الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

وقفات مِن المرحلة المكية (2)

مِن أهم أسباب التأهيل له -صلى الله عليه وسلم-

وقفات مِن المرحلة المكية (2)
خالد آل رحيم
الأحد ٠٣ يونيو ٢٠١٨ - ١٠:٥٦ ص
830

وقفات مِن المرحلة المكية (2)

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد ذكرنا في المقال السابق كيف أن الأرض "ومِن ضمنها: أهل الجزيرة وقريش" قبْل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت في أدنى مستوى مِن الانحطاط، والانحلال العقدي والأخلاقي والسلوكي، مما استلزم تهيئة خاصة للنبي -صلى الله عليه وسلم- لمجابهة هذه الحالة الخطيرة، وهذا الانفلات الأخلاقي والعقائدي.

ومِن أهم أسباب التأهيل له -صلى الله عليه وسلم-:

حبه الخلوة منفردًا والتفرغ للتدبر: فقد حُبب إليه -صلى الله عليه وسلم- الخلوة ليتفرغ قلبه وعقله وروحه إلى ما سيلقى مِن أعلام النبوة، فاتخذ مِن غار حراء متعبدًا؛ لينقطع عن مشاغل الحياة، ومخالطة الخلق، واستجماعًا لقواه الفكرية، ومشاعره ومداركه العقلية، تفرغًا لمناجاة مبدع الكون، وخالق الوجود فينظر إلى الكون مِن ذاك الغار، فيرى عظمة الخالق الذي لابد للكون مِن السجود له، وإفراده بالعبادة.

يقول علماء التربية: النفوس البشرية لو تُركتْ على حالها وطبيعتها؛ لانشغلت، والنفس مدنية بطبيعتها، والخلوة عندما تُبنى على النظر والتفكر والتدبر لها أهمية قصوى، وكلما خلا الإنسان بنفسه بعيدًا عن الضوضاء كلما دعا ذلك إلى التعقل والتأني، كذلك يعطي تقدير وإجلال وتعظيم لله -تعالى-، وأن النفس إذا تراخيت معها وأطلقت لها العنان ولم تقم هذا المعنى معها تفلتت منك، وارتبطت بالعادات والتقاليد والأعراف والمناصب، فتنشغل فتعجز عما تؤمر به.

ولذلك كانت بعثته -صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين: قال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107).

وأجمل ما قيل في تفسير هذه الآية: قول ابن القيم -رحمه الله-: "إن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته، أما أتباعه فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة، وأما أعداؤه المحاربون له فالذين عجل قتلهم وموتهم خير لهم؛ لأن حياتهم زيادة لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة، وهم قد كتب عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم مِن طول أعمارهم في الكفر.

أما المعاهدون له فعاشوا في الدنيا تحت ظله وعهده وذمته، وهم أقل شرًّا بذلك العهد مِن المحاربين له، أما المنافقون فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وأموالهم وأهليهم واحترامها، وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوارث وغيرها. أما الأمم النائية؛ فإن الله -سبحانه- رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض" (انتهى).

وبدأت الرسالة بنزول الوحي: فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ... حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: (مَا أَنَا بِقَارِئٍ)، قَالَ: (فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ) (العلق:1-3). (رواه البخاري).

وهذا الحديث نتعلم منه أن الدعوة تحتاج إلى أمرين:

الأول: الجلد والقوة والصبر؛ لأن الطريق شاق، وتبيّن ذلك مِن قوة ضم جبريل -عليه السلام- للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وكأنه يخبره أن المهمة صعبة وقوية، وأن الطريق شاق.

الثاني: العلم، فدعوتك يا محمد تحتاج إلى العلم؛ ولذلك قال -تعالى-: (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) (العلق:4)، وأيما دعوة مِن الدعوات لا تنجح ولا تنتشر بغير علمٍ مِن كتاب وسنة بفهم سلف الأمة المبارك.

قال محمد بن الفضل -رحمه الله-: "ذهاب الإسلام مِن أربعة: أولهم: لا يعملون بما يعلمون. وثانيهم: يعملون بما لا يعلمون. وثالثهم: لا يتعلمون ما لا يعلمون. ورابعهم: يمنعون الناس مِن التعلم".

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة