الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

حياتنا بالدين خير حياة (1)

إذا التزم العبد هذا الدين وسار على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كتب الله له الفلاح والصلاح والحياة الطيبة

حياتنا بالدين خير حياة (1)
أحمد مسعود الفقي
الثلاثاء ٠٥ ديسمبر ٢٠١٧ - ١٢:٤٣ م
945

حياتنا بالدين خير حياة (1)

كتبه/ أحمد مسعود الفقي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    الحمد لله الذي عصمنا بهذا الدين، وجعلنا من أمة خير المرسلين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ارسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون، فصل اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

ثم أما بعد:

كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :"(اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ)

   فالنبي صلى الله عليه وسلم في مطلع هذا الدعاء  دعا بإصلاح الدين أولاً؛ لأنه أعظم المقاصد، وأهم المطالب؛ لأن من فسد دينه فقد خاب وخسر الدنيا والآخرة، وسؤال اللَّه إصلاح الدين هو أن يوفق إلى التمسك بالكتاب والسنة وفق هدي السلف الصالح من الصحابة والتابعين في كل الأمور لأن الله شرع الدين ليصلح به العباد والبلاد فيسعدوا في حياتهم وآخرتهم.

  إن الدين عند الله الإسلام

     فالإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله وشرعه لجميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى:(شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) فاطر 13

 وهو الدين الحق والقيم والخالص، قال تعالى:(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) التوبة [٣٣] وقال تعالى:(ذلك الدين القيم) التوبة [٣٦] وقال تعالى:(ألا لله الدين الخالص) الزمر [٣] وقال تعالى:(إن الدين عند الله الإسلام) آل عمران 19 قال ابن كثير: أي لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام كما قال تعالى:(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران 85

ولذلك نجد نوحا يقول لقومه :(وأمرت أن أكون من المسلمين) يونس 72

ويعقوب يوصي بنيه:(يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون)  البقرة 132 وموسى يقول لقومه:(يا قوم آن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ) يونس 84

والحواريون يقولون لعيسى عليه السلام:(آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون)، ثم يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم باتباع هذا الدين وينهاه عن اتباع أهواء الكافرين قال تعالى:( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون). الجاثية 18

والشريعة في سياق هذه الآية جاءت بالمعنى العام المرادف للدين كما قال القرطبي رحمه الله تعالى الشريعة أي: ما شرع الله لعباده من الدين والدين كما جاء في حديث جبريل يشمل الإيمان والإسلام والإحسان وهذه الثلاثة تشمل العقائد والأحكام والسلوك ولذلك قال (فاتبعها)أي: التزم بما فيها من معاني ملة الإسلام

   ولقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أيضا بالاستمساك بالوحي المنزل على قلبه وهو القرآن الكريم فقال تعالى:(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) الزخرف [43].

الاستمساك بالقرآن منجاة وشرف

   فالقرآن حبل الله المتين، والصراط المستقيم وهو الهدى والفرقان والذكر والشفاء والبركة، والاستمساك فيه معنى الحرص على التمسك بالقرآن الذي هو كلام الله تعالى، ورسالة الإسلام، ومعجزة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو المعجزة الباقية التي لم تنته بموت الرسول عليه الصلاة والسلام، بل هي مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فقد كانت معجزات الرسل والأنبياء قبله حسيّة ، أما معجزته صلى الله عليه وسلم فمعنوية باقية، لأن هذا الدين هو الآخِر والباقي والخاتم، ومحمد هو خاتم النبيين. والقرآن تكفل الله عز وجل بحفظه حيث قال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر، 9].

 ثم يقول الله عز وجل بعدها:( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) أي: لَشَرَف لَك وَلِقَوْمِك قريش فإنه نزل على رجل منهم ونزل بلغتهم فَهُمْ أَفْهَم النَّاس لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا أَقْوَم النَّاس بِهِ وَأَعْمَلهُمْ بِمُقْتَضَاهُ وَهَكَذَا كَانَ خِيَارهمْ وَصَفْوَتهمْ مِنْ الْخُلَّص مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَمَنْ شَابَهَهُمْ وَتَابَعَهُمْ، وعَنْ مُحَمَّد بْن جُبَيْر بْن مُطْعِم عَنْ مُعَاوِيَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ( إِنَّ هَذَا الْأَمْر فِي قُرَيْش لَا يُنَازِعهُمْ فِيهِ أَحَد إِلَّا أَكَبَّهُ اللَّه تَعَالَى عَلَى وَجْهه مَا أَقَامُوا الدِّين) [رَوَاهُ الْبُخَارِي] وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ " أَيْ عَنْ هَذَا الْقُرْآن وَكَيْف كُنْتُمْ فِي الْعَمَل بِهِ وَالِاسْتِجَابَة لَهُ .

      فإن كنا نريد الوصول إلى جنة الله ومرضاته فيجب علينا أن نستمسك بهذا القرآن العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو شرف لنا وشرف للمستمسكين به شرف في الدنيا شرف في القبر شرف يوم نلقى الله عز وجل فإذا لقينا ربنا وقد استمسكنا بكتابه سلمنا من عذابه فكان لنا أمانا في القبر وسلامة وأمنا من أهوال يوم القيامة.

الدين حياة والبعد عنه موت وهلاك

    قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122].

قال ابن كثير- رحمه الله -  "هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن الذي كان ميتاً أي في الضلالة هالكاً حائراً فأحياه الله، أي: أحيا قلبه بالإيمان، وهداه ووفقه لاتباع رسله، وجعل له نوراً يمشي به في الناس، أي: يهتدي كيف يسلك وكيف يتصرف به، والنور هو القرآن وقيل الإسلام، وكلاهما صحيح".

قوله: ( كَمَنْ مَثَلُهُ في الظلمات) أي الجهالات، والأهواء، والضلالات المتفرقة ( لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ): أي: لا يهتدي إلى منقذ ولا مخلص مما هو فيه.

   فهذا النور الذي يحصل عليه المؤمن إنما هو نور الإيمان والطاعة، قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 22] وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28].

 وهذا النور يُحرَم منه المنافق والكافر لكفرهم وإجرامهم، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40]. وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا ﴾ [الحديد: 13].

 والنور الذي يعطيه الله للمؤمن ليس خاصًّا بالدنيا، بل هو في الدنيا، وفي قبره، ويوم القيامة،

قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الحديد: 12].

   روى الطبراني في معجمه الكبير من حديث عبدالله ابن مسعود- رضي الله عنه - أن النبي- صلى الله عليه وسلم - عندما ذكر حال المؤمنين يوم القيامة قال: "فَيُعْطِيهِمْ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورًا مِثْلَ النَّخْلَةِ بِيَمِينِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورًا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى يَكُونَ رَجُلًا يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يُضِيءُ مَرَّةً وَيَفِيءُ مَرَّةً، فَإِذَا أَضَاءَ قَدَّمَ قَدَمَهُ فَمَشَى، وَإِذَا طَفِئَ قَامَ، قَالَ: وَالرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ أَمَامَهُمْ حَتَّى يَمُرَّ فِي النَّارِ فَيَبْقَى أَثَرُهُ كَحَدِّ السَّيْفِ دَحْضُ مَزِلَّةٍ، قَالَ: وَيَقُولُ: مُرُّوا، فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ نُورِهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَطَرْفِ الْعَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْبَرْقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالسَّحَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الفَرَسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّجُلِ، حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي أُعْطِيَ نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمَيْهِ يَحْبُو عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، تَخِرُّ رِجْلٌ، وَتَعْلَقُ رِجْلٌ، وَيُصِيبُ جَوَانِبَهُ النَّارُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَخْلُصَ..." الحديث.

والقرآن نور، والسنة نور، والصلاة نور، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 174]. وقال تعالى: ﴿ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].

الحياة الطيبة  والسعادة الحقيقية بالدين

   وقال تعالى:( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا - وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم  (من ذكر أو أنثى وهو مؤمن) من بني آدم ، وقلبه مؤمن بالله ورسوله ، وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله - بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة ، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت، وقد روي عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب.

فإذا التزم العبد هذا الدين وسار على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كتب الله له الفلاح والصلاح والحياة الطيبة في الدنيا فعصمه من الذنوب والمنكرات والفواحش ما ظهر منها وما بطن وجزاه خير الجزاء في الآخرة.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في منظومة أصول الفقه:

الدين جاء لسعادة البشر*** ولانتفاء الشر عنهم والضرر

فكل أمر نافع قد شرعه*** وكل ما يضرنا قد منعه

ومع تساوي ضرر ومنفعة*** يكون ممنوعا لدرء المفسدة

نسأل الله أن يسعدنا في الدنيا والآخرة

وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل

          موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

لا يستوون عند الله (1)
27 ٢٧ مارس ٢٠٢٤
مَن هوى فقد هوى(2)!
214 ٠٢ فبراير ٢٠٢٢
من هوى فقد هوى (1)!
121 ٢٩ ديسمبر ٢٠٢١