الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

"حافظ مش فاهم" (3)

العِلْم حِفْظٌ مع فَهْمٍ، مع مُرَاعاة ومُلاحَظَة ما حولك من واقع، مع إِحاطَةٍ وتَصَوُّرٍ للأمور على وجهها الصحيح

"حافظ مش فاهم" (3)
أحمد السيد الحمدون
السبت ٢٥ مارس ٢٠١٧ - ١١:٢٤ ص
2510

"حافظ مش فاهم" (3)

كتبه/ أحمد السيد الحمدون

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: [ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يُبلّغ، والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفُتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالِمًا بما يُبَلّغ، صادقًا فيه، ويكون مع ذلك حسن الطريقة، مَرِضّي السيرة، عَدلاً في أقواله وأفعاله، متشابِه السِرّ والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله، وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا يُنكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السَنِيّات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب السماوات؟].

وقال الشيخ العثيمين -رحمه الله-: (يذكر أن بعض الحفاظ كان يحفظ كتاب الفروع في الفقه لمحمد بن مفلح، أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- وكان -أي ابن مفلح- من أعلم الناس بآراء شيخ الإسلام في الفقه، حتى كان تلميذ شيخ الإسلام ابن القيم يرجع إلى محمد بن مفلح -صاحب الفروع- فيما يتعلق بفقه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، وكان أحد الطلبة قد حفظ الكتاب من أَلِفِه إلى يائه حِفظًا تامًا كما يحفظ الفاتحة، ولكن لا يفهم شيئا إطلاقًا، فكان طلاب العلم يأتون إليه، لأن الكتب في ذلك الوقت قليلة، يقولون له: ماذا ذكر صاحب الفروع في الفصل الفلاني مثلا؟ فيسرد عليهم الفصل والباب، وكل شيء، حتى كانوا يُلَقِّبونه -مع الأسف- بحمار الفروع!! لأن الحمار يحمل أسفارًا، ولا يفهم معناها، وكان في الحقيقة لا ينبغي أن يوصف بهذا، وكان ينبغي أن يوصف بحافظ الفروع؛ لكن على كل حال، أقول لكم: إن الناس بعضهم يكون قاصر الفهم، يحفظ ولا يفهم ).

وذكر الدكتور بلال البحر، في مقال له بعنوان "زنبيل العلم":

{وقد رأيتُ بالأزهر أعجميًا يستظهر (كافية ابن الحاجب) ولا يحسنُ النحو!

وذكر الحافظ ابن كثير في (تاريخه) أن العلامة صدر الدين بن المرحل كان يلحن، مع أنه كان يحفظ (مفصّل الزمخشري)!

وكان لإمام الحرمين في مجلسه رجلٌ يحفظ كتبَ الشافعي ونصوصَه، لكنه لا يدري الفقه ومعانيه، فكان الإمامُ ربما استحضر منه ما استعصى عليه من نصوص الشافعي، فكانوا يسمّونه (حمار الشافعية)!

وقد كان السلف يستعينون بالعمل على الحفظ كما قاله وكيع وغيره، ومرادهم بذلك ليس مجرد العمل بما علم، فإن من العلم ما لا يتهيأ العمل به للطالب، كالفقير كيف يعمل بأحكام الزكاة والبيوع والحج! وإنما مرادهم أيضاً الاستعانة على حفظ العلم بالعبادة، وكثرة النوافل، من قيام الليل، وذكر الله، واجتناب المعاصي، ونحو ذلك.}.

فالعِلْم حِفْظٌ مع فَهْمٍ، مع مُرَاعاة ومُلاحَظَة ما حولك من واقع، مع إِحاطَةٍ وتَصَوُّرٍ للأمور على وجهها الصحيح، وليَكُن أحَدُنا فقيه نفس.! لا حامل أسفار، والله المستعان.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com