حتى نفوز برمضان (12)
رمضان...
لتعظيم شعائر الله -تعالى- ومخافته
كتبه/ جمال
متولي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما
بعد؛
فنصوم مِن طلوع الفجر وحتى غروب الشمس، ومَن صام
احتسابًا لربه -سبحانه-، مهما اشتد عليه الجوع أو العطش أو الحاجة -مِن غير مرض-
لأي مِن المفطرات يستحيل عليه أن يقدم على شربة ماء، ولو كان قبْل الغروب بطرفة
عين، ويحتاج كذلك لشربة ماء فيرفع الإناء إلى فمه فيسمع نداء الفجر: (الله أكبر)
فيسقط الإناء مِن يده.
إنها عبادة
التعظيم والتبجيل لأمر الله -عز وجل-، والوقوف عند حدوده -جلَّ جلاله-.
هذه العبادة
التي نحتاجها في سائر حياتنا، وفي كل أحوالنا، فإن الله -تعالى- قال: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)، ولن تتحقق هذه غاية "التقوى المرادة" مِن وراء الصيام ورمضان إلا
إذا استقر في القلب التعظيم لأوامر رب العالمين، والوقوف عند حدوده؛ لذلك قال
-تعالى-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ
فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج:32).
فهذا التعظيم
وهذا الإجلال ينبع مِن مخافة الله -تعالى-، ومِن ثَمَّ مخافة التعدي علي حدوده في
كل حالٍ وكل آن؛ فخوف الله -تعالى- هو العبادة التي يجب أن تملأ القلب وتُشِبعه حتى تمنعه
تمامًا مِن تضييع فرائض الله -تعالى-، أو التقصير في فعل القربات والطاعات، وكذلك
تَحْجِزَه وتصده عن مجرد الاقتراب مِن محارم الله -تعالى-، فالخوف مِن الله -عز
وجل- هو الحاجز الصلب أمام دفعات الهوى، والطارق القوي المانع مِن الغفلة، وحائط
الصد للشهوات والفتن.
ولذلك وعد الله -تعالى- عباده المتصفين بالخشية
منه -جل جلاله-، العارفين لمقام مخافته ومخافة يوم الحساب وشِدته، بأنهم وإن طال
بهم أمد الاستضعاف، فلهم في النهاية التمكين في الأرض والسيادة في الدنيا، قال
-تعالى-: (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ
ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) (إبراهيم:14).
أما في الآخرة
فأصحاب الخشية مِن الله -تعالى- والخوف مِن سخطه وعذابه، هم أصحاب الفرحة الكبرى
والسعادة العظمي بخشيتهم لربهم -جل جلاله-، وخوفهم مِن عقابه الذي لازمهم في سائر
شئونهم، في عباداتهم ومعاملتهم، وأقوالهم وأفعالهم، قال -تعالى-: (وَأَقْبَلَ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ . قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي
أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ . فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ
. إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) (الطور:25-28).
فهذا مِن أهم
وأوثق علامات الإيمان؛ فلن يخشى الله -تعالى- ويخافه حق الخشية والمخافة إلا مَن وقر في قلبه تعظيمه
لربه، وإجلاله حق التعظيم، ومعرفة قدر مولاه حق المعرفة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر:28)؛ لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- هو أشد
الناس خوفًا مِن الله -تعالى- وخشية له -سبحانه وتعالى-، فعن عَائِشَةَ -رضي الله
عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنِّي
لأَعْلَمُهُمْ بِاللهِ، وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً) (متفق عليه).
وكذلك مِن
أوثق علامات التعظيم لله -تعالى- ومخافته: الإقبال على الطاعات والحرص عليها، وعدم
تضييعها، عن أَبي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُول الله -صلى الله عليه
وسلم-: (مَنْ خَافَ أدْلَجَ، وَمَنْ أدْلَجَ بَلَغَ
المَنْزِلَ، ألا إنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، ألاَ إنَّ سِلْعَةَ الله
الجَنَّةُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). (أدْلَجَ): أي
سار مِن أول الليلِ، والمراد التشمير والهِمة في الطاعة والصلاح.
وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ
يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ
رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)
(المؤمنون:60-61).
نسأل الله -عز وجل- أن يملأ قلوبنا بتعظيمه
والخشية منه. اللهم آمين.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.
موقع أنا السلفي
www.anasalafy.com