الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدعاء روح الحياة!

المحروم هو مَن حُرم نعمة وبركة الدعاء

الدعاء روح الحياة!
أسامة شحادة
الاثنين ١١ يونيو ٢٠١٨ - ١٨:٣٢ م
829

الدعاء روح الحياة!

كتبه/ أسامة شحادة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا زلت أذكر مِن سنوات بعيدة ذلك الموقف الذي فتح عيني على معنى الدعاء وكونه روح الحياة؛ كنتُ برفقة ضيف كريم في عمان، وذهبنا سويًّا لشارع مستشفى الخالدي، الذي تتزاحم فيه العيادات والمراكز الطبية، ويعاني القادمون له مِن أزمة مواقف السيارات، فما كان مِن ضيفي إلا أن دعا الله أن ييسر لنا موقفًا، وفعلًا استجاب الله لدعائه.

جرى حوار بيني وبينه عن الدعاء، وهل يدعو الإنسان ربّه لمثل هذه الأمور البسيطة؟ فذكّرني بنهج السلف الذين كانوا يسألون الله -عز وجل- كل شيء، ومِن ذلك ما روي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "سَلُوا اللهَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الشِّسْعَ، فَإِنَّ اللهَ إِنْ لَمْ يُيَسِّرْهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ" (رواه البيهقي، وحسنه الألباني). والشسع هو: سير النعل الذي يكون بيْن الأصابع.

ومتى تعوّد القلب استحضار ملك الله -عز وجل- للكون كله؛ كبيرِه وصغيرِه، وتعوّد اللسان سؤاله وطلب حاجاته تحققت له حقيقة العبودية لله -عز وجل-؛ لأن السؤال والطلب دليل الافتقار والذل، والاعتراف بالملك والحكم لله -عز وجل-، وهذا يكشف عن معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

وكلما تحقق توحيد الرب في قلب العبد علمًا ومعرفة بعظمة الله وسعة ملكه، وقدرته، وجوده وكرمه ورحمته؛ انعكس ذلك على حال العبد دعاءً وسؤالًا واستغفارًا؛ ولذلك قال الإمام ابن قيم الجوزية: "وأحبّ خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤالًا، وهو يحب الملحّين في الدعاء، وكلما ألحّ العبد عليه في السؤال أحبّه وقرّبه وأعطاه".

ودعاء الله -جلَّ وعلا- وسؤاله وطلب حاجات الإنسان منه لا ينافي الأخذ بالأسباب، فقد أمرنا الله -عز وجل- بدعائه فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر:60)، ولكنه أمرنا أيضًا بالأخذ بالأسباب في آياتٍ كثيرة، منها قوله -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) (الأنفال:60).

ومِن تطبيقات النبي -صلى الله عليه وسلم- بخصوص الدعاء والأخذ بالأسباب: ما صنعه -عليه الصلاة والسلام- في غزوة بدر، والتي كانت في شهر رمضان، حيث أخذ بالأسباب المادية فصفّ أصحابه وهيّأهم للقتال، واستمع لمشورة الحباب بن المنذر؛ فجعل بئر بدر خلفه ليشرب منها المسلمون دون المشركين، ثم لجأ للدعاء والإلحاح فيه.

فالموحّد الموفّق يكون الدعاء حاضرًا على لسانه وقلبه دومًا في شؤونه كلها؛ صغيرها وكبيرها، ما يخص دينه ودنياه معًا، مع أخذه بالأسباب الصحيحة؛ ممّا يقوي صلته بالله -عز وجل-، ويشعره بمعية الله -عز وجل-، وحفظه ورحمته له بتيسير أموره واستجابة دعائه، وبذلك يكون دعاؤه هو روح حياته.

والمحروم هو مَن حُرم نعمة وبركة الدعاء، كما كان يقول الفاروق -رضي الله عنه-: "أنا لا أحمل همّ الإجابة، ولكن أحمل همّ الدعاء!".

وأسوأ مِن ذلك: مَن كان دعاؤه لغير الله -عز وجل-؛ فتجده يدعو ويستغيث بغير الله -تعالى- مِن الصالحين والأولياء، وبذلك يُحرم أجر العبادة، ويقع في إثم الشرك -والعياذ بالله!-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً