الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

اختيار الحاكم... (وميزان المصالح والمفاسد)

الأمر بيد الله، ومستقبلنا ليس بيد أحدٍ غير الله

اختيار الحاكم... (وميزان المصالح والمفاسد)
أحمد حمدي
الأربعاء ١٤ فبراير ٢٠١٨ - ١٧:٥٦ م
1397

اختيار الحاكم... "وميزان المصالح والمفاسد"

كتبه/ أحمد حمدي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ففي كثيرٍ مِن الأحيان أنتَ لا تختار الأصلح أو الخيار المثالي غير الواقعي، ولكن تختار الأنسب والممكن والمتاح مِن الموجودين وفقًا لضوابط ومعايير شرعية، وهذا ليس تبريرًا لفعل أحد، واختيارك لشخصٍ لظروفٍ معينة ليس معناه إقرارك أو رضاك عن كل ما يفعل؛ فأمور السياسة الشرعية مِن أدق وأصعب الأبواب، فهي مسألة اجتهادية ليستْ وحيًّا أو حقًّا محضًا، ولكنها تحتاج إلى شورى ومعرفةٍ بالواقع الداخلي والإقليمي والعالمي، ولا بد مِن النظر إلى المآلات والتبعات المترتبة على قرارك واختيارك.

وإليك بعض المواقف والفتاوى الواردة في مثل ذلك الباب:

1- مبايعة عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وبعض الصحابة للحجاج بن يوسف الثقفي مع ظلمه وبطشه، وإراقته للدماء، وقتله لعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما-، وصلبه على مداخل مكة، وضربه للكعبة بالمنجنيق، وقتله للعلماء أمثال: سعيد بن جبير وبعض التابعين، والصلاة خلفه، والجهاد وراءه؛ ليس إقرارًا بطاعة أو ركونًا له، ولكن دفعًا لمفاسد أكبر

2- تولي سيدنا يوسف -عليه السلام- الولاية في ظل حكم ملك مصر مع القطع بوجود مظالم كثيرة في أعوان الملك -والملك نفسه-، وهذا ليس رضا بذلك، ولكن لتقليل الشر والفساد، وتكثير الخير والصلاح.

3- استمرار النجاشي في ملك الحبشة مع كتمان إسلامه وعدم إظهاره، وعدم قدرته على الحكم بالشريعة بينهم؛ لتحقيق العدل وحماية المستضعفين والمسلمين، ولم يترك ملك الحبشة ويذهب ليتبع النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، وصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته عليه بعد موته صلاة الغائب.

4- العز بن عبد السلام -سلطان العلماء- المشهور بالإنكار على نجم الدين أيوب في عصره، صاحب كتاب "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" في باب الولايات افترض ترشح مَن ينتهك أموال الناس، ومَن ينتهك أعراضهم، ومَن ينتهك دماءهم؛ فهل على الرعية الاعتزال وعدم اختيار أحد؟ أم المشاركة واختيار أقلهم شرًّا ومفسدة؟ فقال: يختاروا مَن ينتهك أموال الناس حتى لا يصل مَن ينتهك أعراضهم وأنفسهم، وهذا ليس إقرارًا بأخذ أموال الناس بالباطل "هذا معنى كلامه وليس نصه". وقال ابن تيمية -رحمه الله-: "ليس الفقيه مَن يعرف الخير مِن الشر، ولكن مَن يعرف خير الخيرين وشر الشرين".

5- سئل الشيخ العثيمين -رحمه الله- عن مشاركة المسلمين الذين يعيشون في أمريكا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية أم المقاطعة؟ فقال: "تشارك وتختار أقلهم عداءً وشرًّا على الإسلام"، مع أنك تختار بيْن كافرين، ولكن بعض الكفر أهون مِن بعض.

6- سئل الشيخ الألباني -رحمه الله- عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية في لبنان أم الاعتزال والمقاطعة مع ترشح ماروني ودرزي وكلاهما كافر وليس ظالمًا أو جائرًا أو فاسقًا فحسب؟! فقال: "تشاركوا وتختاروا الماروني؛ فإنه أقل شرًّا على الإسلام مِن باب اختيار أخف الضررين وأدنى المفسدتين، وأكل الميتة للمضطر".

ونذكِّر أن الأمر بيد الله، ومستقبلنا ليس بيد أحدٍ غير الله؛ فلا تتعلق القلوب بأحدٍ، ولكن هذا مِن باب الأخذ بالأسباب، وينبغي أن نلتزم بالرأي والقرار المبني على الشورى والعلم الشرعي، والحفاظ على كيان الدعوة وقواعدها ومساحاتها الدعوية، وأن نثق بعلمائنا، ولا نتأثر بردود أفعال المخالفين الحاقدين أو هجومهم على الدعوة؛ فإن موقفهم منك لن يتغير؛ فامضِ ولا تلفت.

نسأل الله أن يلهمنا ويلهم مشايخنا وعلماءنا الخير والسداد، والتوفيق للأصوب، وأن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، ولما فيه مصلحة البلاد والعباد.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

آداب العمل الجماعي -3
621 ٣٠ أبريل ٢٠٢٠
رمضان في ظروف خاصة!
781 ٢٧ أبريل ٢٠٢٠
فضل العمل الجماعي -2
612 ٢٢ مارس ٢٠٢٠
فضل العمل الجماعي -1
930 ١٩ مارس ٢٠٢٠
الطموح -2
621 ١٠ مارس ٢٠٢٠
الطموح (1)
677 ٢٧ فبراير ٢٠٢٠