شهر ذي القعدة
كتبه/ أحمد حمدي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما
بعد؛
فشهر "ذي القعدة" أحد أشهر الحج، وكذلك
أحد الأشهر الحرم الأربعة، قال الله -تعالى-: (الْحَجُّ
أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ) (البقرة:197)، (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا
فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ
حُرُمٌ) (التوبة:36)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الزَّمَانَ
قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ،
السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ
مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ
شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) (متفق عليه).
وهو المعني في قوله -تعالى-: (وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا
بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (الأعراف:142). فالثلاثون
ليلة هي: شهر ذي القعدة، والعشر هي: العشر الأول مِن ذي الحجة، وقد كان بعض
الصحابة كعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يصوم الأشهر الحرم، وورد في الأثر -وإن
كان به ضعف-: "صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ".
وتتأكد الطاعات والسنن في هذه الأيام، وكذلك يغلظ
ويفحش الذنب ويعظم عند الله في هذه الأيام، فالله -عز وجل- نهى عن الظلم فيها
خصوصًا، قال الله -تعالى-: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة:36)، فينبغي
تجديد التوبة، وترك الذنوب والمعاصي، ومراعاة حرمة الزمان، قال الله -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ
تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج:32).
- وشهر "ذي القعدة" حدثتْ فيه غزوة
"بني قريظة" في العام الخامس مِن الهجرة عقب غزوة "الأحزاب"
مباشرة؛ بسبب خيانة
اليهود ونقضهم العهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تعالى-: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة:100)، فقتلتْ
مقاتلتهم وكانوا قرابة ستمائة، وسبيت نساؤهم وذراريهم، وغنمت أموالهم.
- وحدث في هذا الشهر "حصار الطائف" في
العام الثامن مِن الهجرة؛ فلما استعصت على النبي -صلى الله عليه وسلم- شهرًا؛ ضربهم بالمنجنيق، وهو ما
يعم به الهلاك -فلا يقصد النساء والصبيان-، وكذلك لا يمكن التمييز بينهم وبيْن
الرجال المحاربين.
- وكذلك حدث في هذا الشهر "صلح
الحديبية" في العام السادس مِن الهجرة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قادم للعمرة مع 1400 مِن الصحابة، فأرسل عثمان بن
عفان -رضي الله عنه- لقريشٍ، فشاع خبر مقتل عثمان؛ فبايعه 1400 تحت الشجرة على
الموت، وسميتْ "بيعة الرضوان"، ونزل فيها "سورة الفتح"، ثم
تبيَّن عدم مقتل عثمان؛ فراسلت قريش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكرز بن حفص،
وعروة بن مسعود، وسهيل بن عمرو.
وحدثتْ مفاوضات على أن يتم الصلح عشر سنين،
ويتحلل النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن إحرامه هذا العام، ويرجع ويعود لعمرة
القضية في العام القادم، وتم التوافق على بعض الشروط الجائرة؛ منها: مَن أتى مِن قريشٍ مسلمًا يرده
النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فرد النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا جندل وأبا بصير.
ولهذا الصلح فوائد ودروس عظيمة ذكرها ابن القيم
-رحمه الله- في كتابه "زاد المعاد"، وهو درس عظيم في السياسة الشرعية،
وفقه المآلات، والمصالح والمفاسد، وبُعد النظر، وعدم الانجرار وراء العاطفة،
والتسرع، وأحكام كثيرة في المعاهدات والاتفاقيات.
موقع أنا السلفي
www.anasalafy.com