الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

انكسرت الحملة على الأزهر.. فهل تتوقف الحملة على التراث؟

هل شرح لهم بعضُ علماء السياسة أن مصر فقدت (معظم) مُقَوِّماتِ قُوَّتِها الناعمة ولم يببقَ لها إلا \"الأزهر\"؟!..

انكسرت الحملة على الأزهر.. فهل تتوقف الحملة على التراث؟
عبد المنعم الشحات
الجمعة ٠٥ مايو ٢٠١٧ - ١٠:٥٠ ص
1748

انكسرت الحملة على "الأزهر"... فهل تتوقف الحملة على "التراث"؟!

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فبعد هجومٍ كاسحٍ، وقصفٍ مستمِرٍ على "الأزهر" ومعه "الدعوة السلفية"، وكل مَن ينادي بالعودة إلى الكتاب والسُّنة كما فَهِمَهُما السلف الصالح مِن الصحابة والتابعين وتابعيهم، ومَن سار على طريقهم: كالأئمة الأربعة ومدارسهم الفقهية، ومِن وراء ذلك بلا شك هذا التراث بأكمله، بل ربما هذا الدين بشموله…

بَعدَ كلِّ هذا الهجوم وجَدْنا انكسارًا وانحسارًا وكُمُونًا لهذه الهجمة الشرسة!

فهل أدرك هؤلاء -أو بَيَّن لهم بعضُ رجالِ الدولة-: ماذا تعني مؤسسة "الأزهر" بالنسبة لمؤسسات الدولة؟

هل شرح لهم بعضُ علماء السياسة أن مصر فقدت (معظم) مُقَوِّماتِ قُوَّتِها الناعمة، ولم يبقَ لها إلا "الأزهر"؟!

أفريقيا التي ينبع منها نهرُ النيل -شريان حياة المصريين- لم يعد لنا مِن قوةٍ ناعمةٍ فيها إلا "الأزهر"!

كثيرٌ مِن بلدان آسيا لا يحتاجون مصر إلا كوِجهة للبعثات العلمية "للأزهر"! 

هل وصلت لهؤلاء رسالةٌ شعبيّةٌ عندما هتَفَ العُمَّالُ في استقبال شيخ الأزهر: "أزهر... أزهر... أزهر"؟!

اللافت للنظر أن الهتاف رغم أنه كان في أثناء دخول الدكتور "أحمد الطيب" شيخ الجامع الأزهر؛ إلا أن الهتاف لم يكن باسمه، وإنما كان باسم "الأزهر" كمؤسسة؛ وهي درجة وعيٍ قَلَّما تحدث في مثل هذه المناسبات!

موضوعية الهتاف واختصاره "أزهر... أزهر" بعيدًا عن مبالغات الهتافات في مثل هذه الحالات.

كل هذه الاعتبارات تجعلك تشعر وكأن مؤسسة "الأزهر" قد أَلْقَتْ بِوَقَارِها على الهاتفين، أو كأنما "نخلة التراث" التي طالما قُذِفَت من صِبيانٍ وفوضويين بالحجارة قد أَلْقَتْ عليهم بثمر الهيبة والاحترام، والود والوئام.

أم تُراهم قد أدركوا أن مناهج "إسلام مؤسسة راند" لن تشغل هي الفراغ كما يتمنون؟!

بل سيتحرك "الملالي" في إيران، و"الحَوزات" في العراق؛ ناهيك عن "الدواعش" الذين أصبحوا يحيطون بنا إحاطة السّوار بالمِعْصَم!

عمومًا… نحن نرجو أن يكون هذا الانكسارُ وقفةً لمُراجعة النفس، فنحن نتمنى للجميع الخير والهداية، ولكن التجارب القريبة تقول غير هذا؛ فلقد عشنا هذه التجربة قبْل هذا.

يخرج أحدهم فيقول: إن "الدولة لا دين لها!".

ويقول آخر: إنه مع السماح بالزواج المدني في مصر!

ويقول ثالث: "الشعب المصري علمانيّ بطَبْعِه!".

ولكن حينما يُصِرُّ الشعبُ على التمَسُّك بهويته، ويقوم "الأزهر" بالاضطلاع بمسئولياته، ويُجاهِدُ العلماءُ والدُّعَاةُ، والكُتَّابُ الباطلَ بأقلامِهم؛ يتراجعُ هؤلاء، ولكن الكثيرين منهم يتراجعون تراجُعًا تكتيكيًّا قصير المدى للغاية، وينتظرون أي جريمة للهجوم على "الأزهر"؛ سواء أكانت استهداف كمين جيش أو شرطة، أو الاعتداء على كنيسة.

ومِن آخر التُّهَم ما ردده المستشار "أحمد عبده ماهر" أن "الأزهر" مسئول عن انتشار "الإلحاد"؛ لأن مِن دوره أن يتصدى له!

وما دَرَى الرجلُ أنه هو وموكله "إسلام بحيري" وأمثالهما همْ مَن يُمَهِّدون الطريق أمام الإلحاد بطعنهم في ثوابت الدين، والتشكيك في مَصادِرِه!

وأما موكله الآخر "محمد عبد الله نصر" الملقب بـ"ميزو"؛ فقد صَرَّح بأن "الطعن في السُّنة خطوة، سيتلوها خطوة الطعن الصريح في القرآن"، وهي واقعة مسجلة بالصوت والصورة، ومنتشرة على "اليوتيوب".

إذن فمَعَ خَالِص أُمنياتنا أن يتوب هؤلاء، وأن يعودوا إلى رُشْدِهِم؛ إلا أننا يجب أن نأخذ حذرنا على عدة محاور:

الأول: "قانون الأزهر":

قَدَّم العضو "محمد أبو حامد" مشروعًا مشبوهـًا لتعديل "قانون الأزهر"، ووافَقَ عددٌ مِن النواب عليه، ثم أفاقوا -وسط الهجمة الشرسة على "الأزهر"-؛ فأدركوا أن القانون هدمٌ "للأزهر" وليس إصلاحًا، فضلاً عن مخالفته للدستور، فسحبوا توقيعاتهم عليه.

وإذا كانت إِفَاقتُهم وشَجَاعتُهم في التراجع تُحسب لهم، فإنه مِن الناحية الأخرى يدقّ ناقوس الخطر بشأن توقيع بعض النُوّاب على مشاريع قوانين لم يقرأوها.

وعلى الجانب الآخر: أعلن بعض هؤلاء النُوّاب تقديم مشروعِ قانونٍ جديدٍ، والخوف أن يُقارَن القانون الجديد بقانون "أبي حامد"؛ وبالتالي تُمَرَّر بعضُ الموادِ المَعيبة المُقَيِّدَةِ لدور "الأزهر"؛ بدعوى أنها أفضل مِن مواد "هدم الأزهر".

وثمة قضية أعم مِن هذه القضية، تتعلق بعملية "التسرع" في إصدار القوانين تحت شعارات: "التعاون بيْن الحكومة والبرلمان"، أو تحت شعار: "إنجاز القوانين الهامة"؛ فتصدر قوانين تصدِّر الاضطراب للمجتمع والدولة، وتثير الخلافات بيْن مؤسساتها، مثل: "قانون السلطة القضائية"، وغيره.

وبالتالي فنحن نُطالِب "البرلمان" أن يطرح أي مشروعِ قانونٍ جديدٍ "للأزهر" للمناقشة المجتمعية المستفيضة، وأن يبحث مدى توافُقِهِ مع "الدستور".

الثاني: تغيير "علم الحديث" باب لتحريف الألفاظ، وتغيير "علم الفقه" باب لتحريف المعاني:

كان هناك مشروع آخر يلتقي مع مشروع "أبي حامد" في أهدافه، ولكنه أكثر فجاجةً منه، وهو مشروع المستشار "أحمد عبده ماهر"، والذي يقضي بإغلاق جامعة الأزهر عشر سنوات، حتى يتم وضعُ "علم حديث" جديد، و"علم فقه" جديد!

وغَنِيٌّ عن الذكر أن "علمَ الحديث" مَهَّدَت الأُمَّةُ قَواعِدَه وهي في مَهْدِها، وفي عهدٍ قريبٍ مِن عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ أَمْكَنَ معه معرفة الطرق التي نُسِبَ بها الكلام إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكم عَدَد الرجال الذين يروي بعضُهم عن بعضٍ، وحال كلٍّ منهم في نفسه، وحال كلٍّ منهم في التحَمُّلِ عن شيخه وفي الأداء إلى تلاميذه، ثم انتقلت الأُمَّة إلى رواية كل كتابٍ مِن كتب السُّنة جُملةً واحدة؛ لتصبح هذه الأُمَّة -بِحَقٍ- هي "أُمَّةُ السَّنَد".

وأي محاولةٍ لوضع "علم حديث" جديدٍ تعني أن مَن يفعل هذا سوف يهبط بمشروعه مِن هذه القمة السامية في حفظ شريعة الله -عَزَّ وجَلَّ- كتابًا وسُنَّةً -"أُمَّة السَّنَد"-، إلى أن يكون هو ومَن يتبعه -وإلا فالأُمَّة معصومة بعصمة الله لها- ممن يكذب بالثابت الذي يجب تصديقه، ويُصَدِّق الواهي الذي لا يجوز بحالٍ أن يُنسَب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وباختصار: فإن أي وضعٍ لعلمِ حديثٍ آخر هو فتحٌ لبابِ تحريفِ الألفاظِ على مصراعيه.

وكذلك "الفقه" الذي تَمَهَّدَ في حياته -صلى الله عليه وسلم-، وكيف عَلَّم الصحابةَ فهمَ النصوص، وفهم مَنطُوقِها ومَفهُومِها، بالإضافة إلى القياس عليها بمعرفة عِلَلِها.

ثم عَلَّمَ الصحابةُ التابعين ما كان مِن معالم الدين الواردة تفصيليًّا في الكتاب والسُّنة، واجتهدوا لهم في حكم ما استجدَّ مِن مسائل، وفق ما تَعَلَّمُوه مِن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وهكذا فَعَلَ التابعون مع تابعيهم، حتى بَرَزَ أئمةٌ دَوَّنوا فِقْهَهُم أو دُوِّنَت لهم مسائِلُهم، والتي هي إما أحكامٌ صريحةٌ في الكتاب والسُّنة، أو اجتهاد الصحابة والتابعين فيما استجدَّ في زمانهم، أو اجتهاد لهؤلاء الأئمة فيما استجد في زمانهم.

فاكتمل ذلك الصَّرْح، وتتابع على بنائِه جيلٌ بعد جيلٍ.

وأما الدعوة إلى "فقه" جديدٍ فتعني ضياع الفاصل بيْن ما ثَبَتَ بالنصِّ وما ثَبَتَ بالاجتهاد، وفي هذا الأخير ما هو مِن الاجتهاد المنضبط وما هو مِن القول على الله بغير علم.

والخلاصة:

إن على "الأزهر" وعلى جميع الجمعيات الدعوية التي تدعو إلى السُنَّةِ كـ"الدعوة السلفية" أن يُعَلِّمُوا الناسَ كتابَ الله بتفسيره مِن التفاسير التي تُعنَى بتفسير السلف، كتفسير الإمام "ابن كثير"، أو مِن اختصار العَلَّامة الأزهري "أحمد شاكر" له، وأن يُعَلِّموا الناسَ الأحاديثَ التي صَحَّتْ نِسْبَتُها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشُروحِها، وأن يُعَلِّمُوا الناسَ الفِقْهَ الذي تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بالقبول طيلة أربعة عشر قرنًا مِن الزمان.

وأن يؤهلوا عددًا مِن طُلَّابِ العِلمِ يجمعون بيْن المعقول والمنقول، ويعملوا -بيْن الناس- على بيان عدم تعارض العقل والنقل، وعدم تعارض أي دليلين صحيحين في دين الله.

نسأل الله -تعالى- أن يرينا الحَقَّ حقـًّا ويرزقنا اتّباعَه، وأن يرينا الباطلَ باطِلاً ويرزقنا اجتنابه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com