الكتب ولا يدري ما فيها، ولو وقعت له حادثة في صلاته لافتقر إلى بعض أحداث المتفقِّهة الذين يترددون إليه لسماع الحديث منه؛ وبهؤلاء تمكن الطاعنون على المُحدِّثين، فقالوا: زوامل أسفار لا يدرون ما معهم..

فإن أفلح أحدهم ونظر في حديثه فربما عمل بحديث منسوخ، وربما فهم من الحديث ما يفهم العامي الجاهل وعمل بذلك وليس بالمراد من الحديث، كما رُوّينا أن بعض المُحدِّثين روى عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه نهى أن يسقي الرجل ماءه زرع غيره فقال جماعة ممن حضر قد كنا إذا فضل عنا ماء في بساتيننا سرحناه إلى جيراننا ونحن نستغفر الله، فما فهم القارئ ولا السامع ولا شعروا أن المراد وطء الحُبالى من السبايا}.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com