الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة (القدس)

نقول للجنة المتابعة: أشركونا معكم، وأدخلونا في نشاطاتكم لنصرة القدس والمسجد الأقصى

مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة (القدس)
سعيد الروبي
الأربعاء ١٤ فبراير ٢٠١٨ - ١٠:٣٧ ص
941

مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة "القدس"

كتبه/ سعيد الروبي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد عُقد بالقاهرة يومي 17 و18 مِن شهر يناير 2018م، الموافق 29 من شهر ربيع الآخر والأول من جمادى الأولى 1439هـ، مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس، وتحدث فضيلة الشيخ "أحمد الطيب" شيخ الأزهر في افتتاحية المؤتمر حديثًا عميقًا هامًّا هادفًا، وألقى كلمة لو طُبقت؛ لتغيرت الموازين والمواقف والأحداث.

وقدَّم حفظه الله اقتراحًا للنظر فيه، وهو: أن يُخصص هذا العام 2018م ليكون عامًا للقدس الشريف، تعريفًا به ودعمًا ماديًّا ومعنويًّا للمقدسيين، ونشاطًا ثقافيًّا إعلاميًّا متواصلًا تتعاهده المنظمات الرسمية: كجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والمؤسسات الدينية، والجامعات العربية والإسلامية، ومنظمات المجتمع المدني، وغيرها.

وكل فقرة مِن فقرات هذا الاقتراح هامة جدًّا، وضرورية جدًّا، وتحتاج إلى عملٍ جادٍ لتفعيلها، وكل نقطة مِن النقاط التي ذكرها تحتاج إلى تعاونٍ واسع لتطبيقها؛ فالدعم المادي تتعدد صوره وأشكاله، ولكن كيف يُطبَّق وكيف نوصله إلى المقدسيين؟!

وما هي الآليات والخطوات لتفعيل هذا الاقتراح؟!

لقد أسند الشيخ -حفظه الله- إلى الجهات التي ذكرها مهمة النظر في هذا الاقتراح، ولكن ماذا لو لم تنظر هذه الجهات في هذا الاقتراح؟! وأين دور الحكومات والوزارات في هذا الصدد؟ بل أين دور الرؤساء والحكام والملوك والأمراء؟! وهم المسئولون في المقام الأول عن هذه القضية المحورية المركزية الهامة، وهي قضية القدس والمسجد الأقصى، بل وفلسطين كلها.

والنشاط الثقافي والإعلامي في هذا الصدد، وبهذا الخصوص مهم ومطلوب، ولكن يبقى تأثيره محدودًا وضعيفًا، ولا بد أن تتبناه مؤسسات الدول والبلاد بما تملكه مِن إمكانيات وموارد، فالإعلام مثلًا لو ركَّز على قضية القدس لكان أجدى وأنفع مِن البرامج والحوارات التي تضر كثيرًا وتشغل الناس، وتبعدهم وتلهيهم عن قضية القدس والأقصى، وليت مؤسسة الأزهر تدعو لمؤتمراتٍ حاشدة؛ لإحياء قضية القدس وإشراك الشعب في هذا الحراك المطلوب، نعم الحالة الأمنية في بلادنا -وربما في بقية البلاد- لا تسمح بهذا إلا بصعوبة بالغة، ولكن يمكن تفعيل دور المساجد في هذا الشأن، فتعقد الندوات المنتظمة في المساجد لإحياء قضية القدس والمسجد الأقصى، وتتولى وزارة الأوقاف الإعداد الجيد لهذه الندوات حتى تتم على المستوى المطلوب اللائق بقضية القدس.

خاصة وأن الشيخ الإمام -حفظه الله- قال: "وعلينا أن لا نتردد في التعامل مع قضية القدس مِن المنظور الديني إسلاميًّا كان أو مسيحيًّا، ومِن أعجب العجب أن يُهمَّش البُعد الديني في مقاربات القضية الفلسطينية، بينما كل أوراق الكيان الصهيوني أوراق دينية خالصة لا يدارونها ولا يحسبونها سوءات يتوارون منها! وماذا في يد هذا الكيان مِن مبررات في اغتصاب أرضٍ تنكره، بل تنكر آباءه وأجداده غير التهوس بنصوص وأساطير دينية تبرر العدوان، وتستبيح دماء الناس وأعراضهم وأموالهم؟!

بل ماذا في يد الصهيونية المسيحية الحديثة التي تقف وراء هذا الكيان وتدعمه، وتؤمِّن له كل ما يحلم به غير تفسيراتٍ دينية زائفة مغشوشة يرفضها آباء الكنسية وعلماء المسحيين وأحبارهم ورهبانهم، وينكرونها أشد الإنكار؟!".

نعم يا فضيلة الإمام، صدقتَ؛ علينا ألا نتردد في التعامل مع قضية القدس مِن المنظور الديني، ولا نداري هذا ونستحيي مِن هذا، ولا نتوارى مِن هذا، لا بد أن يكون الدين في الصراع؛ وإلا فالنتيجة هي الخذلان والحرمان، والمهانة والفشل كما هو حادث حتى الآن.

وبدخول الدين في الصراع تأتي معية الله، ويتنزل نصر الله -تعالى-.

لقد وجَّه فضيلة الإمام حفظه الله -تعالى- نداءً إلى نخبة الأمة ومفكريها ومثقفيها وكُتابها حتى ينتبهوا إلى أن هذه الأمة مستهدفة -وبمكرٍ شديدٍ- في دينها وهويتها، ومناهجها التعليمية والتربوية، ووحدة شعوبها وعيشها المشترك.

وعلى الأمة أن تعتمد على سواعدها، وأن تستعيد ثقتها في الله -تعالى-، وفي نفسها وفي قدراتها، وأن لا تركن إلى وعود الظلمة القابعين وراء البحار ممَن قلبوا لنا ظهر المجن، وتجاوزوا كل الخطوط الحمراء (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) (هود:113).

فيا له مِن نداء! ويا لها مِن كلمات!

ويا لها مِن رسالة! ويا لها مِن نصيحة!

جزاك الله خيرًا يا فضيلة الشيخ الإمام، وزادك الله فطنة وبصيرة ونورًا؛ نصحت وذكَّرت، وبيَّنتَ وبلغتَ، ونبهتَ ووعظتَ.

لقد طالب فضيلة الإمام بتفكير عربي وإسلامي جديدٍ يتمحور حول تأكيد عروبة القدس وحرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية، وتبعيتها لأصحابها، وأن يتحول هذا التأكيد إلى ثقافةٍ محلية وعالمية تحتشد لها طاقات الإعلام العربي والإسلامي -وما أكثره!-، وهو الميدان الذي هُزمنا فيه ونجح عدونا في تسخيره لقضيته.

وطالب بمقرراتٍ دراسية في مناهجنا التعليمية والتربوية في كل مراحل التعليم، تكون قادرة على تكوين الوعي بقضية القدس والمسجد الأقصى في أذهان الملايين مِن شباب العرب والمسلمين، وأن لا يكون الحديث عن فلسطين "وعن القدس" عبارة عن خبرٍ مِن الأخبار أو تقريرٍ مِن تقارير المراسلين لا يلبث أثره أن يذهب بانقضاء الخبر، وذهاب المذيع إلى خبرٍ آخر.

وطالب بمواجهة التطورات الحالية بمواجهةٍ غير التي اعتدنا عليها منذ سبعة عقود.

ونبَّه فضيلته إلى أن العد التنازلي قد بدأ لتقسيم المنطقة وتفتيتها وتجزئتها، وتنصيب الكيان الصهيوني شرطيًّا على المنطقة بأسرها، تأتمر بأمره ولا ترى إلا ما يراه هو، ويريها إياه، وما على المنطقة إلا السمع والطاعة!

وطالب أيضًا بامتلاك القوة التي ترعب العدوان وتكسر أنفه، وترغمه أن يعيد حساباته ويفكِّر ألف مرة قبْل أن يمارس عربدته وطغيانه واستهتاره واستبداده.

وأضاف -حفظه الله-: "ليس لنا أي عذر أمام الله وأمام التاريخ في أن نبقى حول العدو الدخيل ضعفاء مستكينين متخاذلين!"، وتمنى وأمِل -حفظه الله وسلمه- أن يتمخض هذا المؤتمر عن نتائج عملية غير تقليدية، تُستثمر فيها الطاقات، وتنظم الجهود مهما صغرت أو بدت غير ذات شأن.

إنها كلمات مِن نفس مهمومة بالقضية، ونفثات مصدور فقد الدواء واستعصى عليه الداء، ولكن في حديثه الأمل والبشارة، والصلابة والقوة، والشجاعة والعزة؛ جاءت كلماته قوية مجلجلة عميقة، وحرَّكت مياهًا راكدة، ومعانٍ كامنة، وحقائق مخفية!

ثم كانت إضافات فضيلة الشيخ الدكتور "عباس شومان" وكيل الأزهر في اليوم التالي قوية أيضًا وهامة، حيث ذكر فضيلته -حفظه الله- أن الإرهاب يقف خلف إسرائيل وأمريكا، وهم مَن زرعوا ذلك، وتمنى على الدول العربية والإسلامية أن تحذو حذو الأزهر، وتعلن كما أعلن شيخ الأزهر عن مقررٍ دراسي عن القدس يذكِّر بالقضية ويغرسها في نفوس الأجيال.

وذكر -حفظه الله- أن قرابة 400 مليون متابع لأعمال مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس على صفحات التواصل الاجتماعي، وتوقع زيادة العدد لـ"نصف مليار"، وهذا رقم قياسي لم يتحقق؛ لا في الحروب، ولا في غيرها!

وقال أيضًا -حفظه الله-: "إن قرار (ترامب) يبعث الأمل مِن جديدٍ في جميع الأمة بعد تفرقها، وأنه أحيا القضية الفلسطينية في الأذهان!".

جاء البيان الختامي للمؤتمر قويًّا صريحًا واضحًا قاطعًا: إن القدس هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة، والرفض القاطع لقرارات الإدارة الأمريكية الأخيرة والتي لا تعدو أن تكون حبرًا على ورق، وفاقدة للشرعية التاريخية والقانونية والأخلاقية، ووجوب تسخير كافة الإمكانيات الرسمية والشعبية والعربية والدولية، مِن أجل إنهاء الاحتلال إلى غير ذلك مِن البنود المهمة. وأخيرًا أوصى بتكوين لجنة مشتركة مِن أبرز الشخصيات والهيئات المشاركة في هذا المؤتمر؛ لمتابعة تنفيذ التوصيات على أرض الواقع.

نعم، كان مؤتمرًا مختلفًا هذه المرة، ونسأل الله أن تكون نتائجه أيضًا مختلفة هذه المرة.

بقيتْ كلمة استوقفتني وآلمتني جدًّا للرئيس الفلسطيني "محمود عباس أبو مازن" فقد قال في المؤتمر: "إن فلسطين حصلتْ على 705 قرارًا مِن الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالحها، و86 قرارًا مِن مجلس الأمن لصالحها أيضًا منذ سنة 1948م إلى وقتنا هذا، ولكن هذه القرارات لا تطبق على أرض الواقع!".

وقال: "فماذا على الشعب الفلسطيني أن يفعل إذا كانت أعلى منصة في العالم وهي الأمم المتحدة لم تنصفنا؟!".

وقال أيضًا: "أين نذهب؟! ولمن نذهب؟!".

ورد عليه رئيس البرلمان الكويتي "مرزوق الغانم" وقال له: اذهب إلى الشعوب!

وأقول للرئيس الفلسطيني: هل ستذهبون إلى الأمم المتحدة مرة أخرى؟!

وهل ستذهبون لمجلس الأمن مرة أخرى؟!

وأقول -ناصحًا ومشفقًا وحريصًا-: اذهبوا إلى طريق الله، واستعينوا بالله، والجأوا إلى الله، واعتصموا بالله؛ هو مولاكم، فنعم المولى ونعم النصير.

التمسوا السبيل في كتاب الله، وستجدونه... وقد وضحه شيخ الأزهر -حفظه الله- في كلمته.

ومع تقديري لرد رئيس البرلمان الكويتي؛ إلا أن الجواب الشافي والرد الوافي موجود في كلمة الإمام الأكبر، فضيلة الشيخ "أحمد الطيب" شيخ الأزهر؛ الرد الصريح الصائب القوي لمّا قال: "وإذا كان قد كُتب علينا في عصرنا هذا أن يعيش بيننا عدو دخيل، لا يفهم إلا لغة القوة؛ فليس لنا أي عذر أمام الله وأمام التاريخ في أن نبقى حوله ضعفاء مستكينين متخاذلين، وفي أيدينا -لو شئنا- كل عوامل القوة، ومصادرها: المادية والبشرية".

وهذا الكلام في ثناياه كلام آخر، وتفصيل آخر له دلالات وإرشادات واضحة جدًّا، تبيِّن ما على الأمة أن تفعله للتعامل مع العدو الغاصب المحتل.

جزى الله خيرًا فضيلة الإمام وفضيلة الوكيل، وكل مَن كان خلف انعقاد هذا المؤتمر وإتمامه، وجزى الله مَن ساهم في إنجاحه ومَن ساهم في استمرار آثاره، وتطبيق توصياته وتفعيل مقترحاته.

وأخيرًا نقول للجنة المتابعة: أشركونا معكم، وأدخلونا في نشاطاتكم لنصرة القدس والمسجد الأقصى.

والقضية حية ومستمرة، ولها عودة -بإذن الله تعالى-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

كلمات عن الانتخابات!
8988 ٠٨ أبريل ٢٠١٨
ثرثرة في الجنازة!
1082 ٢٩ مارس ٢٠١٨
كلمات عن (القدس)
1208 ٢٤ ديسمبر ٢٠١٧
التدهور الإيماني!
1385 ٢٩ نوفمبر ٢٠١٧