الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

قصة الانتصار بعد الانكسار!

تتشابه الأحداث في انتفاش الباطل وسطوته وغرور الظلم وغطرسته، ثم ينتصر الحق وتعلو راياته

قصة الانتصار بعد الانكسار!
حسني المصري
الثلاثاء ١٠ يوليو ٢٠١٨ - ١٦:٤١ م
892

قصة الانتصار بعد الانكسار!

كتبه/ حسني المصري  

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلقد عاش المسلمون في أنحاء الأرض مع القرآن شهرًا كاملًا تدوي به مآذنهم، وتشدو به محاريبهم؛ عاشوا معه قراءة وتدبرًا، واستماعًا وفهمًا؛ ولعلهم أدركوا الحقيقة الكامنة بيْن دفتيه، والتي تغيب عنهم أحيانًا أو يغيبون هم عنها؛ ألا وهي: أن التغيير الحقيقي للنفس والكون والحياة لن يكون إلا بالفهم الثاقب لكتاب الله، وجعله هو وحده منهجًا عمليًّا  للحياة.

فالقرآن الكريم يفاجئك بأنه يكشف لك بيْن صفحاته وآياته حقيقة الكون والوجود والإنسان، بأفصح عبارة، وأدق بيان!

فإذا ما تأملتَ في آياته تكشفت لك حقائق لا تُحصى عن كل شيء تعيشه في الحاضر والماضي والمستقبل؛ تكتشف ذاتك وتقيم حياتك وأخلاقك وصفاتك، وأين تقف أنت مِن هذه الآية أو تلك؟!

فعند الحديث عن الصدق أو الأمانة، وعن الكذب أو الخيانة، وعن البخل أو الكرم، وعن الشجاعة والجبن، وعن العدل والظلم؛ تسأل نفسك: في أي صفٍّ أنت؟ ومع مَن ينبغي أن تكون؟! لتبدأ رحلة التغيير الحقيقية، واتخاذ القرارات المصيرية في حياتك وسلوكك وأخلاقك، وليس هذا وحسب، فالتفاصيل الدقيقة وما وراء الأحداث التي يخبرنا الله بها في كتابه تمنحنا التصور السليم للحياة الدنيا، وتاريخ الإنسانية وأخبار الأمم السابقة؛ لتكتشف حقيقة هذا الإنسان الذي هداه النجدين -أي طريق الخير وطريق الشر-، وهو باختياره يفعل هذا أو ذاك.

ويخبرنا القرآن بأولئك الذين اصطفاهم الله مِن خلقه فكافحوا ضد الشر والباطل، وجاهدوا بكل سبيل لإعلاء الحق ورفع رايته، وكابدوا وصبروا وهم مع ذلك واثقين مستبشرين مشفقين على أولئك المعاندين!

وحين تتدبر فيما أخبرنا الله به مِن أحوال الأمم السابقة وقصة الصراع الأبدية الطويلة بيْن الحق والباطل، وانتفاش الباطل وغروره، وسطوة الظلم واستبداده، وقوة الحق في حجته وبرهانه؛ فتعيش في هذه الأحداث واثقًا مِن نتيجتها الحتمية، فالمعركة محسومة النتائج في نهاية المطاف، غير أنك لابد مِن أن تستشعر كم الآلام والتعب والعقبات التي واجهها دعاة الحق مِن الأنبياء وأتباعهم.

نعم، قد تتألم وتبكي وأنت تتدبر الآيات... وقد تتساءل أحيانًا: كيف لهؤلاء الأقوام أن يواجهوا أنبياءهم بكل هذا الجحود والإنكار، والصلف والاستعلاء، والإبعاد والتعذيب؟! أليسوا هم مَن شهدوا لهم بالهدى والصلاح، والصدق والأمانة؟!

فإذا كنتَ أنت تتألم لهذا؛ فما بالك بمَن عايشه وأحسه وكابده؟!

لكنك حين تعيش هذه الأحداث تنتظر بشغف واستبشار تلك اللحظة التي تسقط فيها أصنام الباطل وأراجيفه، وتعلو فيها رايات الحق، تلك اللحظة التي تنتظرها دائمًا فيرقص لها قلبك طربًا وفرحًا؛ فها هو نوح -عليه السلام- ينجو ومَن معه مِن المؤمنين، ويأكل الطوفان بيْن أمواجه كل مَن كانوا يسخرون منه ويستهزئون مِن أتباعه، ويحفظ الله نبيه هودًا -عليه السلام- وأتباعه مِن الريح العقيم التي تقتلع الجبابرة اقتلاعًا، وينجو كذلك صالح -عليه السلام- والمستضعفون مِن المؤمنين معه، وتنخلع قلوب المتغطرسين بالصيحة.

وإبراهيم الخليل ولوطًا وشعيب -عليهم صلوات الله وسلامه-.

وموسى الكليم -عليه السلام- كم نجى مِن الفرعون المغرور؛ نجاه الله في المهد رضيعًا ليتربى في قصر الطاغية "ومِن ماله" في إشارة قوية إلى أن فرعون على صلفه لن يخرج عن قدرة وتدبير العزيز الحكيم، وينجو منه شابًا ليأتي إليه نبيًّا كليمًا، ورسولًا كريمًا، ويحتدم الصراع ويستمر ويدخل في الصراع بنو إسرائيل، لكنهم يخافون مِن إيذاء فرعون المتسلط: (قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا) (الأعراف:129)، ويخافون أن يدركهم فرعون عند البحر.

لحظات مرعبة "بتعبير العصر" قبْل لحظات النصر؛ إذ ينشق البحر ليمر منه المؤمنون بما يحملونه معهم مِن أمتعتهم مطمئنين، ينظرون مِن على الجانب الآخر كيف ينطبق البحر بعدهم على فرعون وجنوده، ينظرون إليه وأمواج البحر تأخذه في باطنها وترفعه، وهو لا يملك لنفسه ولا لجنده شيئًا، فيتنفسون الصعداء، وأنت أيضًا تتنفس الصعداء، وتعيش هذه اللحظات، لحظات الانتصار بعد الانكسار، وما أشبه قصة موسى -عليه السلام- ومَن معه مِن المؤمنين بقصة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين به عبْر الزمان.

تتشابه الأحداث في انتفاش الباطل وسطوته وغرور الظلم وغطرسته، ثم ينتصر الحق وتعلو راياته؛ لتتحقق إرادة الله، ويصدق وعده بنصر أهله، فالنتائج محسومة، والنهايات محتومة؛ غير أن أهل الحق قد يستعجلون، وأهل الباطل على باطلهم يستمرون.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة