الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الزاخر في فضل العشر الأواخر

ينبغي على المسلم، الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه هو الأسوة والقدوة

الزاخر في فضل العشر الأواخر
أحمد مسعود الفقي
الخميس ٣١ مايو ٢٠١٨ - ١٥:١٩ م
1369

الزاخر في فضل العشر الأواخر

كتبه/ أحمد مسعود الفقي

الحمد لله وحده وأصلي وأسلم على من لا نبي بعده

وبعد

  فها هي العشر الأواخر من الشهر المبارك قد اقتربت وها هي نفحاتها قد هبت علينا ترجو منا البر والوفاء والاجتهاد مع الخوف والرجاء ثم ها هي تفتح لنا ذراعيها عسى أن نعوض ما فاتنا من أجر وأن نجبر ما أصابنا من كسر إنها الأيام المباركة التي فيها ليلة هي خير من ألف شهر.

    وهذا موسم المتسابقين، وسوق العابدين، وفرصة المجتهدين، هذه العشر التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشد مئزره إذا دخلت، ويعتزل النساء للعبادة؛ لأنه كان يعتكف في المسجد امتثال  لقول الله تعالى:{ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } البقرة :187، ويحيي ليله، ويوقظ أهله، وهذا فيه اهتمام بالأهل والأولاد، وليس أن يجتهد الأب، والبقية نائمون، وإنما هو اجتهاد واستنفار عام في البيت لهذا الحدث الكبير الذي وقع، وهو دخول هذه العشر، ومن الناس من لم يدركها؛ لأن الله تعالى كتبه في الأموات.  فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ، ما لا يجتهد في غيرها

  وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- " كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره " البخاري ومسلم

زاد مسلم وجَدَّ وشد مئزره .

وقولها " وشد مئزره " كناية عن الاستعداد للعبادة والاجتهاد فيها زيادة على المعتاد ، ومعناه التشمير في العبادات ، وقيل هو كناية عن اعتزال النساء وترك الجماع .

  فينبغي على المسلم، الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه هو الأسوة والقدوة ، وعليه أيضا الجِدّ والاجتهاد في عبادة الله ، وألا يضيّع ساعة من هذه الأيام والليالي ، فإن المرء لا يدري لعله لا يدركها مرة أخرى بمفاجأة هادم اللذات ومفرق الجماعات، الذي هو نازل بكل امرئ إذا جاء أجله.

  فيجب على المسلم في هذه الأيام العشر ، إحياء الليل أي استغراقه بالسهر في الصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن وغيرها ، وقيام الليل في هذا الشهر الكريم وهذه الليالي الفاضلة لا شك أنه عمل عظيم جدير بالحرص والاعتناء حتى نتعرض لنفحات رحمة الله جل شأنه، وهو في ذلك يتحرى ليلة القدر،

وهي ليلة ذات قدر، وشرف، ومنزلة، وذات خير، وبركة، وعظمة، وذات رحمة، ومغفرة، وعتق، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرمها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم) رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في صحيح الجامع.

  عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ .

  وهذه الليلة العظيمة؛ العبادة فيها أفضل من العبادة في ألف شهر، وهو عُمر إنسان مُعمَّر، أكثر من ثلاث وثمانين سنة.

    وقد خصت هذه الليلة بخصائص :

أولا : نزول القرآن ، عن ابن عباس في قوله: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) سورة القدر (1) قال : نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر ، وكان الله عز وجل يُنزل على رسوله -صلى الله عليه وسلم- بعضه في أثر بعض.

 

ثانيا: هي ليلة مباركة وهي خير من ألف شهر قال تعالى:(إنا أنزلنه في ليلة مباركة) سورة الدخان( 3)،

وقال تعالى: ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) سورة القدر (3 )

ثالثا: يكثر فيها تنزل الملائكة  والروح ، لكثرة بركتها ، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ، ويحيطون بحِلَق الذِّكْر ، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم تعظيماً له " أنظر تفسير ابن كثير 4/531

والروح : هو جبريل عليه السلام وقد خصَّه بالذكر لشرفه .

 

رابعا: هي ليلة سالمة من أذى الشيطان وإغوائه وإضلاله، وتكثر فيها السلامة من العقاب والعذاب، قال تعالى: {سلام هي حتى مطلع الفجر } سورة القدر (5 ).

وهي أيضا سالمة من الشرور ، فلا يكون فيها شيء من ذلك كما قال قتادة وغيره من السلف.

خامسا:  يكتب في هذه الليلة ما يكون في تلك السنة قال ابن كثير رحمه الله  في قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ، إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) " أَيْ: فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يُفْصَلُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى الْكَتَبَةِ أَمْرُ السَّنَةِ ، وَمَا يَكُونُ فِيهَا مِنَ الْآجَالِ وَالْأَرْزَاقِ ، وَمَا يَكُونُ فِيهَا إِلَى آخِرِهَا ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ . وَقَوْلُهُ: (حَكِيمٌ) أَيْ: مُحْكَمٌ لَا يُبَدَّلُ وَلَا يُغَيَّرُ " .انتهى من "تفسير ابن كثير" (7/ 246) ،

  روى ابن أبي حاتم في تفسيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قَالَ: " يُكْتَبُ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ مِنْ رِزْقٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ أَوْ مَطَرٍ، حَتَّى يُكْتَبَ الْحَاجُّ ؛ يَحِجُّ فُلانٌ ، وَيَحِجُّ فَلانٌ ".

سادسا: مغفرة ما تقدم من الذنوب لمن قامها إيماناً واحتساباً ، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) متفق عليه .

وقوله : ( إيماناً واحتساباً ) أي تصديقاً بوعد الله بالثواب عليه وطلباً للأجر لا لقصد آخر من رياء أو نحوه . فتح الباري 4/251 .

  وفي صحيح البخاري قال عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ :«إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ» .

وتلاحى : تخاصم ، وفيه شؤم الخصومات، والحذر من التشاحن والتباغض ، وعن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: لا تَحاسدُوا، وَلا تناجشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابرُوا، وَلا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مرَّاتٍ بِحسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِر أَخاهُ المُسْلِمَ، كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ: دمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ رواه مسلم.

سابعا: اختصت هذه العشر بسنة عظيمة واظب عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى توفاه الله وقبضه إلى ثوابه وهي لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، وهي ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع ، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾  البقرة 187

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده. رواه البخاري ومسلم

  وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان النبي  -صلى الله عليه وسلم-  يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً . رواه البخاري

  والمقصود من الاعتكاف : تحري ليلة القدر ، و الخلوة بالله عز وجل ، والانقطاع عن الناس ما أمكن حتى يتم أنسه بالله عز وجل وذكره ، وإصلاح القلب ، ولم شعثه بإقبال على الله تبارك وتعالى بكليته ، والانقطاع التام إلى العبادة من صلاة ودعاء وذكر وقراءة قرآن ، و حفظ الصيام من كل ما يؤثر عليه من حظوظ النفس والشهوات ، و التقلل من المباح من الأمور الدنيوية ، والزهد في كثير منها مع القدرة على التعامل معها ، والتخلص من خصال الترف ، وحماية العبد من آثار فضول الصحبة ، فإنَّ الصحبة قد تزيد على حد الاعتدال ، فيصير شأنها شأن التخمة بالطعام ، وأيضًا حماية القلب من جرائر فضول الكلام ، وفيه كذلك حماية من كثرة النوم ، فإنَّ العبد إنما اعتكف في المسجد ليتفرغ للتقرب إلى الله ، بأنواع من العبادات ، ولم يلزم المسجد لينام .

قال ابن القيم في "زاد المعاد" (2/90) :

"كل هذا تحصيلاً لمقصود الاعتكاف وروحه ، عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة ، ومجلبة للزائرين ، وأخذهم بأطراف الحديث بينهم ، فهذا لون ، والاعتكاف النبوي لون" اهـ .

  وكان -صلى الله عليه وسلم- دائم المكث في المسجد، لا يخرج منه إلا لقضاء الحاجة ، قالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها : (وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلا لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا ) رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم : ( إِلا لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ ) . وَفَسَّرَهَا الزُّهْرِيُّ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِط

وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- إذا كان معتكفاً ألا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة ، وذلك من أجل التركيز الكلي لمناجاة الله تعالى ، وتحقيق الحكمة من الاعتكاف وهي الانقطاع عن الناس والإقبال على الله تعالى .

قالت عائشة : (السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لا يَعُودَ مَرِيضًا ، وَلا يَشْهَدَ جَنَازَةً ، وَلا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلا يُبَاشِرَهَا ، وَلا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلا لِمَا لا بُدَّ مِنْهُ ) . رواه أبو داود (2473) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

"وَلا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلا يُبَاشِرَهَا " تريد بذلك الجماع . قاله الشوكاني في "نيل الأوطار" .

نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لنيل مرضاته والعمل  بطاعته والفوز بالجنة والنجاة من النار

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

لا يستوون عند الله (1)
27 ٢٧ مارس ٢٠٢٤
مَن هوى فقد هوى(2)!
214 ٠٢ فبراير ٢٠٢٢
من هوى فقد هوى (1)!
121 ٢٩ ديسمبر ٢٠٢١